واقع لا محال في أن نخوضه اليوم ، ونبحث فيه ونتدارسه ، إن كان هناك ..!! مايزال ضمير يعيش فينا ، فتصريحات كوشنر بخصوص صفقة القرن غريبة ، حيث إنها تقول إن توسع إسرائيل أمر لا يمكن إيقافه ، ولذلك فإنه لا يوجد أي خيار أمام فلسطين إلا التوقيع على الصفقة ، وبهذا فهي تمنح الضوء الأخضر للقيادات الإسرائيلية لتوسيع المستوطنات غير المشروعة ، وهذه تطورات تزيد الأمر سوءاً وتجعل تنفيذ خطة سلام أكثر صعوبة ، فالخطة المطروحة من قبل نتنياهو ومعسكر اليمين هي في حقيقتها خطة اليسار الإسرائيلي قبل ثلاثة عقود ، وتعني حل الدولتين بين النهر والبحر وعاصمتهما القدس ، لكن المشكلة تكمن في الوقائع على الأرض ، فقد اشترط ترامب على الفلسطينيين شروطا وتعهدات قاسية قبل إقامة دولتهم السيادية ، وإمكانية العثور على زعيم فلسطيني يقبل بهذه الشروط هو صفر مطلق…!!! كما يرونه ولكننا نرى ان الصفر قادم ، والقادم هو الدحلان أو امثاله ، ممن تم تجهيزهم وبرمجتهم لخيانة اواطانهم وشعوبهم ، وما إكثرهم اليوم .
لذلك ننظر في أن المشكلة التي تواجه نتنياهو أنه حتى لو حصل على 80 مقعداً في الكنيست ، فإنه بعد زمن قصير فقط سيتحول إلى متهم في محاكمة جنائية إسرائيلية ، لذلك يمكن القول بكثير من الثقة إن صفقة القرن لن تسفر عن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا من قريب ولا من بعيد والانفجار الجماهيري قادم ، ومن قلب فلسطين ومن شعب فلسطين الداخل .
لذلك لن تسفر صفقة القرن الأمريكية عن تحقيق السلام ، لكن بنيامين نتنياهو أنقذ نفسه من خلالها من ورطته السياسية ، ولذلك يمكن اعتبار صفقة ترامب كوشنر هي طوق النجاة لنتنياهو ، وبفضلها يمكن له الوصول إلى 61 عضو كنيست يمنحونه ثقة تشكيل الحكومة القادمة ، فاليوم وبالامس البعيد والقريب والمستقبل ، تحاول إسرائيل استغلال صفقة القرن لتوظيف دول الخليج في عملية التطبيع معها ، وفي حالة حدوث ذلك ستعمل إسرائيل على غزو البضائع الاسرائيلية للأسواق الخليجية ، حيث تدرك إسرائيل أن القدرة الاقتصادية والمالية لدول الخليج يمكن أن تدعم الاقتصاد الإسرائيلي ، علماً أن السنوات الأخيرة شهدت تقارباً فعلياً وخاصة في الاشتراك في عداء إيران .
لذلك ومن منطلق الاحداث وتصعيدها ، حاولت أمريكا بسبب هذه الأحداث المصطنعة في الوطن العربي منذ عام 2010 دعم الأهداف الأمريكية القصوى ، أي فرض أقصى ضغط اقتصادي لإحداث ثورات داخلية ، بما في ذلك محاولة تغيير الأنظمة بالجملة في كل من ليبيا ومصر وسورية ، واكتشفت الإدارة بسرعة أنها لا تملك الإمكانيات لإدارة نتائج هذه السياسات ، وأدى صعود تنظيم داعش وتورطها فيه إلى جرها عسكرياً إلى المنطقة .
من هنا نجد ان إلقاء نظرة على خارطة الدولة المقترحة يكفي لمعرفة أنه لن تكون هناك دولة في فلسطين ، فالخطة تمنح إسرائيل جميع المستوطنات تقريباً مع غور الأردن ووادي عربه ، وحتى لو قُبلت الخطة ، فغير معروف ما إذا كانت إسرائيل ستعترف بدولة فلسطين بعد 4 أعوام ، عموماً لا يبدو أن الخطة واعدة للسيادة الفلسطينية أو بالنسبة لإحداث تطور حقيقي في وضع الشعب الفلسطيني .
لذلك اليوم تريد واشنطن الدفع لتوحيد الموقف الأوروبي للمضي وراء موقفها ، في فرض أشد الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية ضد دمشق ، لتوفير أدوات ضغط على روسيا للجلوس على الطاولة حول المستقبل السياسي ، وما يمكن أن تشمله سلة الإجراءات ، هو فرض عقوبات اقتصادية ضد رجال أعمال وكيانات في دمشق ، ذلك أن الجانب الأميركي يرى أن قانون قيصر سهّل عملية فرض العقوبات داخل المؤسسات الأميركية ، إذ إن واشنطن بصدد إصدار قائمة جديدة لفرض عقوبات .
من هنا نلحظ أن عدد من الدول الأوروبية تردد في المضي في الاقتراحات الأميركية لتبني سياسة الضغط الأقصى على دمشق ، باعتبار أنها ترى أن موضوع الصبر الاستراتيجي مكلف لأوروبا بسبب مخاوفها من الهجرة والإرهاب واللااستقرار في سوريا والأوضاع الداخلية لكل دولة أوروبية ، فأمريكا تستطيع الانتظار ، لكن تكلفة الانتظار عالية في أوروبا ، فالتباين بين أميركا وأوروبا إزاء سوريا يشابه انقسامهما إزاء الملف الإيراني .
د.سليم الخراط
Discussion about this post