النصيحة الْيَوْم لمكونات منطقتنا الاوسطية وللعرب على وجه الخصوص ، أن نكون “عصريين” قابلين للحوار والنقاش والأخذ بالتغيير والتحديث ، متوافقين على أن لا يبقى مستقبل المنطقة رهناً للماضي الذي يحمل في طياته للأسف بذور الانفجار .
نظراً لأن العالم يمر بفترة انتقالية حرجة تشهد صراعا حادًا حول فرض السيطرة ويُعاد فيها صياغة الكثير من أسس الحوكمة الدولية والوطنية بما ينعكس سلبًا على منطقتنا الأوسطية بشكل أكبر ، يتوجب علينا التنبه لتشكيل مسار حق تقرير مصيرنا بأنفسنا، أو المشاركة في تشكيله بدلاً من المراوحة بالمكان وانتظار المتغيرات ، وسط كل هذا الغموض الذي يسود الموقف للناظرين على مجريات الاحداث بسطحية السذاجة التي اعتادها معظم الفاعلين المحليين بملفات المنطقة ، متغافلين عن النظر الى مرحلة التطورات التاريخية التي قد يكون من شأنها تغير شكل المنطقة ، بولادة دول جديدة ذات معايير مختلفة عابرة للاثنيات والطوائف مع اليقين التام بانتهاء دور الدويلات الصغيرة التي أضحت الثقب الأسود في استقرار وسلام المنطقة والعالم وسط صراع المشاريع الدولية وارتداداتها المتشعبة .
في الوقت الذي تغزو فيه الشيزوفرينيا فكر وشخوص معظم شاغلي الرأي العام (الفصام – اضطراب نفسي ..) تتشوه من خلالها طريقة التفكير ، التصرف ، التعبير ،النظر الى الواقع ومن ثم السلوك السلبي عبر رؤية الوقائع بتباين مع عدم التمييز بين الواقع والخيال ، مما يفاقم معاناة مشاكلهم الوظيفية في المجتمع ….
فرصة التعافي والاستجابة للمتطلبات الشعبية تتجلى في إعادة اللحمة المجتمعية وتفعيل دور المجتمع المدني والإنضاج السياسي بإطلاق مبادرات وندوات وحلقات نقاش وحوارات مدنية ومجتمعية وسياسية تجمع فرقاء الوطن الواحد حول مشروع وطني حقيقي لبناء مستقبل ديموقراطي مدني ؛ وإنعكاساً لما سبق على الحالة السورية يسعى الدكتور هيثم مناع واللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري لإستعادة السيادة والقرار ، الى تقديم مشروع وطني سوري حقيقي واسع التمثيل يجمع السوريين جميعاً بعيداً عن اي تبعية خارجية ، وبالاعتماد على وعي واقعي لمرحلة انحلال المعارضة التقليدية السابقة والاستفادة من التجربة والخبرة التراكمية لبناء غدٍ أفضل للسوريين .
في رد مساعد وزير الخارجية الامريكي شينكر بعد زيارته للمنطقة في النصف الاول من الشهر الحالي على سؤال احد الصحفيين حول مناقشة الموضوع السوري مع شركائهم الإقليميين
أجاب نعم لأن سوريا تمثل إحدى أكبر أزمات المنطقة، وناقشنا توجه الجهود التي نبذلها هناك ومستقبل النظام وتطبيق القرار رقم 2254 والدور الروسي ودور الجهات الإقليمية الأخرى وبخاصة إيران ، كما تم البحث في موضوع أزمة اللاجئين والجهود الرامية إلى خلق جو يُمكّن اللاجئين من العودة إلى ديارهم بأمان وطواعية ، وتأتي زيارة جيمس جيفري ايضاً في هذا السياق الى الشمال السوري لتشكيل اجماع كردي لهيئة تفاوضية ( تضم ٤٠ شخصية )
١٦ عضو من مسد ومثلهم من المجلس الوطني الكردي و ٨ شخصيات مستقلة ، في ظل تسريبات عن ملف جديد في البيت الابيض يُناقش عقد صفقة السلام التركي – الكردي ، لضبط
فائض القوة المنفلت لدى تركيا والتي تحاول به فرض معادلات جديدة في الاقليم والبحر المتوسط .
ويأتي تصريح وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في هذا الاطار بأن الأمن القومي التركي لا يتحقق عبر التدخل العسكري في سورية والعراق بل من خلال اعادة نشر الجيش السوري والعراقي على كامل الشريط الحدودي المشترك .
كما حدد جيفري خلال اجتماعاته النقاط الخمس في الشمال الشرقي وهي ما كشف عنه د. قدري جميل، رئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، خلال لقاء له على قناة الميادين وهي:
1- لن نسمح للأتراك بإعادة ما حدث في رأس العين وتل أبيض، أو الاستحواذ على أرضٍ جديدة، تحت طائلة العقوبات.
2- التعجيل بالاتفاق الكردي الكردي، لأننا ذاهبون إلى معارضة جديدة وقوية خارج إطار الائتلاف.
3- لا نعمل على إعطاء حكم للكرد، ونحن مع وحدة سورية مع الحفاظ على حقوق الكرد.
4- فك الارتباط مع حزب العمال الكردستاني.
5- البنود أعلاه استراتيجية أمريكية لاعلاقة لها بقدوم أو بذهاب رئيس أمريكي .
وأضاف د. قدري جميل بأن السياسة الامريكية تتميز بغياب الرؤية الواضحة وأن سياساتها في المنطقة تحجم دورها وتعطي مساحة أوسع لعمل مجموعة استانا وروسيا ومخرجات سوتشي وفق قرار مجلس الامن الدولي 2254 ، وأضاف باقتراح نقل عمل اللجنة الدستورية الى دمشق بدلاً من جنيف تعزيزاً لمفهوم السيادة والكرامة الوطنية .
من ناحية اخرى يجب أن تشمل أي عملية تهدف إلى سلام عادل ودائم في المنطقة بين إسرائيل والدول العربية تطبيق القرارات الدولية وعلى الاخص قراري مجلس الامن الدولي 242 – 338 والمبادرة العربية – الارض مقابل السلام – مع إزالة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وحل الدولتين في فلسطين ، والحد من انتهاكات حقوق الانسان وتحقيق العدالة وتعويض ضحايا الجرائم بموجب القانون الدولي .
إن المخاوف والمحاذير الْيَوْم ، من تحول الموقع الجغرافي الاوسطي في شرق البحر الابيض المتوسط لصالح مرفأ حيفا والقطاع المصرفي والمالي لصاح البنوك الاسرائيلية ، يشكل مخاطر وكوارث اقتصادية – اجتماعية في منطقتنا من الصعب تدارك نتائجها في حال حصولها .
إن الإقتصاد الناجح و الثراء المجتمعي يقوده رواد أعمال و رجال أعمال متميزون في استقصاء حاجات ورغبات الناس، في الإدارة، في الإنتاجية العالية، في التسويق، في المثابرة …فالسوق التنافسي الحر وسط محيط جغرافي اقتصادياته ليبرالية حرّة هو السبيل الوحيد لرسم ملامح الاقتصاد الوطني المستقبلي بالعمل على إعادة تدوير عجلة الانتاج لاستثمار الثروات المحلية البشرية والمادية لتكون قادرة على تجاوز الازمات بدلاً من ادارتها عند حدوثها ، مع ما يرافق ذلك من الدعم المادي بدلاً من السلعي بما يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية بدعم الفئات الاكثر حاجة وحماية الفقراء من العبودية الحديثة ومكافحة الفساد ، وزيادة تمويل التنمية المتوازنة واصدار قوانين استثنائية تتماشى مع الظروف الاستثنائية التي مرت على سورية عبر تسوية النزاعات المالية والمصرفية وخصوصاً للمنشآت التي كانت متواجدة في المناطق الساخنة
وهو ما يشجع على تعافي اقتصادي واجتماعي مستدام يعزز الاستقرار والسلام على كافة الجغرافيا السورية .
إن الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة والتغيير الجاد والحقيقي هي قوة وطننا ومستقبل بلادنا واحفادنا الذي يحفظ كرامتهم من قوى الفساد والارهاب، فمواطنوه الأحرار هم من يصنع وطناً يمتلك السيادة والقرار ، يُحكم بدستور وقوانين تصون مواطنيها وتضمن المساواة بينهم في الحقوق والواجبات ؛ تديرها كفاءات وقدرات رجال دولة ( الفرق بين السياسي ورجل الدولة هو أنّ السياسي يفكّر في الانتخابات المقبلة بينما رجل الدولة يفكّر في الأجيال القادمة ) ضمن منظومة حوكمة تلتزم بتنفيذ الدستور وموائمة القوانين منتخبون من الشعب ويخضعون لمساءلته ومحاسبته، عبر قضاء نزيه ومستقل وعادل ، وطن الشفافية والمصارحة والتشاركية ، كل ذلك ليست آمال واهية بل خارطة الإنعاش والنهوض الوطني التي ستتحقق وليس مداها بالبعيد .
والى لقاء آخر …
المهندس باسل كويفي
Discussion about this post