أصبح اسمها على لسان كل مريضة رمتها الأقدار بين براثن المرض. خديجة القرطي، سيدة في السبعينيات من عمرها، نذرت حياتها لمساعدة مرضى السرطان من النساء المعوزات، ففتحت بيتها الواقع بحي يعقوب المنصور بالرباط، لاستقبالهن خلال فترة علاجهن المرهقة بالعاصمة.
“بَابي مفتوح في وجه كل المريضات المعوزات”، تقول خديجة لموقع “سكاي نيوز عربية”، وتضيف “أتمنى أن يبقى هذا العمل الخيري مستمرا حتى بعد مماتي، كصدقة جارية”.
إصرارها وصبرها على أنين المريضات، تستمدهما من قصتها المريرة مع زوجها منذ أكثر من خمس عشرة سنة.
فبجانب زوجها الراحل، رأت هذه السيدة المنحدرة من زاكورة، بأُم عينها كيف نهش جسمَه السرطان، رويدا رويدا، وكيف حوله من رجل ممتلئ بالحركة والنشاط إلى جسد ساكن منهك.
بعد رحلة مع جلسات الاستشفاء والبحث عن الدواء رحل الزوج، وبينما هي تضمد ألم الفقد ووطأة غياب رفيق العمل والمعيل، كان عليها في الوقت ذاته أن تتولى مسؤولية متابعة علاج شقيقتها المصابة أيضا بالداء الخبيث، إلى أن وافتها المنية، فكان الألم ألمَين.
وفي حديث لـ”موقع سكاي نيوز”، تقول السيدة خديجة: “أثناء زيارتهما في المستشفى -زوجها وأختها-، كنت ألتقي يوميا بعدد من النساء اللواتي تقطعت بهن السبل في العاصمة، أغلبهن قادمات من مدن بعيدة لإجراء فحوصات أو لزيارة أقاربهن”.
وتضيف القرطي “رأيت معاناة تلك النساء من أجل العثور على فندق أو مكان لإيوائهن أثناء تواجدهن بالرباط”.
بيتها الصغير كان يحتضن في البداية، حوالي ثلاثين امرأة. وبعد أن ذاع صيتها، اتصل بها عدد من المحسنين ومدوا لها يد العون، من تبرعات وأموال، وهبات، وهو ما مكنها من افتتاح مكان جديد لإيواء المرضى سنة 2009، مباشرة بعد وفاة زوجها، وإنشاء جمعية أطلقت عليها اسم “جنات”، تطويرا لنشاطها الإنساني.
توفر لهن المأوى، والطعام والتنقل وحتى بعض الأدوية التي يصل ثمنها إلى حوالي 600 درهم (65 دولار أميركي). كلهن من خارج مدينة الرباط. قدِمن من مدن وقرى نائية قصد العلاج. خائرات القوى، يائسات، وأغلبهن فقيرات. وجدن بيتا دافئا فتح لهن أبوابه وأعطاهن صدرا رحبا، عانق معاناتهن، وأسرةً احتضنتهن.
وأخبرتنا الحاجة خديجة بأنها قامت مؤخرا بكتابة وصية لشقيقها حتى يبقى بيتها دائما مفتوحا وبالمجان في وجه النساء حتى بعد وفاتها”.
وتضيف: “أتمنى قبل أن أُسلم الروح لبارئها أن أرى مبادرات كهذه، بجل المدن المغربية. وأن أكون قدوة حسنة لمحسنين اخرين يتهافتون على فعل الخير ومساعدة الآخرين”.
وتطمح السيدة خديجة لفتح دارين لإيواء الرجال، وذلك في مرحلة مقبلة، بعد انتهاء وباء كورونا، الذي أجّل هذا الحلم إلى وقت لاحق.
Discussion about this post