وهنا لا بد من تعريف الأمن الاجتماعي الذي تكفل تأمينه الدولة اتجاه مواطنيها، فالأمن لغة يعني عدم الخوف، واصطلاحاً يعني تهيئة الظروف المناسبة التي تكفل الحياة المستقرة، ومن خلال الأبعاد السياسية والاقتصادية التي تهدف إلى توفير أسباب العيش الكريم وتلبية الحاجات الأساسية. والأمن الاجتماعي يعني توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من الشعور بالمواطنة والانتماء والتجذر والعدالة الاجتماعية. . فالأمن الاقتصادي والاجتماعي ركائز للأمن الشامل,وبما أن هذا الأمن مهدد بالانهيار أو بالفقدان لدى شريحة كبيرة من المواطنين اليوم، عبر الفقر أولاً، ثم انخفاض الدخل، والبطالة. ونظراً لكل هذه الأزمات والتهديد ببروز نتائج مخيفة ومرعبة على الصعيد الاجتماعي كزيادة نسبة الانتحار والجرائم الجماعية والفوضى و الإرهاب ,ولذلك فان توفير الصحة و التعليم والأمن والاستقرار الأسري وامتلاك قوت اليوم وقلة الوفيات وانعدام الخوف وزيادة الأموال والأنفس تشير إلى توفر حالة من الأمان الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع ،، وكذلك هنالك تعريف شامل للأمن بأنه هو القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية والاقتصادية والعسكرية ، في شتى المجالات في مواجهة المصادر التي تهددها في الداخل والخارج في السلم والحرب ، مع استمرار الانطلاق المؤمن لتلك القوة في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة.
يتمثل الأمن على المستوى الفردي في تحقيق قدر من الطمأنينة والسكينة للفرد ، من خلال توفير وسائل السلامة له من الأخطار التي تهدد حياته أو عرضه أو شرفه أو حريته أو ماله ، وبالتالي فان إشباع الحاجات الأساسية على المستوى الفردي يمكن إن تؤدي إلى تحقيق الأمن الاقتصادي للمجتمع والعكس صحيح في حالة عدم إشباع هذه الحاجات الأساسية فان الإفراد يصبحون مهددا اقتصاديا للمجتمع باعتبار إن الإنسان هو الذي يقوم بعمليات الإنتاج والتوزيع والإشراف عليها وهو المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي.
إما الأمن على المستوى الجماعي فيتمثل في تحقيق الحماية لحقوق الجماعات المختلفة في المجتمع ورعاية مصالحها في المجالات المختلفة وتوفير النظم والمؤسسات التي تخدم هذه الجماعات
وهناك عدد من النظريات تحدثت عن علاقة الأمن الاقتصادي بالحاجات الأساسية للإنسان وهي ما يعرف بنظريات الحاجات الأساسية ، التي تتمثل في نظرية ماسلو ونظرية موري ونظرية هيرزبرج.فقد أشارت نظرية ماسلو إلى إن الحاجات الأساسية للإنسان تكون في شكل هرم تبدأ من أسفل إلى اعلي ، وبالتالي فان الإنسان يبدأ في إشباع حاجاته من أسفل إلى اعلي إلا إن قليل من الناس من يصل إلى قمة الهرم.فالإنسان في نظر ماسلو يبدأ بإشباع الحاجات الطبيعية ثم الحاجات الأمنية التي تليها الحاجات الاجتماعية ثم الحاجات النفسية وأخيرا تحقيق الذات .وحسب نظرية ماسلو فان إشباع الحاجات الأمنية للإنسان تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية.كما أشارت نظرية موري إلى الحاجات الأساسية للإنسان من منظور الدوافع الأساسية التي تحرك الإنسان وحددتها في عدد من الدوافع هي الجوع ، والجنس وحب الاستطلاع .وبالتالي فان النظرية حاولت الربط بين الاثار المترتبة على انعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي واسبابه.
إما نظرية هيرزبرج اشارت إلى اهمية الحاجات الأساسية للإنسان ، التي تتمثل في الماء والهواء والغذاء ، ويرى هيرزبرج إن هذه الحاجات هي التي تدفع الإنسان لاظهار سلوك معين ، ويمكن القول إن انعدام الماء والغذاء والهواء يمكن إن يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الانساني..
…وتختلف الأساليب و الطرق لتحقيق الأمن الإجتماعي ومنها: :
1 – الأمن التكافلي أو التأمين الاجتماعي والصحي ،ونقصد بالأمن التكافلي ، تلك السياسة التي ترمي إلى توفير الحماية الاجتماعية للعاملين في مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال إتباع نظام استقطاع جزء من مرتبات العاملين وإيداعها في صندوق معين وفقاً لقوانين ولوائح معروفة تمنح للعاملين في حالات ترك العمل أو الفصل من الخدمة أو استيفاء سن المعاش أو العجز أو المرض أو الوفاة . وهذا النظام يعرف بالتأمين الاجتماعي أو فوائد ما بعد الخدمة والذي يرتكز بصورة أساسية على تسخير عمليات التكافل وسط قطاع العاملين لتوفير الحماية والأمن الاجتماعي لهم . أما الأمن التكافلي الصحي هو نظام تكافلي بين المواطنين والدولة حيث يدفع المشترك – حسب دخله – مساهمة شهرية محدودة ليتمتع هو وأفراد أسرته بالخدمات الطبية المتكاملة بغض النظر عن حجم الأسرة وحجم الخدمات المطلوبة والتي تشمل الكشف والفحص المجاني ، ثم الدواء بتكلفة رمزية وهو ما يعرف بالتأمين الصحي .
2 – : مشاريع مكافحة الفقر :
تمثل مشاريع مكافحة الفقر واحدة من أهم الطرق التي تستخدم لتخفيض معدلات الفقر في المجتمع . ويمثل الفقر الخطر الأكبر للمجتمعات المعاصرة وذلك لان الفقر هو أحد مهددات الأمن الاقتصادي ، وبانتشار الفقراء في المجتمع تنتشر الأمراض وسوء التغذية وتكثر الجرائم والسرقات كما تكثر حالة عدم الرضا الاجتماعي والسياسي ، كما يتسبب في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمع . ولذلك ينظر لمشاريع مكافحة الفقر وكفاءتها في التدخل ، بأنها عامل أساسي في تحقيق الأمن الاقتصادي ، بل الأمن الشامل في المجتمع.
3 – تأمين فرص العمل :
يعتبر العمل مصدراً أساسيا في إشباع الحاجات الأساسية للإنسان ويعمل على تحويل الإنسان من حالة الفقر والجوع والخوف إلى حالة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ، كما أنه هو الوسيلة والمدخل الفاعل في تحقيق القوة الاقتصادية والأمن الاقتصادي ، ولذلك ينظر للمجتمع الذي تسود فيه معدلات مرتفعة من البطالة وغير الناشطين اقتصادياً بأنه مجتمع فقير أو غير منتج أو غير نامي أو متأخر . ولذلك فان ارتفاع معدلات السكان الناشطين اقتصادياً يعكس الوضع الاقتصادي للدولة المعينة ويعكس مدى قدرتها في تحقيق الأمن الاقتصادي .
4 – السياسات الاجتماعية :
تمثل سياسات الرعاية الاجتماعية المتعددة ، التي تستهدف التنمية الاجتماعية ورفع مستويات المعيشة للاسر والمجتمعات المحلية وحماية الشرائح الضعيفة ومكافحة الفقر وغيرها ، تمثل بعداً مهماً من أبعاد تحقيق الأمن الاجتماعي الاقتصادي ، خاصة تلك البرامج والمشاريع التي تتمثل في التمويل الأصغر وبرامج الاسر المنتجة وتشغيل الخريجين ومشاريع استقرار الشباب ورعاية الطلاب ، ومشاريع تحقيق الأمن الاقتصادي للمرأة . ولذلك لابد من توسيع مفهوم الرعاية الاجتماعية ليشمل احتياجات وفئات اخرى في المجتمع وتفعيل برامج التدخل الاجتماعي والاقتصادي الفاعلة التي تحقق عائداً اجتماعياً كبيرا،وخلال الأزمات ينجم مشاكل جديدة متنوعة بحاجة للإحاطة بها و علاجها ومن التشرد و اليتم و الإعاقة مغيرها .
5_ العدالة في استغلال الثروات الموارد الطبيعية :
يؤدي عدم استغلال الثروات والموارد الطبيعية وعدم العدالة في توزيع عائدتها على المجتمع إلى اضعاف الوضع الاقتصادي للدولة ، ويشير إلى وجود حالة متدنية من القدرة الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية للدولة ولذلك نجد كثير من الدول لم تفكر في استغلال ثرواتها بالرغم من حاجتها الماسة لها كما توجد دول اخرى استغلت بعض ثرواتها ولكنها لم تتمكن من تحقيق العدالة في توزيع العائدات والدخول بصورة مناسبة مما ادى إلى ارتفاع معدلات البطالة ومعدلات الفقر وتدني مستويات المعيشة وارتفاع دعاوي التهميش والخروج عن سلطان الدولة .إن التغاضي عن المنعكسات السلبية للأمن الاجتماعي تؤدي إلى تهشيم و تحطيم المجتمع و جاهزية لاختراقات وتطورات تؤدي إلى انهياره التام عبر الأمراض الناجمة عن الفقر و ازدياد الفساد و قلة الانتماء بسبب الشعور بالتهميش أو التمييز و التمايز الطبقي الحاد وهو ما يستثمر من القوى المعادية وأعداء التنمية و التطور, ففقدان الأمن الاقتصادي وخاصة تفشي ظاهرة البطالة يؤدي إلى لجوء العاطلين إلى المخدرات بأنواعها المختلفة واللجوء إلى الأساليب غير القانونية كالسرقات والسلب والنهب والاحتيال للحصول على الأموال لتلبية احتياجاتهم المختلفة . كما إن البطالة تؤدي إلى حرمان كثير من الأسر من التمتع بمستويات معيشية مناسبة بسبب ارتفاع معدل التبعية الاقتصادية أو الإعالة . وبالتالي فان البطالة هي ببساطة ترك بعض الإمكانيات المتاحة للمجتمع دون استغلال ويعتبر ذلك بمثابة إهدار للموارد . كما للعطالة أثار نفسية واجتماعية مثل عدم تقدير الذات والشعور بالفشل والنقص والشعور بالملل والعدوانية والإحباط …,وهذه الأمراض قد تستثمر من قوى معادية خارجية أو أدوتها الداخلية بحيث تعتبر ركائز لمشاريع لا وطنية تدميرية إن لم تعالج وهو ما يتقاطع مع رؤى بالفكر الاستراتيجي تقول جوهر الأمن القومي لأي مجتمع ولأي أمة ليس الأمن العسكري فقط وإنما الأمن الاقتصادي والغذائي وذلك فان الحروب والصراعات في الغالب تكون نتيجة للتدهور التنموي .
وبالتالي هنا نقول لا مناص من دور الدولة التنموي (الاقتصادي والاجتماعي)، هذا الدور الذي تؤديه في المجتمعات المتقدمة في الغرب ولم تتنازل عنه أو تتراجع، ومن دون هذا الدور التنموي الذي لا يمكن أن تقوم به إلا الدولة -سيزيد الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي تدهورا،وهكذا فتحقيق الأمان الاجتماعي غاية وهدف بحاجة لوسائل وأدوات و هذه الوسائل و الأدوات بحاجة لمؤسسات مختصة مهمتها الوقاية و التوجيه فلا يظن أحد أن انتهاء الأعمال العسكرية في مواجهة الإرهاب نهاية المطاف وإنما القادم نتيجة الانعكاسات الاجتماعية للأزمة من فقر ونزوح وتفكك أسري ويتم و بطالة و هجرة و يتم وإعاقة و تشرد وأمراض أخرى خطيرة كالإدمان و الدعارة و كذلك تغلغل ثقافات عدائية و منها بذور تفرقات يعمل لها وقد تخترق جمعيات وأحزاب و تشكيلات لتكريسها وخاصة عبر ما سمي المجتمع المدني و الذي لم يكن الغرب لينشأه احتراما لإنسانية الإنسان لأن هذا الغرب أثبت من خلال ما فعله بسورية أنه أبعد ما يكون عن الإنسانية و عن الديمقراطية وأنه يفعل أي شيء من أجل مصالحه ومنه تسخير جزء من هذه المؤسسات لبث السموم و فبركة القصص و تكريس التفتت و التفرقة بأدوات قذرة صغيرة همها الربح و المال ولو اضطرت أن تكون عميلة ومأجورة و هذا يتطلب العمل على رعاية جمعياتنا ومنظماتنا بما تحقق الغايات و تحقق الأمن الوطني وعدم الخوض في تعميم أي ظاهرة وأسهل الحلول منعها أو إلغائها ,إن التصدي لهذه الأمراض هو مشروع وطن يتطلب تعاون الجميع عبر خطط واضحة لتحقيق الأهداف التي تعود بسورية و شعبها إلى مرتبة الرقي و السلام و الأمان وهو ما يجب أن يكون عبر تقوية دور المؤسسات وتفعيل المحاسبة و لعب كل مؤسسة ما يلقى على عاتقها كالمؤسسات الإعلامية و التعليمية و الدينية و مؤسسة الأسرة و تفعيل دور المنظمات و الأحزاب لتكون تأطيرات معبأة بأسلوب وطني حضاري راقي يقصر المسافات و التكاليف و يعيد القطار الوطني لسكته الصحيحة , ركائز لإعادة البناء الإنساني لأن الإنسان هو الغاية و هو الأداة و ان يتم التركيز على كل من الشباب و المرأة السورية وفق برامج بناءة فاعلة لا ديكورات إعلامية , و بالتالي تقويض أي أبعاد تخريبية أو لا وطنية لأي حالات تتحول لظواهر عبر الاستيعاب و العمل المنظم بتقوية الأدوات و الأساليب التي تفرغها من محتواها و تبني أجيال وطنية عقلانية تقرأ و تحلل و تعمل وتعيد الروحية و الروح للنسيج الوطني مسؤولية المؤسسات السورية بالمتابعة و التوجيه و الإشراف وعدم التعامل بسلبية مطلقة تعميمية تؤدي للمساواة بين الخطأ والصح و تعمل فراغاً يملأ بما لا يناسب البناء الوطني و الإنساني.
الدكتور سنان علي ديب/ جمعية العلوم الاقتصادية /
Discussion about this post