بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (
صدق الله العلي العظيم
الانسانية ليس لها دين أو وطن ، إنها تجري في عروقنا ودمنا عندما نوصف بصفة البشرية .
السيد المسيح ( يسوع ) يُستدل منه انه لا يوجد بين البشر من هو بلا ” خطيئة ” وأعتقد أن التسامح المُطلق ينبع من هذا الاقتناع . إنها انسانية لا تتنّكر لضعفها بل تواجهها بالمحبة ، يدمج يسوع بين وصيتيه الاولى والثانية ويعتبرهما غير منفصلتين حيث يتجلى مفهوم الانسان بالمُطلق الذي لا يميّز بين الصديق والعدو ، إنه حُب الانسانية جمعاء بغض النظر عن طبيعة العلاقات بين البشر
التوراة لدى اليهود تنظر الى الزمن كقصة وعمل نحو حقبة من السلام والحكمة على الأرض ، ومن واجب كل إنسان ان يترك هذا العالم أفضل مما كان عليه قبل أن يأتيه .
نستخلص من روحانية التعاليم المقدسة أن التسامح والحكمة والتشاركية والسلام في أفعالنا ومسارنا كبشر هي الأسس التي يمكن البناء عليها لمستقبل كوكبنا وكائناته التي من شأنها الرقي بالإنسان وتأمين حقه في الحياة ورفاهة العيش .
كل ما سبق يستدعينا لإعادة التفكير والبحث في واقعنا ومستقبلنا وعلى الأخص في منطقتنا الأوسطية التي تتعدد فيها الأديان والمذاهب والاثنيات والعقائد لتُشكل زلازل تختلف شدّتها على مقياس ريختر مما يُنذر بتصدعات أو اِنهيارات أو فناءً قياساً على الدول التي تتعرض لها .
سلسلة الندوات بعنوان ” البناء الاقتصادي والتوازن الاجتماعي ” التي تم عقدها في المراكز الثقافية بدمشق ، وبمشاركة العديد من المهتمين بالشأن العام ، وتهدف الى الحوار والنقاش الايجابي في وجود محاضرين مختصين من مختلف المشارب الفكرية ومشاركة عامة لوضع رؤى لحل المعضلات العديدة التي تشوب الاقتصاد الوطني والمجتمع السوري ، ما يفسح المجال أمام القدرات والكفاءات لإبداء رأيها في ذلك ، والتمهيد لوضع مستخلصات قد تؤسس لمجلس اقتصادي – اجتماعي اذا توفرت الظروف المناسبة وتحققت الجدوى المطلوبة .
ويمثل عبر الحوار فرصة فريدة لمساعدة اقتصاد سورية على التصدي للعديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعترض الطريق أمام تحقيق نمو اقتصادي مستدام وبناء مجتمعات شاملة للجميع ، تساهم في اعادة الأمل الى الناس بعد غياب الضحكة من أفواههم .
في الاقتصاديات السليمة، يكون الدور الرئيسي للحكومة هو تنظيم الاقتصاد لتوفير مناخ يساعد القطاع الخاص ورواد الأعمال على التطور والنمو ، وينطوي تنظيم الاقتصاد على ثلاث ركائز أساسية ،
1. وضع قواعد واضحة و ثابتة لسياسات اقتصادية – اجتماعية وهوية اقتصادية تتناغم مع الواقع المحلي والاقليمي والدولي .
2. تكريس بيئة تنافسية لمنع الممارسات الاحتكارية ومكافحة الفساد ، وتدوير الانتاج المحلي وتحقيق العدالة الاجتماعية .
3. تمكين النظام القضائي من فرض سيادة القانون ، وفق قوانين محدثة وبيئة آمنة .
في المملكة المغربية تمّ عقد جولات من المفاوضات المحلية والدولية حول مبادرة الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية التي أطلقها المغرب الشهر الماضي .
يُعّرف الحكم الذاتي بأنه نظام سياسي، اقتصادي وإداري يحصل فيه إقليم معين على نوع من الاستقلال يخوله صلاحيات واسعة لتدبير شؤونه السياسية والاقتصادية والإدارية، ويُطلق غالباً على الدول التي تسير وفق هذا النظام بالدول الفدرالية. وقد شكلت هذه المبادرة رغبة حقيقية من جانب المغرب في وضع حد للصراع المُفتعل حول قضية الصحراء ، حيث لاقت ترحيباً من قبل العديد من الجهات الدولية والإقليمية التي رأت في هذه المبادرة حلاً جريئاً ومنطقياً لنزع فتيل الأزمة .
بعد ان فشلت جميع محاولات الحكم المركزي في وقف الصراع وكذلك الاستقلال بعيداً عن المغرب .
تقوم المبادرة المغربية هذه على مجموعة من المرتكزات والقواعد التي ترسم ملامح الحكم الذاتي الذي تقترحه المملكة المغربية، فعلى المستوى الإداري يُمارس السكان الإدارة المحلية والشرطة المحلية وكل ما يتعلق بمحاكمها ، أما على المستوى الاقتصادي فتقترح أن يختص السكان بكل ما يحقق التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات في كل من المجال التجاري والصناعي والسياحي والزراعي ، وتدبير الشؤون المتعلقة بالبنية التحتية من شبكة المياه والصرف والكهرباء وأشغال عمومية ونقل ، وعلى المستوى الاجتماعي فتقترح مبادرة الحكم الذاتي أن يتم منح سكان الصحراء الغربية اختصاصات متعلقة بالسكن والتربية والصحة والعمل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية والتنمية الثقافية. ولتحقيق هذه الأهداف فقد نصت المبادرة على تمكين سكان الصحراء من موارد جديدة سواء من نفس الادارة أو عبر تمويل اضافي تحدده ميزانية المركز بالتنسيق والتوافق لتحقيق سياسات عامة ، قد تُثمر بالحد من الصراع والإبقاء على الجغرافية الموّحدة بسيادة واحدة .
في ظاهرة جديدة بالولايات المتحدة الأمريكية ، وبعد دخول متظاهرين مبنى الكابيتول لإعاقة تسلم الرئيس بايدن الحكم في البيت الأبيض ، فقد تمت مراسم تنصيب بايدن بسلاسة وسط اجراءات أمنية غير مسبوقة في ٢٠ يناير / كانون ثاني ٢٠٢١ وفي خطاب القسم وجّه الرئيس بايدن رسائل منها “قوتنا في وحدتنا والديمقراطية هي الحل ، و سنكون شريكًا قويًا وموثوقًا به من أجل السلام والتقدم والأمن ، وسنصلح تحالفاتنا وسننخرط مع العالم مرة أخرى “.
الدكتور الياس الحلياني ( اقتباس)
“الديمقراطية التي تنشأ دون دعائم ليبرالية سياسية تؤدي الى الفاشية .
الديمقراطية التي تحكمها الأغلبية ولا تقوم على أساس ليبرالي تعرقل تحرر الافراد والمجتمعات وتضّيع حقوق الأقليات القومية والدينية ….لأن الديمقراطية الليبرالية تتطلب بناء المؤسسات الدستورية والقضائية المستقلة قبل إجراء الانتخابات .. وأساس الديمقراطية الليبرالية هي الفصل بين السلطات واحترام الدستور والحريات العامة وحقوق الانسان في المجتمع وعدم استبداد الاغلبية ….
فلا ديمقراطية بدون حرية المواطنين وحقوقهم الفردية وحرية العقيدة والتعبير عن الرأي والتعددية السياسية ، إذاً السبيل الى الدولة المدنية هي الديمقراطية الليبرالية والمؤسسات الدستورية والقضائية المستقلة لضمان حقوق الافراد وحقوق القوميات والعقائد … أما القول بالحريات السياسية والانتخابات دون ديمقراطية ليبرالية فليس إلا خداع وتضليل … ( انتهى الاقتباس )
وفي اعتقادي أن الحل السياسي يتطلب ديموقراطية تشاركية لا تستثني أحدًا ، مع التأكيد على المواطنة وسيادة القانون لتتمكن المجتمعات من استيعاب تراكمي لثقافة الديموقراطية تؤسس للمستقبل
من جانب آخر ، يواصل المبعوث الخاص الى سورية السيد غير بيدرسون ، تقيّيم تنفيذ القرار 2254، ( اقتباس )
” أكد أنه لا يمكن لأي جهة فاعلة أو مجموعة من الجهات الفاعلة فرض إرادتها على سورية أو تسوية النزاع. يجب أن يعملوا معاً ، وقال يجب أن تكون العملية بملكية وقيادة السوريين. لكن الصراع دولي للغاية، حيث تنشط خمسة جيوش أجنبية في سوريا. لا يمكننا التظاهر بأن الحلول في أيدي السوريين فقط، أو أن الأمم المتحدة يمكنها أن تفعل ذلك بمفردها . وأضاف
يُقبل الشعب السوري على عام 2021، حيث عانى على مدى عقد من النزاع وانعدام الاستقرار ،والتدخل، والاحتلال، والانقسام، وتراجع معدلات التنمية، والفقر على نطاق واسع. واليوم، يعاني الملايين داخل سورية وملايين اللاجئين خارجها من صدمات عميقة، وفقر مُدقع، وانعدام الأمن الشخصي، وغياب الأمل في المستقبل.
و المعاناة اليومية لمجرد البقاء على قيد الحياة تطغى على معظم القضايا .
إلا أنه من المتوقع أن تزداد المؤشرات سوءاً. وتتجمع مجموعة من العوامل لخلق وضع مأسوي – فتأثير عقد من النزاع ، وتردي الأوضاع الاقتصادية عالمياً بسبب الجائحة، وتداعيات الأزمة اللبنانية، والعوامل الداخلية مثل اقتصاد الحرب، والفساد، وسوء الإدارة، والعوامل والتدابير
الخارجية ، هي بمثابة تسونامي بطيء يضرب سورية.
فالسوريون يعانون، ويظل ضرورياً ألا تُساهم أية عقوبات في تفاقم محنتهم ، ويواجه المجتمع المُقسم المزيد من التفكك لنسيجه الاجتماعي، وهو ما يُؤسس لمزيد من المعاناة والمزيد من عدم الاستقرار ،
وبالتالي يجب أن نكون قادرين على البناء بشكل جماعي على هذه المشتركات. لقد بُت أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى أننا بحاجة إلى مقاربة شاملة – تشمل جميع القضايا، وجميع الأطراف الفاعلة، وتمضي قدماً في شكل خطوات متبادلة لمعالجة كافة القضايا الواردة في القرار رقم 2254
هذا هو السبيل لتحقيق تقدم حقيقي، ورسم مسار آمن لجميع السوريين ”
ختاماً أتمنى أن تكون التصريحات والأفعال ميلاداً جديداً لكوكبنا وفق نظام عالمي عادل جديد يسوده الأمن والسلام والاستقرار ، وتعززه جهود التنمية والحفاظ على البيئة والمساعدات الانسانية البعيدة عن التسييس للحد من الجهل والتخلف والفقر وخصوصاً في مناطق الصراع بالعالم ومنطقة الشرق الأوسط ؟ وبعد أن كانت سورية بموقعها الجيوسياسي ملتقى الصراعات الاقليمية والدولية ، تصبح ملتقى التوافقات والتفاهمات العالمية بما يخدم السلام والانسانية في العالم !! وبما يساهم في ازدهار وطن الإنسانية “سورية ” ورفاه شعبها المُحب لقيّم الحق والخير والجمال .
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post