هذا هو المقال الثالث على التوالي الذي أتناول فيه موضوعاً واحداً يتعلق بمن أسموا أنفسهم «معارضين سوريين» على اختلاف ألوانهم وتياراتهم واتجاهاتهم السياسية، ومصادر تمويلهم، إذ لا أجد هنا فرقاً كبيراً بين من نهل من أمهات كتب ماركس وانغلز ولينين، وبين من نهل من أمهات كتب الوهابية والبنّا، وسيد قطب، وفتاوى القرضاوي الإجرامية، أو بين من تشبع بأفكار الليبرالية الغربية، وحفظ معلقات حول الديمقراطية، والحريات وحقوق الإنسان، ورددها علينا كالببغاء عبر سنوات الحرب الفاشية من خلال شاشات فضائيات يمولها البترودولار، والسبب أن القوى الدولية المنخرطة في الحرب على بلدنا وشعبنا لم تكن تنظر إليهم إلا كأدوات يحركون على مسرح عرائس بغض النظر عما قاله ميشيل كيلو قبل فترة من أنهم كانوا «ساذجين» وأن قرار ما يسمى «المعارضة» هو بيد (رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان)، وأهداف المعارضة السورية اغتيلت من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة، وهو طرحٌ غريب عجيب، لأن كيلو نفسه كان قد اعتبر «جبهة النصرة» في مرحلة ما بأنها أداة ثورية تغييرية، ودعم عملياتها الإجرامية والإرهابية ضد الشعب السوري.
أما المحبط الآخر مما آلت إليه أوضاع ما يسمى «معارضة سورية» فهو منذر ماخوس سفير ما يسمى الائتلاف في باريس، والذي صدق نفسه بأنه سفير فعلاً! حيث قال على قناة العربية البترودولارية، والتي كانت أحد أهم منابر الدعوة للديمقراطية، وحقوق الإنسان والحرية في سورية طوال عقد من الزمن: «إن المعارضة منافقة، وكاذبة»! ولا أدري أين الاكتشاف هنا، أو الجديد الذي قدمه: ماخوس، والكرة الأرضية كلها تعرف أن ما سمي «معارضة سورية» هي منافقة، وتكذب على نفسها، والبسطاء من شعبها، وعلى الدول التي تدعمها، كما أن الدول الداعمة لها تكذب عليها أيضاً، وبالتالي فإن الأمر لا يعدو عن كونه حفلة كذب ونفاق، قبل الجميع فيها أدوارهم باختلاف أقنعتهم التي وضعوها على وجوههم، سواء أكان قناعاً باريسياً كما هو حال ماخوس، أم قناعاً تركياً عثمانياً إخوانياً كما هو حال زملائه من اسطنبول، أم قناعاً وهابياً مطلياً ببعض الليبرالية كما هو حال من ظهر من الرياض أو الدوحة، أم قناعاً لإخفاء العمالة والخيانة تحت عنوان السلام كما هو حال من ظهر من كيان الاحتلال الإسرائيلي!
الحقيقة أن هذه الأقنعة كلها التي ارتداها هؤلاء كانت مكشوفة بالنسبة لنا منذ الأيام الأولى للعدوان على بلدنا، وعملنا مع الكثير من زملاء ومناضلين لإزالة الغشاوة التي كانت على عيون بعض السوريين في بداية الحرب.
لا يكشف ماخوس جديداً عندما يقول إن المعارضة «مهلهلة»، أي باهتة سخيفة، لا وزن لها، ليضيف إن عدد الدول التي اعترفت بها كان في مؤتمر مراكش بداية الحرب 124 دولة، ليصل الآن إلى 7 دول، وحتى هذه الدول السبع لم تعد تثق بالمعارضة الحالية، وتحولت هذه المعارضة إلى مجرد قشة يتمسك بها المجتمع الدولي، ومضطر للتعامل معها! ليترك أمر هؤلاء حسب قوله، بيد الشعب السوري كي يقول كلمته تجاه من سماهم: الأفاقين!
قرار السعودية بوقف رواتب ما يسمى موظفي الائتلاف، قبل فترة يأتي ضمن إطار الإدراك والقناعة أن هذه «القشة» لم تعد تفيد أبداً، وأن المرتزقة والمتعيشين على طاولات آل سعود هم مجرد أدوات صدئة لم يعد مجدياً أبداً الاستمرار باستخدامها، ولهذا فإن الدول التي استخدمت هؤلاء كلها يأست منهم، ومن قدرتهم على إحداث أي تغيير، وأن الاستمرار بهذا العبث ومع هؤلاء الأفّاقين والكذابين هو أمر غير ممكن الاستمرار به أبداً، ولهذا بدأت الدول بمقاربات جديدة للوضع في سورية، «ولا شيء جيداً لمصلحة المعارضة على المدى القريب»، حسب ميشيل كيلو نفسه، لأن الدول لا تنظر للأفراد إلا كأدوات في المعارك الجيوسياسية الكبرى التي تحدث تحولات على مستوى الإقليم والعالم.
إن تدفق الاعترافات من هذا المعارض أو ذاك، وصولاً لكتاب برهان غليون حول «عطب الذات»، لا يدلل إلا على أمر واحد فقط بأن من سموا أنفسهم «معارضة سورية» هم فعلاً أفّاقون وكذابون، ورهنوا أنفسهم ضمن أجندات دول معادية ضد بلدهم وشعبهم، وتسببوا في أكبر مأساة يعاني منها شعب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي هذا الأمر لا مجال للمجاملة، ولا تفيد هنا الاعترافات، ولا إلقاء التهم، وتقاذف المسؤوليات لأن المشتركين في هذه الجريمة الكبرى يعرفون عن سبق الإصرار والترصد النتائج التي سيصلون إليها، والتي سوف تتسبب بهذه الكارثة، ولم يكن هؤلاء ولا معلموهم يتوقعون هذا الصمود الأسطوري من الشعب السوري العظيم، وجيشه البطل، وهذا الحجم الهائل من القدرة على التضحية والصبر، وتحمل الآلام والضغط على الجراحات التي كان أعمقها وأكثرها أثراً هو «ظلم ذوي القربى»، والإخوة في الوطن قبل الحديث عن الإخوة غير الأشقاء من العرب وغيرهم، وكُنّا قد أشرنا في المقالين السابقين على هذه الصفحة أن كل هذا الألم والصبر لن يولد منه إلا الأمل والفرج الكبير لشعبنا العظيم.
إن كتابتي عمن سموا أنفسهم معارضين، ليست من باب الشماتة فقط، لأن الشماتة هنا لا تفيد بعد أن سقطت الأقنعة عن وجوه هؤلاء، والذين كنا نتوقع لهم هذه النهاية لأننا نعرفهم اسماً اسماً، وتحاورنا معهم عبر الفضائيات طوال سنوات دون أن نصل معهم لقاسم مشترك واحد، لأنهم موجهون، ويعملون وفق أجندات خارجية موضوعة لهم، وهم ليسوا إلا أدوات رخيصة جداً في خدمة قوى العدوان ضد أبناء بلدهم وشعبهم ودولتهم.
لقد أراد الأفّاقون الكذابون كما أسماهم ماخوس، وبالمناسبة هو على رأس هؤلاء، لا بل هو زعيمهم، أن يجردونا من هويتنا العروبية، وأن يحولونا إلى قبائل، وطوائف متناحرة، وإلى كتل سياسية تعمل بالأجرة لدى هذه الدولة أو تلك لتتقاسم الوطن وفق نظام المغانم حسب ما تقدمه القوى الخارجية لكل مجموعة سياسية، وهذا هو حال من تسمي نفسها معارضة، فهي الآن معارضة تركية، وسعودية، وقطرية، وفرنسية، وأميركية.. وهكذا.
كنت في يوم ما أحلم بأن أرى معارضة وطنية سورية تجتمع حول وحدة أرض بلادها، وتؤمن بالمقاومة وفلسطين، وتنتفض ضد أي تصريح غربي أو تركي أو قطري يمس سورية وشعبها وجيشها، وتحترم علم بلادها، وتختلف مع الحزب الحاكم بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعمل على كسب محبة ناسها وأهلها، وتجهد ليل نهار من أجل رفعة سورية دولة وشعباً، وتتوقف عن النهش بلحم بلدها في ظروف الحرب الفاشية التي تشن منذ سنوات عشر عليها.
لكني استفقت من هذا الحلم لأجد معارضة تطالب حلف الناتو بقصف بلدها، وبأخرى توقع عريضة طويلة تطالب فيها بتشديد الحصار والعقوبات الأحادية الظالمة على شعبها وبلدها، وبمن يطالب العدو الصهيوني بقصف جيش بلاده، وبمن يرفض المطالبة برفع العقوبات الظالمة، والحصار، ويتلذذ بمشاهد الطوابير في المدن السورية معتقداً أنه بذلك يحقق ساديته ونازيته، ويشعر بالانتصار.
إن مجمل هذه المشاهد تجعلنا دون تردد نقول نعم إنكم أفّاقون كذابون، ونهايتكم متوقعة، وواهمٌ من كان يعتقد أنها ستكون مختلفة عما هي عليه الآن، فما بُني على باطل، لن ينتهي إلا إلى ما نراه، ونسمعه اليوم.
علق أحدهم على كلام ميشيل كيلو بأنهم كانوا «ساذجين» بالقول: «لم يكونوا مغفلين، ولا ساذجين، كما يدعي كيلو، بل كانوا مرتزقين، ويبدو أن صنبور الارتزاق قطع عن الكثيرين»، وهذا هو السر وراء موجة اعترافات الأفّاقين والكذابين، وهو ما سوف يزيدنا إيماناً وصلابة وقوة في خياراتنا الكبرى التي ستنتج انتصارات عاجلاً أم آجلاً، بالرغم من كل الآلام والضغوط والدموع والدماء.
هذا المسار يؤدي للنصر، وذاك أدى بهم إلى أن يكونوا «قشة» لا قيمة ولا وزن لها.
Discussion about this post