شكراً لصحيفة «الوطن» السورية لنشرها رد الصديقين م. باسل كويفي، ود. نضال نعيسة بتاريخ 21/2/2021، رداً على مقالي المنشور بتاريخ 18/2/2021، تحت عنوان «لا مفاجأة.. أفّاقون وكذابون» لأنها أكدت أن المجال مفتوح لكل المعارضين الوطنيين كي يعبروا عن وجهات نظرهم حينما يكون ذلك مفيداً للشأن العام.
بالمناسبة فإن الصديقين ومن خلال ردهما أكدا لي حقائق عدة سأبقى مصرّاً عليها، حتى لو حاولا تلطيف الصورة البشعة عبر استخدام كلمات أراها مواربة ولا توصف الواقع كما هو، وفي الوقت نفسه أود أن أؤكد للصديقين أنهما اقتطعا مقطعاً من المقال، وبنيا عليه كلامهما، ولو تابعا المقال كاملاً لما اختلفا معي في أي كلمة، ذلك أنني لم أقصد أي معارض وطني التزم بقضايا بلده وشعبه على الإطلاق، ومجمل المقال يوحي بذلك، خاصة أن مصطلح «أفّاقون وكذابون» استخدمه أحد المعارضين في باريس، ولست أنا، كما أن إكمال المقال حتى النهاية يوصلهم إلى فقرة كاملة تجاوزاها حول شكل المعارضة التي أحلم بها، ولست وحدي في ذلك، بل كل سوري مخلص، ولذلك ياصديقَيّ لستما المعنيين في المقال من أوله إلى آخره، حتى لو كان في ذلك لغة التعميم، لأن المقصود من سياق المقال كله هو من سمّوا أنفسهم «معارضة خارجية»، ولكي تكون الأمور أكثر وضوحاً لديكما، فإنني من أكثر من كتب عن ضرورة المعارضة الوطنية في نظامنا السياسي، وأرجو العودة إلى مقالي المنشور في «الوطن» السورية في 30/7/2015 تحت عنوان «ماذا عن المعارضة في هذه المهلة المصيرية»، ومقالي بعنوان «تحلل المعارضات السورية» عام 2017، و«أين المعارضات السورية مما يجري؟» في 13/9/2018، وغيرها الكثير لتفهما موقفي الذي لم يتغير أبداً تجاه هذه المسألة، خاصة أن طبيعة ظهورنا عبر شاشات الفضائيات فرضت علينا الحوار مع كثير ممن ذكرت من أصحاب الاتجاهات السياسية المختلفة.
الحقيقة الأهم أنني قمت بتعميم ردكما بعد نشره في «الوطن» السورية على مجموعات واسعة في «الوتس أب» لأرى ردود الفعل عليها، وأستطيع أن أخبركما أن الردود لم تكن لمصلحتكما، ليس لشك في وطنيتكما أبداً، ولكن لأن مصطلح المعارضة أصبح مشبوهاً لدى كثير من السوريين، وملتبساً لدى آخرين، والسبب أنني أستطيع أن أعدد لكما الآن عشرات المصطلحات التي استخدمت خلال الحرب الفاشية على سورية، منها: معارضة داخلية، معارضة خارجية، معارضة معتدلة، معارضة مسلحة (بالرغم من عدم وجود مثل هذا المصطلح لأن المسلح خارج عن القانون والدستور)، متمردون، ناشطون، مجالس وطنية، مجالس ثورية، منصات، هيئات عليا للتفاوض، معارضة قطرية، وتركية، وفرنسية، وأميركية، وحتى إسرائيلية، تنسيقيات، مجالس عسكرية، مجالس مدنية… إلخ، وإضافة لفوضى المصطلحات فإنني سأكون أكثر وضوحاً معكما بالقول: ليس بعض ممثلي المعارضة الخارجية قد أضاع البوصلة الوطنية، وخرج عن الخلاف والاختلاف، والحوار الفعال للحفاظ على سورية وسيادتها، وهو أمر تقفان ضده، وهذا طبيعي، لكن الحقيقة التي أردتما تخفيفها هي القول «إنهم خونة»… وهذا أمر لابد من ذكره بوضوح شديد دون مواربة، لأن من يطالب بغزو بلاده من قبل الأجنبي هو «خائن»، ومن يتقاضى المال ويتآمر على بلده هو «خائن»، وأعتقد أن لديكما ولديّ وثائق أكثر من أن تعد وتحصى حول خيانة هؤلاء، وتوصيفهم بهذا الوضوح مطلوب منكم ومني، كي ننظف معاً هذا المصطلح مما اعتراه من تشويه وتضليل، واستخدامه مطية لتحقيق أهداف قوى العدوان الفاشي على بلدنا، وأعتقد أنكما تتفقان معي في هذا التوصيف بأن تسمية الأشياء بمسمياتها ليس نرجسية، ولا ذاتية، ولا احتكاراً للوطنية والقيم النضالية، ولا طعناً بكرامة السوريين، وشكّاً بمصداقيتهم وشرفهم الوطني، وتخوينهم لأن الخائن لا شرف ولا كرامة له، ولأن الحقائق بعد سنوات عشر من هذه الحرب الفاشية أكثر من أن تحصى، وانظرا الآن إلى ما ينشرونه عن بعضهم بعضاً لتعرفا عن ماذا نتحدث، وكي لا تلفا وتدورا بالكلمات لتغطية أشياء وأشخاص لا يمكن تغطيتهم بعد أن سقطت ورقة التوت، وإذا كنتما بحاجة لدليل واضح، أحيلكما إلى مقابلة محمد بن جاسم وزير الخارجية القطري السابق على الـ«بي بي سي» التي اعترف بها بإنفاق أكثر من 137 مليار دولار في سورية! فأين ذهبت هذه الأموال، وهل ابتلعها البحر؟
نقطة مهمة أخرى هي أن عودة أي معارض إلى بلده ليس منّة ليقول ذلك، بعد أن ترك مواقع متقدمة في صفوف المعارضة الخارجية المرتهنة، لأن الدفاع عن الوطن مسؤولية الجميع، وقيامي وقيامكما بهذا الواجب لا منّة فيه على أحد، فهذا البلد هو من علمنا وجعل منا رجالاً، وواجبنا تجاهه كأضعف الإيمان أن ندافع عنه، ونعيش فيه في الظروف الصعبة، كما أن هناك من هو أهم مني ومنكما، وهم الشهداء القديسون، والجرحى الأبطال الذين ضحوا بحياتهم، وبأجزاء من أجسادهم من أجل أن نحيا ويحيا الوطن، وأعتقد أنكما تتفقان معي في هذا بأن النبلاء الحقيقيين هم هؤلاء وأسرهم الذين تحملوا مشاق الفراق والفقدان.
يا صديقَيّ: لا أختلف معكما في العديد من النقاط التي وردت في ردكما، ولكن المعارضة ليست حالات فردية، وليست مزاجاً شخصياً، وليست بطولات دونكشوتية على «فيسبوك» لإظهار العضلات أو الاستعراض، بل هي أحزاب وقوى وتجمعات ذات وزن في المجتمع، لديها برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، وتعمل تحت سقف الدستور والقانون، ولا ترتبط بأجندات خارجية، ويفترض بها أن تكون أكثر تمسكاً من أي طرف آخر بالأجندات الوطنية مهما كانت الظروف، وللعلم فإن أحد أطراف المعارضة الداخلية، أو ما تبقى من هيئة التنسيق مثلاً، يرى الرياض أو الدوحة أقرب إليه من دمشق، وهذا أمر غريب عجيب، لأن هناك اعتقاداً سائداً لدى هؤلاء هو أقرب للأوهام من أنهم سيفرضون بمعادلة خارجية فرضاً، وهذا أمر آن له أن يسقط من حساباتهم، بعد انهيار وهم إسقاط النظام السياسي في سورية، وإسقاط الرئيس الأسد.
يا صديقَيّ: الحرب الفاشية على سورية وشعبها، لم تكن بهدف نشر الديمقراطية والحريات، وحقوق الإنسان، وأعتقد أنكما تدركان ذلك مثلي، وانفضاح قوى العدوان أصبح واضحاً ومكشوفاً، ومواجهتها بالطبع ليست بتفريخ المعارضات، إنما بوحدتنا خلف جيشنا ورئيسنا حتى نتجاوز المرحلة الصعبة، وليس بتشرذمنا، ولسنا قضاة ومدعين نطلق أحكام إعدام، بل نحن كما كثير من السوريين دعاة لما يجمعنا، ومبتعدون عما يفرقنا… لأن التجربة علمتنا أن هذا العالم لا يحترم غير الأقوياء، ويجب أن نعزز حواراتنا أكثر لتعزيز تماسكنا الاجتماعي والوطني للحفاظ على سورية قوية منيعة.
وإذا كانت المعارضة الوطنية هي مرآة لأي نظام وطني، فإنه يفترض بهذه المعارضة أن تعلي الصوت ضد الحصار الجائر المفروض على الشعب السوري من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، وأن تندد بالميليشيات الانفصالية وسرقتها للثروات السورية، وأن تندد بالاحتلالين الأميركي والتركي، وأن تقف إلى جانب دولتها في هذه الظروف الصعبة، وأن تشمر عن سواعدها لزراعة الأرض، وترميم المدارس، وتنشط في المجال الاجتماعي لدعم واقع السوريين الصعب اقتصادياً، تكملة لجهود الدولة في هذا المجال، وأستطيع أن أعدد مئات المهمات العاجلة الآن، فالتشاركية تتطلب منا جميعاً العمل على ذلك بغض النظر عن موقعنا السياسي وإيديولوجياتنا.
علينا ألا نجرب ما جربه الآخرون في العراق وليبيا، وألا نعيش أوهام الخارج أبداً، فالإصلاح والتطوير نضعهما بأيدينا من أجل مصالحنا الوطنية، وضمن ظروفنا المحلية، وليس لأخذ شهادات حسن سلوك من واشنطن أو بروكسل، فهؤلاء يبحثون عن مصالحهم وليس مصالحنا.
أثق بنياتكما الطيبة ووطنيتكما كما أغلبية السوريين، لكن في الحروب الوجودية كما تقول تجارب الشعوب من واجبنا جميعاً أن نقف خلف جيشنا وقائدنا الرئيس بشار الأسد بكل قوة وثبات حتى نصل إلى بر الأمان.
قديماً قال المناضل الليبي الكبير الشيخ عمر المختار: «إن اللـه خلقك حراً، عش كما خلقت، لكن الحر هو الذي لا يبيع عقله، ولا فكره، ولا موقفه، ولا وطنه للآخرين».
دمتما بألف خير صديقَيّ المعارضين.
Discussion about this post