بدايةً ، الحلول في المنطقة الأوسطية تبدأ بالخروج من الانسداد السياسي لمعظم بلدانها سواء نتيجة الاستبداد أو من التدخلات التي أطاحت بإرادة الشعوب .
إن تأثير سيطرة طالبان على مقاليد الحكم والسلطة في افغانستان يدعونا الى البحث عن ارتداداته على الحركات الجهادية ( المتطرفة أو المعتدلة ) في المنطقة والعالم ، ما بين التأثير الايجابي أم السلبي ، وقد يكون عودة طالبان أو عناصر منها الى المنطقة مؤشر خطر لتنامي الحركات المتطرفة التي تسعى الى الاستحواذ على السلطة ، أما الناحية الايجابية فقد تكون تفريغ العناصر المتطرفة في المنطقة نحو افغانستان مع الحذر من عودتها الى مناطق مختلفة من العالم بعد التدريب والتأهيل للعبث بالاستقرار والسلام والامن العالمي .
في نفس الوقت اذا صدقت الافعال وفق تصريحات مسؤولي طالبان في الامارة الاسلامية بمنحى التغيير ومشاركة الشعب الافغاني في السلطة ( لم يتم ذلك بتشكيل حكومة من لون واحد ) وأن تكون عادلة مع شرائح شعبها بترسيخ ثقافة المجتمع الواحد عبر المواطنة والمساواة والديموقراطية والعدالة فإنها بذلك تكون قد كتبت تاريخ جديد وجيد للعلاقات بين الافراد والمجتمع والعلاقة بين المجتمع والدولة حيث يضمن المجتمع ضبط الافراد في اطار قانوني تسوده العدالة والمساواة لتقدم الافراد والنمو المجتمعي ( قوانين تحدد العلاقة بين الفرد والمجتمع ..) وبنفس الوقت علاقة بين المجتمع والدولة وفق عقد اجتماعي حديث يحقق المواطنة والتشاركية والعدالة الاجتماعية يضمنه دستور يحمل اليات تنفيذية واقعية وحقيقية للحوامل المجتمعية وينبثق عنه قوانين جادة من ضمن الدستور وفحواه دون تجاوزات او خرق لتلك القوانين .
في نفس الاطار، حدد الاتحاد الاوروبي خمسة شروط للتعامل مع طالبان وهي :
عدم استخدام اراضيها لتصدير الإرهاب
حقوق الانسان ، والمرأة، سيادة القانون، صحافة واعلام .
حكومة انتقالية تمثيلية بعد تفاوض مع الجميع .
مساعدات انسانية للمحتاجين وفق المبادئ الدولية .
التزامها خروج الأجانب والأفغان وفق قرار مجلس الامن الدولي 2593 لعام 2021
يندرج الانسحاب الامريكي من افغانستان باعتقادي لممارسة الضغط على دول الجوار ( الصين – روسيا – ايران .. ) بشكل مباشر واشغالها بإعادة ترتيب الاولويات لأمنها القومي عبر رفع درجات التأهب العسكري والامني والاستخباراتي وتفريغ المخزونات المالية وخصوصاً الصين ودفعها نحو اعتماد ميزانية ضخمة (التسلح )للحد من سيطرتها الاقتصادية على حصة كبيرة من الاقتصاد العالمي .
المشهد يُنبىء بحصول انسحاب امريكي من سورية والعراق حال توقيع اتفاق الملف النووي مع ايران ، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف ستكون أشكال الجغرافيا السياسية ومناطق النفوذ التي تقع تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع في البلدين ، وما هي خيارات الأنظمة الحاكمة بعد الانسحابات المتوقعة ، هل تستمر في سياساتها الشمولية أم ستتحمل مسؤولياتها التاريخية والشعبية والوطنية لإنتاج دولة جديدة تتحقق فيها قيّم المواطنة والقانون والديموقراطية …
وهنا لا بد من البحث عن أفضل السبل لذلك ، وخصوصاً وان العراق مثلاً لم يزل تحت العقوبات التي ادرجتها قرارات مجلس الأمن الدولي وعلى الأخص ، رقم 660 – 986 لعام 1990 – 1995
وبالتالي فإن الواقعية السياسية والوطنية الحقيقية في سورية تقتضي تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي حصل على إجماع دولي وموافقة حكومية ، وذلك عبر تطبيقه بنكهة وطعم سوري – سوري وفق الاولويات الداخلية وتقاطعات المصالح الاقليمية والدولية للخروج من الانسداد السياسي والعقوبات التي أدت الى انهيار الأمن الغذائي والمعيشي .
وعلى الرغم من دعوات الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وعدد من الاصدقاء وغيرهم من الدبلوماسيين الأجانب بضرورة وضع آليات تنفيذية للقرار المذكور والدعوة إلى طاولة الحوار والتفاوض للاستماع إلى مختلف الآراء ، فإن الأوضاع الاقتصادية زادت سوءاً ، ترجمها الانفلات المهم في الأسعار وتنامي الاحتكار وعمليات المضاربة وتدهور القدرة الشرائية، فضلاً عن تدحرج معظم المؤشرات الاقتصادية إلى مستويات مخيفة وتراجع الحوامل الاجتماعية للكفاءات والقدرات التي يجب ان تساهم في المشروع الوطني نظراً لسعيها للهجرة خارج بلدانها لاسباب عديدة .
نحن امام وضع اقتصادي ومالي واجتماعي حرج في موازاة تقلص هامش التحرك على الصعيد الخارجي لتعبئة الموارد المالية الضرورية للنهوض .
اعتقادي أن زيارة السيد الرئيس الاسد الى موسكو الاثنين الماضي ، هي إشارة الى انطلاق قطار الحل السياسي وفق تصريحات الرئيسين ، وقد يكون ايضاً التباحث حول رؤية لمعالجة ملفات شمال غرب وشمال شرق سورية ، نظراً لقدرة السياسة والدبلوماسية الروسية المرنة للتحاور مع “قسد ” حول الحل السياسي ، والمتدخلين والمحتلين الامريكان والاتراك وغيرهم للخروج من سورية مع ما يتبع ذلك من خروج جميع القوات والتنظيمات الاجنبية التابعة لهم بكافة المسميات ، وتسوية أوضاع السوريين فيهم بما يمهد لعودة الاستقرار والسلام المستدام .
بالحقيقة نحن بحاجة الى كتلة وطنية وازنة جامعة ذات رؤية وخارطة طريق للخروج من المأساة السورية .
تقوم بالتفاوض والحوار مع السلطة في مؤتمر سوري عام بدمشق يضم ( ٥٠٠ ) شخصية ، نصفه من السلطة والجبهة الوطنية التقدمية والنصف الاخر من كتلة وطنية وازنة جامعة ( تضم معارضين واحزاب معارضة بالداخل ومن يقبل من الخارج وممثلين عن المجتمع المدني وشخصيات وطنية .. ) لتقديم رؤيتيهما حول مشروع وطني جامع يحظى بموافقة اغلبية المشاركين ، آخذين بعين الاعتبار مضمون القرار الاممي 2254 لتنفيذه وتفريغه وفق حوامل المجتمع السوري وضمن أولويات واجندة سورية واقعية وحقيقية وشفافة ، بما يتيح الانفتاح على الدول الاقليمية والعالمية ويساهم في كسر الحصار على الشعب السوري ، وينتخب هذا المؤتمر ( ١٠٠ ) شخصية مناصفة ايضاً وتكون بمثابة هيئة تأسيسية ذات صلاحية واستقلالية لمعالجة جميع المعضلات التي شكلت الانسداد السياسي وأهمها الدستور والصلاحيات والتداخل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية والنقابات والمنظمات وهجرة السوريين … كما تقترح بالأغلبية تشكيل مجالس ( هيئة ) مختلفة منها ، المجلس السوري لحقوق الانسان والمجلس الاقتصادي الاجتماعي ، ومجلس اعادة المهجرين والبناء …
وتعمل على الاعداد لحكومة شاملة وتمثيلية ( حكومة وحدة وطنية ) التي تشكل عنصر أساسي للسلام والاستقرار ، وتشكل دعامة أساسية لمشاركة دول العالم في هذا المشروع والدفع بالتنمية والبناء .
تدور عقارب الساعة حول جميع أرقامها.. كذلك تدور بنا الحياة حول جميع الظروف ، فلا مكان لليأس ويقيننا أن الخير آتٍ مهما اشتدت المعاناة والمأساة .
ولعله من المفيد ان نتذكر مسرح العبث ، في أقصى شكل تخيّله صانعوه من أمثال صمويل بيكيت، فهو التعبير الأمثل عما يجري والواقع في معظم الأحيان، فلا ضيّر للحالمين الشّك أن كلماتهم الناصحة أو الناقدة أو المختلفة قد تصل إلى أسماع من لا ينصتون إلا لأنفسهم ، و لا يرون إلاّ وجوههم في المرايا العاكسة .
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post