” حقل من الألـغـام ” : قد تكون هي العبارة الأكثر ملائمةً لوصف مرحلة ما بعد الحرب للعديد من بلدان المنطقة ، حيث لا ثقة بين أعداء الأمس , انفلات أمني , و انتشار واسع للـسلاح خارج يد السلطات الشرعية ، الاطراف المسلحة تستعد للانتقال للعمل السياسـي دون سابق خبرة ، اقتصاديات منهارة ، تفكك اجتماعي افقي وعامودي .
وكي تستطيع البلاد عبور حقل الألـغـام هذا من دون انتكاسات تعيدها إلى زمن الحرب , لا بد من وجود أثر ايجابي عبر إرادة وادارة واقعية حقيقية وجهات ضامنة للإشراف على حفظ الأمن , تثيبت وقف إطلاق النار , نزع السـلاح غير الشرعي وقوننة استعمال السلاح بحالة القوة الجبرية , وتقديم المشورات في تنظيم انتخـابـات ما بعد الحرب ، ضمن مسار الأمن و استعادة الاستقرار وبناء الثقة , ودور السلام في مرحلة ما بعد الحرب .
تحالف ” اوكوس ” الجديد بين امريكا وبريطانيا واستراليا ، اوائل الشهر الحالي سبتمبر ، ذكر رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون في معرض تفسيره لقرار إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية التقليدية، أنه أشار للرئيس الفرنسي ماكرون قبل عدة أشهر إلى تغيّر البيئة الاستراتيجية المحيطة ببلاده، وملمحاً بطريق غير مباشر إلى عدم فاعلية الغواصات التقليدية الفرنسية لمواجهة أعباء تلك البيئة الجديدة.
في الإجمال فإن تحالف أو شراكة «أوكوس» الثلاثية تعيد ترتيب هيكل القوة في منطقة المحيط الهادئ، انطلاقاً من فرضية أن الصين لم تعد منافساً يمكن مجاراته سلمياً، بل تقترب من أن تكون عدواً خطيراً. وإلى جوارها فرضية أخرى مفادها أن مواجهة أميركا لعدو بحجم الصين تتطلب مشاركة في الأعباء من قبل القوى الإقليمية الأكثر تضرراً، كالهند وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وغيرها من بلدان آسيا التي تنظر إلى الصعود الصيني كمصدر تهديد لمصالحها العليا .
” اقتباس منقول ”
نحن قادة أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، اجتمعنا في البيت الابيض 24 سبتمبر 2021 وذلك لأول مرة وجها لوجه بصفتنا أعضاء(الحوار الأمني الرباعي ) . ونعيد بهذه المناسبة التاريخية التأكيد على التزامنا بشراكتنا وبمنطقة تشكل حجر الأساس لأمننا المشترك وازدهارنا، وهي منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة والشاملة والمرنة في آن معا.
ندرك أيضا أن مستقبلنا المشترك سيكتب في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وسنضاعف جهودنا لضمان أن يكون الحوار الأمني الرباعي قوة من أجل السلام والاستقرار والأمن والازدهار الإقليمي. ولتحقيق هذه الغاية، سنواصل دعم الالتزام بالقانون الدولي، ولا سيما على النحو الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وذلك لمواجهة التحديات أمام النظام القائم على القواعد البحرية، بما في ذلك في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي. ونؤكد دعمنا للدول الجزرية الصغيرة، ولا سيما تلك الموجودة في المحيط الهادئ، لتعزيز قدرتها على الصمود الاقتصادي والبيئي. وسنواصل مساعدتنا مع بلدان جزر المحيط الهادئ بشأن الاستجابات للتأثيرات الصحية والاقتصادية لكوفيد-19 والبنية التحتية المستدامة ذات الجودة، بالإضافة إلى الشراكة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها، مما يفرض تحديات خطيرة بشكل خاص على منطقة المحيط الهادئ.
نعيد التأكيد على التزامنا بنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية بشكل كامل وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي، ونؤكد أيضا على ضرورة الحل الفوري لقضية المختطفين اليابانيين. ونحث كوريا الشمالية على التقيد بالتزاماتها تجاه الأمم المتحدة والامتناع عن الأعمال الاستفزازية، كما ندعوها إلى الدخول في حوار موضوعي. نحن ملتزمون ببناء المرونة الديمقراطية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخارجها. ونواصل دعوتنا إلى إنهاء العنف في ميانمار والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، بمن فيهم الأجانب، والمشاركة في حوار بناء واستعادة الديمقراطية في وقت مبكر. وندعو كذلك إلى التنفيذ العاجل لتوافق الآراء الخماسي لآسيان. وسنعمل على تعميق تعاوننا في المؤسسات متعددة الأطراف، بما في ذلك في الأمم المتحدة، حيث يؤدي تعزيز أولوياتنا المشتركة إلى تعزيز مرونة النظام متعدد الأطراف نفسه. وسنستجيب لتحديات عصرنا بشكل فردي وجماعي، ونضمن أن تظل المنطقة شاملة ومنفتحة وتحكمها قواعد ومعايير عالمية.
سنواصل بناء التعاون، وسيجتمع قادتنا ووزراء خارجيتنا سنويا وكبار مسؤولينا بانتظام. وستواصل مجموعات العمل لدينا إيقاعها الثابت لإنتاج التعاون الضروري لبناء منطقة أقوى.
في هذه الحقبة التي تمتحننا جميعا، يبقى التزامنا بتحقيق منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمنفتحة التزاما راسخا وتظل رؤيتنالهذه الشراكة طموحة وبعيدة المدى. وبتعاون راسخ، ننهض معا لمواجهة تحديات هذه الحقبة.
” انتهى الاقتباس ”
في هذا السياق تأتي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك على مدى الاسبوع قبل الاخير من هذا الشهر سبتمبر، في الدورة السادسة والسبعين من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث التقى وزير الخارجية بلينكن مع أكثر من 60 حليفًا وشريكًا من حول العالم، عطفاً على كلام الرئيس جو بايدن حيث قال ” يجب أن نتعاون مع الشركاء لضمان مستقبلنا المشترك. إن أمننا وازدهارنا وحرياتنا مترابطة سويًا ، يجب علينا العمل معًا كما لم يحدث من قبل ” .
نستنتج مما سبق:
بأن الاستراتيجية الامريكية للإدارة الحالية تتدرج على الانسحاب من مناطق عديدة من العالم بما فيها الشرق الاوسط او تخفيف تواجدها بشكل كبير للتركيز على التحديات والتهديدات التي تمثلها الصين ( حسب زعمهم ) في بحر الصين والمحيط الهادئ والهندي، وخصوصاً بعد احتمال عودة ايران الى اجتماعات فيينا بخصوص الملف النووي حسب تصريح أدلى به وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان الاسبوع الحالي إلى التلفزيون الإيراني ، وأضاف: “بينما نمعن النظر للعودة إلى محادثات فيينا، يجب ألا نتأخر وننتظر نتيجة المحادثات “. مما يوحي باقتراب انبعاث الدخان الابيض من فيينا بهذا الخصوص ، إضافة الى تصريح الملك سلمان بن عبد العزيز باجتماعات ايجابية بين مسؤولين من المملكة العربية السعودية والايرانيين بوساطة عراقية ، إضافة الى ما يسود من تفاؤل بانفتاح ومرونة بالتعاطي من الدول الاقليمية والعربية والعالمية للملف اليمني و السوري واللبناني والليبي ، قد تنعكس بانفراجات دراماتيكية وسريعة ،وخصوصًا بعد اجتماع جنيف بين ماكغورك وفيرشينين ولافرنتيف منتصف الشهر الحالي واجتماع هلسنكي المحوري بين رئيسي الأركان الامريكي والروسي الاسبوع الاخير من شهر سبتمبر بخصوص الحوار الاستراتيجي الاوسع !؟
اجتماع سوتشي بين الرئيسين بوتين واردوغان يوم 29 سبتمبر 2021 حول بحث الملفات المشتركة بين البلدين ، ولا يخفى على أحد اهمية البلدين في ارساء السلام في سورية وهو ما صرح به الرئيس
اردوغان ، حيث قال ان السلام في سورية مرتبط بشكل مباشر بالعلاقات الروسية التركية ودور بلدينا كبير في هذه المنطقة .
اعتقد ان نتائج المفاوضات ستنعكس على الملف السوري وخصوصاً ( شرق وغرب شمال سورية ) وحسب تغريدات الرئيسين فإن كانت مفيدة ومثمرة .
ويتطلب ذلك المبادرة في مراجعة أدبيات وسياسات إعادة الاعمار بعد الكوارث ، سيّما ضرورة الاستفادة من تواكب التداخلات الحديثة والخبرات التراكمية للمنظمات الأممية والدول المانحة ( التي تتطلب دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لتنظيم مؤتمر للدول المانحة بعد عودة الأمن والاستقرار ) بشأن إعادة الاعمار بعد الكوارث ، ونقلها بطريقة مبسطة ومفصلة وعملية للكفاءات والقدرات المحلية لتتماشى بسلاسة مع الخبرات الدولية ، من خلال البرنامج المخصص للتعافي المبكر في الوقت المحدد والأولويات والمواصفات والميزانيات المرصودة وبالكفاءة والفعالية العالية خدمة لبلادنا التي عانت مرارة الحرب لفترات كبيرة .
هنا لا بد من الاشارة الى أهمية سياسات التنفيذ ومراحل التعاطي مع الكارثة منذ وقوعها حتى الوصول الى التنمية المستدامة ، وتجنباً لتأخر استجابة الحكومات ووكالات التنمية والمنظمات الإنسانية التي قد تتسبب في حدوث ارتباك وتأخير في عمليات التعافي وإعادة الاعمار( نظراً لاختلاف الأهداف المحلية عن الأممية وعلى الاخص بموضوع السيادة مع ما يرافق ذلك من تشريعات تحدد عمل منظمات المجتمع المدني وآليات التعاون مع المنظمات الدولية وبرامج التمويل .. ) ، وتحسبًا للكوارث المستقبلية سواء بعد وقوع كارثة طبيعية أو الحروب والصراعات المسلحة.
نحن لسنا في حاجة إلى نصوص بل إلى قرار وإرادة فعل ، للحؤول دون تكرار الأزمات والرهان على رضوخ الشعوب ، ما نحتاجه أن يتم ترجمة الرضا والغضب عبر صناديق اقتراع في انتخابات حرة نزيهة شفافة ، نحتاج إلى حوار عام مع المخالفين والمعارضين… إلى معالجة ملف المعتقلين والمفقودين والنازحين واللاجئين والمتضررين ، مع التشريع بإعادة المحاكمة طلباً للبراءة وإعادة الممتلكات التي تم بيعها والتصرف بها دون وجه حق … إلى إعادة النظر في القوانين و التشريعات والممارسات المقيدة للحريات التي يضمنها الدستور …
تخفيف العقوبات عن سورية وتجميد مفاعيل قانون قيصر ، بحاجة الى صناعة أثر ايجابي سياسي في داخل سورية تتفاعل معه دول العالم، وإلا سوف يكون بحده الأقصى تأمين الغذاء والدواء وبعض مستلزمات العيش(عبر جهات غير رسمية )من أجل البقاء على قيد الحياة ! أعتقد أن الدعم الاستراتيجي للنهوض والتعافي الاقتصادي والمالي سوف يكون مؤجلاً لما بعد اجراءات بناء الثقة والانفتاح التدريجي ، عبر تنفيذ القرار رقم 2254 ووضع آليات تنفيذية عبر التغيير والتشاركية بمفاهيم جذرية وشفافة ، مما يتيح انفتاح ومرونة بالتعامل مع الدول الاقليمية والعربية والعالمية وبالتالي استثمار هذا الانفتاح التي بدأت خيوطه تُحاك في برامج اعادة البناء والتنمية المستدامة التي من شأنها تعزيز الاستقرار والسلام والأمن المستدام .
علينا البحث والعمل على التنمية البشرية والمستدامة فهي السبيل الوحيد الى تحقيق الاستقرار والسلام ، وبالمقابل ايجاد أفضل الوسائل للاستيفاء حق الأفراد والمواطنين في التنمية، ومدى انعكاسها على الأداء الاقتصادي العام لتحسين أحوالهم المعيشية وتوازناتهم الاجتماعية .
السؤال الذي يطرح نفسه لدى العديدين من أهل المنطقة والمهتمين بالشأن العام هو ، هل العقوبات الاقتصادية تعّطل العملية السیاسیة وتخلق تفكك مجتمعي واقتصادي وثقافي ، أم العكس ( اي ان الحل السياسي هو مفتاح الحلول الصعبة ) إن العملية السیاسیة في سورية، تخضع لاعتبارات اقليمية ودولیة وتحتاج لتوافقات محلية للدفع نحو تنفيذ القرار 2254 قبل وصول الوضع المعيشي والانساني الى نتائج يصعب تداركها ، آملين أن تفضي طاولات الحوار والتفاوض في المنطقة الأوسطية والعالم بين دول متعددة تم الاعلان عن بعضها ، ومنها مالم يُعلن عنه الى رسم ملامح جديدة لمستقبل انساني واعد تساهم فيه جميع المجتمعات في تقدم العالم بعيداً عن تقاسم المصالح التقليدية والجغرافية بأوجهها القديمة ، مستذكرين خلاصة التاريخ والحضارات التي مضمونها ( بقاء الحال من المُحال ) ، ويقيناً لإدراكي هذه العبرة العظيمة …
” كُل مُرّ سَوف يمُر
ليأتي اليُسر الذي يَسّر ”
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post