تمر سورية منذ أكثر من ستة أعوام بأحداث متلاحقة، أدت إلى تشكيل أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، تحولت إلى كارثة وطنية بتشابكات إقليمية ودولية معقدة جدا، مما أدى الى ان هذه الأزمة ستترك آثارا كبيرة على مستقبل سوريا ومواطنيها.
معظم الدول النامية تواجه تحدي كبير متعلق بالتعامل مع ملف الدعم السلعي. فمن ناحية يعاني الناس من حالة اجتماعية وصحية واقتصادية شديدة التدهور تجعلهم في أمس الحاجة للدعم ليساعدهم على البقاء. ومن ناحية أخرى، مع مرور السنين يتضح ان سلوك الناس الاستهلاكي لا يتغير بتواتر وسرعة تغير مستوى الخدمة المدعومة سواء كانت غذاء او خدمات او تعليم او صحة حيث تتناقص مستوياتها وخدماتها…. في حين زيادة الانفاق على تلك الخدمات مع تفاوت الأسعار العالمية وزيادة عدد السكان يمثل عبء كبير على الحكومات، ولذلك غالبا ما تكون إشكالية الدعم على رأس أولويات الحكومات .
وفي التعامل مع قضية بحجم الدعم السلعي نتساءل بشكل سريع حول عدة نقاط هامة:
هل ندعم الأفراد ام ندعم السلعة ؟
أكثر الدول تقدماً تدعم الفقراء في عدة خدمات ولكن الاختلاف هو في ألية الدعم؟.
هل الدعم اهدار مال عام ؟
الإهدار عموماً يكون نتيجة طبيعية لدعم السلعة وليس الأفراد. فبالإضافة إنه لا يصل إلى معظم مستحقيه، يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدة ممارسات فاسدة، كما أن توافر السلع بسعر رخيص يعد حافزا على زيادة الاستهلاك ومن ثم تحميل الدولة أعباء إضافية. والحد من الإهدار يتطلب تطوراً في أداء الجهاز الإداري للحكومة لمكافحة الفساد بالإضافة إلى الاستعانة بالابتكارات التكنولوجية الحديثة.
هل الدعم السلعي يرفع من جودة السلع ومواصفاتها ام العكس؟
هل يساهم في زيادة الاحتكار وعدم المنافسة والفساد والسوق السوداء؟
هل يصل الدعم السلعي الى مستحقيه، ومن هو المستحق الحقيقي للدعم؟
الدعم لتحسين جودة الخدمات المقدمة
ان توصيل الدعم إلى مستحقيه هو الشق الأول أما الشق الثاني هو توفير الخدمة بشكل جيد. فماذا سنستفيد إذا تم توصيل الدعم إلى الفئة المستحقة ولم يستفيدوا بالخدمة لتدني مستواها؟ وهنا يأتي دور القطاع الخاص في تحسين مستوى الخدمة المقدمة بل ايضاً في تقليل سعرها. فإذا تم فتح المجال للقطاع الخاص ضمن المساواة والعدالة في تقديم الخدمات والاستحواذ عليها وضمن شروط عدم الاحتكار والمنافسة التجارية وحيادية المؤسسات الحكومية، والتدخل الإيجابي لمؤسسات التدخل الإيجابي لضبط الأسعار وتوفير السلع للمواطن بأفضل المواصفات وأقل الأسعار، عندها نعتقد ان الدعم للأفراد أفضل من الدعم السلعي ويساهم في تحسين الظروف المعيشية وزيادة التماسك الاجتماعي وتطوير الخدمات ورفع مستويات الجودة.
ان الخطط المالية وتنفيذها يتطلب إيجاد مجموعة اقتصادية اجتماعية مختصة (وليس من شهادات الدكتوراه الحاصلين عليها) تعلم وتعيش واقع المواطن وتعمل على رفع وتحسين مستوى معيشته وحياته بعدما أصبح منهكا ومجتمعنا كذلك بفعل عوامل الازمة وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والخ.. ومن الضرورات الانية رفع الاجور للتوازن بين الدخل والانفاق ،
ومن الاجدر الاستفادة من تجارب الدول التي مرت بأزمات سواء حروب ام انهيارات اقتصادية ام تفكك اجتماعي واستطاعت النهوض مجددا وبآليات وخطط حكومية وبمشاركة المجتمع المدني ومساعدة الدول الصديقة.
ان اعتماد أنماط ملائمة للاستهلاك يلعب دوراً محورياً في إنجاح خطط الإدارة الاقتصادية والبيئية. كما أن العلاقة المترابطة بين الطاقة والمياه والغذاء متوازية مع تعاظم تأثيرات تغير المناخ.
لكن حصْر المعالجة بزيادة الإنتاج لا يكفي لسد حاجات الجياع وتأمين المياه للعطشى، ولن يوصل الإنارة إلى جميع القرى المظلمة. كما أن الاكتفاء ببناء المزيد من المطامر والمحارق لن يحل مشكلة النفايات. كما انه يجب تفعيل عمل الحكومة في تشجيع وتنشيط استثمار الطاقة المتجددة وجعله مشروعا وطنيا ،
فالأنماط الاستهلاكية غير الملائمة تكمن في أساس المشكلة، وأي حل قابل للاستمرار يستدعي تغييراً جذرياً في طريقة استهلاكنا للموارد وإنتاجنا للنفايات. علينا البحث في مساهمة تعديل العادات الاستهلاكية في إدارة أفضل للبيئة، وصولاً إلى تحقيق التنمية المستدامة.
يتطلب تغيير العادات الاستهلاكية جهوداً حثيثة في التربية والتوعية، تترافق مع مزيج من السياسات الحكومية واستراتيجيات قطاع الأعمال ومبادرات المجتمع المدني والأكاديمي ووسائل الإعلام. غير أن قبول المستهلكين يبقى الأساس لوضع السياسات موضع التنفيذ
اعتماد سياسات ملائمة تفضي إلى إدارة أفضل للموارد الطبيعية، وتشجع الناس على تغيير عاداتهم الاستهلاكية لتعزيز الكفاءة وتخفيف الهدر، مطلب ضروري.
ان الإسراع في إنجاز البرنامج الوطني التنموي لسورية بعد الازمة (بالدراسة والانجاز والتشاركية بين الحكومة واصحاب الخبرة والمجتمع المدني ) كفيل بوضع الخطط والتصورات الواقعية والحقيقية للتنمية وإعادة الاعمار وتحديث القوانين وسيادة القانون والمساواة في دولة المواطنة ، لإعادة تنشيط القطاعات الإنتاجية والخدمية والتربوية والصحية والتعليمية وبناء الانسان وتمكين الشباب والنساء وحل المشاكل المتراكمة التي لحقت بالمنشآت الصناعية والتجارية والسياحية والزراعية والخدمية والبنى التحتية ( سواء منها العام ام الخاص ) مع اعادة هيكلة وإدماج للبنوك العامة وفق ما تفتضيه مرحلة اعادة الاعمار لإعادة تمويل المنشآت الإنتاجية بعد حل ملفاتها المتشابكة ووفق الحالات التي تضررت من الازمة وانعكاساتها ، وبما يساهم في اعادة الدورة التشغيلية والانتاجية والتخفيف من البطالة.
تنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج الذي يحقق الانماء الاقتصادي والتنمية والاجتماعية والإدارية والبشرية المستدامة وتأهيل البنى التحتية،
ووضع برنامج وطني لتعويضات المتضررين وإعادة الإعمار.
ان اعادة الاعمار في سورية يقتضي انشاء صندوق اعادة الاعمار (هيئة مستقلة) يتولى البحث في الاولويات والتنسيق مع الجهات الحكومية والجهات المانحة.. والعمل على الإنجاز والتنفيذ وفق الخطط المدروسة وضمن استراتيجية التوزيع العادل والمتوازن.
في الختام، نجد ضرورة إيجاد الحلول الناجعة والسريعة لدعم حياة المواطنين المعيشية والاجتماعية والتعليمية والتربوية والخ .. وعدم استنزافهم وإلا سيتحول مجتمعنا الى تحت مرحلة الشباب او فوق مرحلة الشباب وسنفقد الطاقات النشيطة بين (١٨-٤٥ )
سورية للجميع … وفوق الجميع …
المهندس باسل كويفي
Discussion about this post