تاريخياً، شكلت مناطق الجزيرة السورية ( شمال شرق ) مركزاً زراعياً حيوياً بالنسبة للبلاد. وأدى الجفاف المتكرر المتزامن مع سنوات من الصراع إلى آثار كارثية على قطاع الزراعة وكذلك على قطاع استخراج النفط والغاز ، مما انعكس مباشرة على حياة المواطن السوري واقتصاد البلاد ، نتيجة عوامل متعددة أهمها الاحتلال الامريكي وسيطرته على الموارد النفطية والغذائية ، واسئتثار قسد ومسد على تلك المقدرات ، وسوء إدارة المياه واستخراج النفط ، والافراط في استخدام الأسمدة والمبيدات، وضعف الوعي المجتمعي ، وتكرير النفط بالغلايات العادية بما يهدد البيئة والصحة ، إلى جانب أمور أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية لتشديد الحصار على سورية وعدم الاستفادة من الموارد المحلية ايضاً ، وبالتالي تهديد منظومة الامن الغذائي والمائي والبيئي والنفطي للمجتمع السوري عبر كامل الجغرافية السورية . ولعل التحولات الإقليمية ، وأبرزها التقارب السعودي-الإيراني، وتزايُد زخم التقارب العربي والتركي مع دمشق، قد دفع نحو إطلاق مبادرة الادارة الذاتية في الجزيرة السورية للحوار مع الحكومة السورية والقوى الوطنية الديموقراطية من أجل تسويات سياسية تتضمن في طياتها مدخلاً محتملاً لحلّ مسألة اللجوء السوري واقتسام الموارد الطبيعية .
باعتقادي ،تحتاج أزمة النازحين في داخل سورية واللاجئين خارجها إلى حلّ سياسي شامل للأزمة السورية، يعترف به المجتمع الدولي برمته، لتوفير التمويلات اللازمة لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين .
فالدول المستضيفة للاجئين السوريين بدواعي انسانية – سياسية سابقاً ، أضحت تعكس تدهور أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على شمّاعة ملف اللاجئين السوريين لديها ، وعلى الاخص دول الجوار لبنان وتركيا والاردن .
فيجري استخدام قضية اللجوء وقوداً داخل الصراع على تقاسم السلطة والثروة ووجود علاقة مباشرة بين اللجوء وانهيار الهيكل الاقتصادي في لبنان ، حيث تقديرات المنظمات الدولية تتراوح بحدود مليون لاجئ سوري في أعداد المسجَّلين رسمياً وأولئك الذين لا يدخلون في أي سجلات رسمية.
وأياً يكن ، فإن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يمثّل حجماً وازناً بالنسبة إلى عدد سكانه مُقارنة بما تمثله كتل اللجوء في تركيا والأردن ومع ذلك، فإن عمان وأنقرة عبّرتا عن شكوى موجعة من هذه المعضلة على مستوى اقتصادي واجتماعي وأمني، وهي تمثّل مشكلة سياسية كبرى في تركيا تستخدمها أحزاب البلاد في سجالها التقليدي، وخصوصاً داخل الحملات الانتخابية المُحضِّرة للاقتراع الذي سيجري في مايو / ايار 2023
وحسب تصريح مسؤول في المعارضة التركية المشاركة في الانتخابات القادمة ضد اردوغان إن “عودة 3،7 مليون لاجئ سوري من تركيا مشروع مهم يتطلب قدراً هائلاً من الجهد وربما إطاراً زمنياً أطول من عامين”.وأضاف: “لا شك في أن ذلك سيكون على أساس طوعي”، وسيتطلب ذلك تحفيزاً وفرص عمل وإعادة تأهيل، “وسنريد بالتأكيد تقاسم العبء مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة “.
وأضاف: “لن ننسحب على الفور من سورية ،لا يمكنني إعطاء جدول زمني، لكننا سنناقش ظروفنا ونرى ما سيحدث” وأن “العمل الإداري والمساعدات التركية الحالية في شمال سورية ستستمر ، لكن الوجود العسكري سيعتمد على اتفاق نهائي يضمن أمن الحدود ضد التهديدات الإرهابية ، هذه الصفقة ستستند إلى اتفاق أضنة 1998 الذي سيكون له أهمية كبرى لحل القضية ، وأن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً لكسب ثقة دمشق وتفكيك الوضع في الشمال، لا سيما في محافظة إدلب، حيث توجد مجموعات مسلحة مثل هيئة تحرير الشام، الفرع السوري السابق للقاعدة ”.
من ناحية اخرى ، تعوّل “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سورية على الولايات المتحدة وروسيا، من أجل دعم المبادرة التي أعلنت عنها قبل أيام “للحل السوري حسب زعمهم ، مشيرين الى أن الصراع في أوكرانيا إلى جانب التواصل العربي مع الحكومة السورية قد غيّر حسابات التفاضل والتكامل”.
وجاء في نص المبادرة: “نؤكد على أن الثروات والموارد الاقتصادية الحالية يجب أن يتم توزيعها بشكل عادل بين كل المناطق السورية، فالموارد الموجودة في شمال وشرق سورية مثل (النفط، الغاز، المحاصيل الزراعية) مثلها مثل غيرها من الموارد الموجودة في المناطق الأخرى في سوريا هي ملك لجميع أبناء الشعب السوري “، كما أضافت ” بهدف التقليل والحد من المشاكل والمخاطر التي تواجه أبناء الشعب السوري من جميع المكونات من الذين نزحوا من مناطقهم أو هاجروا إلى خارج البلاد، وإنهاء معاناتهم الإنسانية: تبدي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا استعدادها لاحتضانهم واستقبالهم ضمن إمكانياتها المتاحة، كما استقبلت غيرهم من السوريين منذ بداية تأسيسها حتى الآن؛ وعليه فسوف تتخذ الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص”.
تجدر الاشارة هنا إلى أن كمية المحصول من القمح في سورية كانت تبلغ في عام 2011 نحو 3.4 مليون طن معظمها من واردات الجزيرة السورية ، في حين كانت الحاجة المحلية 2.7 مليون طن، ما يعني أن سورية كانت مكتفية ذاتياً في هذه الاستراتيجية ودعم الامن الغذائي ، لكن مع تصاعد الأحداث انخفضت كميات الإنتاج بشكل كبير مما استدعى الحاجة الى استيراد القمح والشعير لتلبية الطلب .
وقد بشّرت الدراسات والاحصاءات لهذا العام بموسم جيد ، إلا أن قرار الحكومة السوريةالمبكر بشراء المحصول بأسعار تقل عن أسعار السوق العالمي ( بحجة الدعم للاسمدة والبذار ) قد يكون له تأثير مباشر على تسليم المزارعين محاصيلهم للحكومة السورية ( القمح بسعر 2300 ليرة للطن والشعير بسعر 2000 ليرة للطن ، في حين حددت الادارة الذاتية السعر للقمح 3150 ليرة للطن ، والاسعار العالمية والمحلية المتداولة بحدود 3500 ليرة للطن للقمح الطري ) ، وبالتالي فان هذه الاسعار لا تراعي التكلفة الحقيقية للمزارعين ومن الضروري اعادة النظر فيها للتعافي المبكر للزراعة ، وكي تتمكن المؤسسات الحكومة من استلام المحاصيل بدلاً من استيرادها وتحقيق الاكتفاء الذاتي تدريجياً والتخلص من الاستيراد وملحقاته …
منذ بداية العام الحالي كانت تركيا قد مضت بعملية بناء حوار بأبعاده الأمني والعسكري مع دمشق ، ومن المتوقع التقدم في المسار السياسي والديبلوماسي في الأيام المقبلة، بعد الاجتماع الرباعي على مستوى وزراء الخارجية في العاصمة الروسية موسكو ، ولعل من الملفات الهامة التي سيتم نقاشها ، الشمال السوري شرقاً وغرباً ومكافحة الارهاب والامن الحدودي و المائي والغذائي وانسحاب الجيش التركي من الاراضي السورية وكحسن نية قد يكون فتح طريق M4 الواصل بين اللاذقية وحلب مقدمة للتفاهمات والتوافقات .
مهندس باسل كويفي .. .
Discussion about this post