ولدتُ قبل اشتعال الضوء
انخلقتُ أولَ تأتأة الغمر
طرتُ خفيفًا نحو الأشجار
عاليًا نحو السماوات
عانقت النار
ضاجعت الريح
تزوجت الندى
عَلَّمني النايُ سرَّ النبيذ
الأغصان أعطتني سرير العاطفة
اختبأتُ في ملاءة البحر
خلعتُ قميصَ العاصفة
ولمّا رأيت الناس, يكتبون على صفحة الماء؛
أسماءَ حبيباتهم
وجدتُ على خدي آثارَ صفعة
رقصتْ الكلابُ عند نافذتي
العشُّ الذي دلَّتني عليه السنونو كان معسكرا للغربان
الصيف يعشق أصوات الصِبية؛
كنا نزهو تحت شجر الحنين
غير أن الحارس البليد
شدَّ الغصن فانكسر الظل وشب طوق النار
اهتزَّ مجد القروي
تناثر حب رمان
وتساقطت أوراق تين
وتململ زيتون روحي.
رَجْعُ موسيقى بعيد
رائحة شعبٍ يحترق
خبطُ أجنحة ٍ
حفيفُ ملائكةٍ
خفقُ قلوعٍ وهبوبُ نشيج
انين هضاب منسية …
…
هَوَتْ أصواتنا في الغدير
البناتُ اللواتي كن يلعبن معنا
كبرنَ سريعا
تساقط التوت عن أفخاذهن
كبرت صدورهن
تثنت قاماتهن
انتفخت بطونهن
ثم ولدنَ أطفالاً لا يشبهوننا
صرن أمهات
ولم نصبح آباء
تخطّى بعضنا اللعبة ؛
وقورًا , كسيرًا، تئهًا يَبحث لأحفاده عن زوجات طيبات.
آكلاتُ العنب الذي لم ينضج بعدُ
لم يكشف أن النشوة بنت العنب وأن العنب نبيل حد التخمر
بنات العنب
بنات الهوى بنات أحلامنا وشهواتنا
يذهبن بسرعة نحو الغد
الغيابُ مبعثُ خزي العمر
حين يطير كالجندب أيّام الحصاد
تذوي بين أيدينا الرغبة المقيتة
الآتون قبل أنهم برابرة وقيل أنهم سحرة ومشعوذون
يلتهمون الكواكب والنهار
تضحي الخليقة بعين واحدة
وقيل جلَّلها العَماء
العثُّ يلتهمُ الأساطير
الصبايا لم يعدن كما نتوهم
بتن في غرف الضباط الحاقدين
صرن زوجاتٍ صاغراتٍ
ومربيات مطيعات
حبيباتُنا
تركن لنا الماضي وتزوجن السياط,
لمن نُوَرِّثُ مصائبنا
لمن نسقي ماءَنا المعطل في كهوف العذرية
لمن نمنح خساراتنا
وريحَنا المرتبكة
*
بلادنا صالة قمار
قاعة ترانزيت
غرفة نوم للغريب
البيارات التي تركها أجدادُنا هرمت
قصَّ أشجارَها ورثةُ (الكرنكيمت )
المفاتيح التي حملها الأجداد صدأت
تهتكت أبوابها
الجدات سكَنَّ الغيوم الأزلية
تناست القروياتُ صواني القش
إبرَ التطريز
مغازلَ الصوف
مراوِدَ الكحل
أغاني الحَصاد ومواويلَ العاشقين
تلاشت ثرثرة الحارات
نميمة الجارات
سقطت أسطحُ الكلمات على رؤوس سكانها النائمين
تَهَدَّمت تلك البيوت
من يُصدِّقُ أن ظلَّت على الأرض بيوت !
*
الخليقة امَّحت عن المشهد
لا يكفي شجر الصبر دليلا على جنة الراحلين
حيث يلوح الغرباء بمحارم العريس
وتلبسُ المومساتُ زيَّ الأُمَّهات !!
الناسُ تولوا خائفين
أزيز الطائرات رجّ سطوة الألم ,
الخوفُ تجوَّل في الأزقة
في الطرقات في الحكايا والنظرات
العيون شاخصة إلى السماء
العقاربُ وجدتْ فرصةً للتنزه
الشاحناتُ أنقذتْ سمعتنا
حملتْ البكارى خارجَ الحدود
البساتين بكت ثمرًا مرًا
الحجارة أخفت وجوهها
الطين بكى
الماضي أقام مأتماً للحاضر
المستقبل
أقعى مثل كلب مهزوم
عند مقبرة صاحبه العاجز.
*
هَيِّن أمْرُك تقول حكاية خرافية
,لا تنتفض
مأْسورُ كربلاءاتٍ وحسرة
استَجْدِ الدموع والعويل والرأفة
يا للبكاء
نبعُ الراحة والفرج
سبيلُ المهزومين إلى الشفقة
أُعْذُقْ بيديك النهار,
اقتلعْ شوكَ العار
انبذْ دُخانَ العواصم والقرى
امتعضْ حين يشاؤون
امتعض حين يمتعضون
امتعض كما تتطلب الخسارات والخديعة .
*
انجلت هيئةُ الغمرِ
رَكَعَتْ زرافة المجد
طار حمام الرجاء
توافد المنسيون والمسبيون
هوت نيازك
اسودت سماوات
وابيضت غربان.
*
السلام عليكم
السلام علينا
الوداع الوداع يا طحين الجدات
يا قلاع الروح
حين تفقد الغانياتُ الراغبينَ في المتعة ,
تصير الزنابق سياجا للعفة
السلام علينا
السلام على أعدائنا القدامى الجدد
فهم سلسبيل المحنة والعافية
دليلُ الله إلى عباده التائهين ؛
السلامُ إذن على عباد الله التائهين
اللاجئين إلى رحمته
النازحين المنبوذين من نعيمه
والسلام على العدو المطمئن والمستريح
السلام على عجز الياسمين الطري
وانحناء الأديم لخطى القتلة .
6-10-2000
من جهة البحر – المؤسسة العربية للدراسات والنشر -بيروت -2004
#شعر #قصيدة_شعر #النثر #تحت_المطر #نثر_شعر #موسى_حوامدة
البشير