المرة تلو الأخرى لأكثر من عقدين من الزمن.
تتسق الشروط والمطالب في منطقتنا للسير مع الأسف عكس عقارب الساعة، بالرغم من البوابات المفتوحة والفرص الممنوحة لتجاوز هذا المسير المعاكس لرغبة الشعوب في حق الحياة والعيش الكريم.
في علم الفيزياء والرياضيات، تًعتبر الحركة مع عقارب الساعة من المناهضة للحركة الطبيعية الايجابية، ولكن من فلسفة واساسيات تلك العلوم مناقشة ووضع احتمالات حديّة منها واقعي وبعضها احتمالي أو نظري كما هو متعارف عليه في محور الأسهم نقطة المنطلق والارتكاز الصفر، وحدوده من ما قبل اللانهاية الى ما بعد اللانهاية.
أما في علوم الايديولوجيا والاجتماع، فإن وضع الساعة بحد ذاتها في اليد اليمنى أو اليسرى (بالرغم من ان تصميمها لليد اليسرى) له دلالات تؤشر الى بيئة نفسية مجتمعية ذات صلة، دون النظر الى الانحرافات الجسيمة أو العادية.
في نفس السياق، تُعد الأحداث المؤلمة صادمة لأننا لا نستطيع استيعابها. ومن ثم لا نستطيع التعايش مع طريقة إدراكنا لشكل العالم من حولنا.
تبدو الأحداث الصادمة عشوائية أحياناً وبلا سبب وجيه، ولا تتوافق مع طريقة فهمنا للعالم وقناعاتنا حوله، مما يجعل فهم المعنى الحقيقي معقداً.
تُظهر لنا التجارب الصادمة شعوراً بانعدام الأمان والتهديد وهو شعور مخيف يُمكن أن يتسبب بأزمة هوية وهذه مشكلة مُقلقة في منطقتنا.
قد يتعرض الكثير من الأشخاص لأحداث صادمة خلال حياتهم، ” ثلث البالغين في إنجلترا وفق دراسات تعرّضوا لحدث صادم واحد على الأقل خلال حياتهم “، مما يؤدي في معظم الاحيان الى معاناة اضطراب ما بعد الصدمة نتيجة التعرض الفعلي أو المهَدِّد بالموت أو اصابة خطيرة أو عنف متعدد الاشكال بشكل مباشر او غير مباشر، كما يندرج أيضاً في طياتها فقدان الأمل من تحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على المستوى الفردي والمجتمعي والعام، فتنقلب اضطرابات الصدمة الى مجموعة من التذمر والثكل والحسرة والقلق والذنب والغضب.. بعد تلك التجارب الصادمة، تُسبب أعراضها بإعاقة المصاب الفرد والمجتمع في نشاطاته وقدراته والشعور بالكرب الشديد.
وتزداد الامور سوءً عند التعرض المتكرر لأحداث صادمة سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، تتحول نسبياً الى صعوبات نفسية أشد وطأة.
غالباً لا يتكلم الأشخاص المصابون باضطراب ما بعد الصدمة عما يشعرون به حتى يتجنبوا التفكير بالحدث الصادم، وأن التجنب والذهول قد يساعدهم على التأقلم المحفوف بالمخاطر.
إن الكوارث الطبيعية وغيرها مثل الزلازل والحرائق والحرب والمجاعات والفيضانات والصراعات والحفر الاحفوري ..( يوجد في أعماق الغابات نظام بيئي معقد من الاشجار و النباتات والفطريات والحشرات والحيوانات التي تتفاعل ايجاباً وبصمت لضمان حصول الكائنات الحية بتوازن على الهواء والماء والغذاء ) ، تتسبب في اختلال الطبيعة والمناخ وانتشار التلوث البيئي والاخلاقي وتزداد الحالة بالفساد والحروب وتدهور الاستقرار الامني والسياسي ، مما يؤدي الى تغييرات ديموغرافية عميقة وخلل في الحفاظ على الكفاءات والقدرات عبر الهجرة سواء منها شرعية ام لا ، حيث يتغرب الانسان المضطرب لأحداث صادمة من أجل الامان والاستقرار وكسب العيش وقد يتحول في برهة من الزمان الى لاجئ او نازح وقد تطاله قوانين وضعية في بلاد اللجوء للترحيل بعيداً عن الانسانية وحقوقها
صحيحٌ أنّ ظروفاً صعبة جداً تمرّ بها منطقتنا، فآلاف الضحايا، غرقوا في البحار باحثين عن بريق أمل ظنّوا أنّه لن يعود بعد السقوط في مستنقعات مختلفة قد تحذف معنى النهوض.
في ظل مقولات البعض بأنها سياسات وتحالفات وتوافقات واختلافات بين الدول الاقليمية والعظمى ولكن باعتقادي أننا نحن الوحيدون صانعو مستقبلنا بالرغم من مرارة المعاناة والألم والظلم، والأكثر شعوراً هو الفراق عن الوطن (كنت واحداً منهم) حيث نتعلّمُ أنّ الأمل يبقى رغم قسوة الظروف. نتعلّمُ أنّ الأهداف تبقى ثابتة مهما واجهنا من صعوبات. نتعلّمُ أنّ للوطن واجبٌ وحقٌ علينا وأنّ لدينا أمانة يجب أن نؤدّيها. نتعلّم أنّ الهجرة قد تكون بداية لنجاحاتٍ كبيرة كان من الممكن ألا نرى بريقها لو لم نهاجر. نتعلّمُ أنّ بذرة الوطن التي تعيشُ بداخلنا لا تموت أبدا مهما طال البُعد والفراق، فالوطن هو تماماً كالأم الحنون التي تحتضن أطفالها وتمنحهم الشعور بالأمان والسكينة؟! والغربة هي البكاء في الوقت الضائع
وكما كتب أحد الشباب المهاجر
” بعد سنين فى الغربة شافوني
قــالوا لي جايب ايــــــــــه من بَرَّه..
قُلت يـاريتهُم سألونى فى الغربة بكيت كـام مَرَّه..
شباب ضاع مني وسنين وليه ياناس حاسدينى..”
قد تتبلور لدى العائدين الصدمة الثقافية العكسية المتناسبة طردياً مع طول المدة الذي تم قضائها في الخارج للتكيّف مرة أخرى على أجواء الحياة، وهي بنفس الوقت تشكل فرصة سانحة للمشاركة المجتمعية في حال سمحت الظروف بذلك، وإلا سنتعرض الى عوارض الصدمة وهي القلق والاحباط والملل والاحساس بالارتباك وتغير المشاعر تجاه بلده نتيجة تغيرات في الاهداف والاحلام والاولويات،
لذلك علينا البحث عن ” الوقاية الفلسفية ”
بوصفها فكرا نقديا تساعدنا من الوقوع في شرك وهم «امتلاك الحقيقة»
قراءة الفلسفة بوعي عقلاني تقينا شر التوظيف لها لصالح نزعة مذهبية أو أيديولوجية، وتصلح للوقاية لو تمكنّا من تربية النشأ والشباب على معرفة القيم الفلسفية مثل: التفكير الناقد، والحرية الفكرية، والمسؤولية، والاستقلالية.
فمن يتهيّب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحُفر
وختاماً نؤكد المؤكد بأننا نحن من نصنع مستقبلنا مستلهمين من التاريخ عبقه العطر ومن الجغرافيا مميزاتها المتميزة ومن حضارتنا امتداد الانسانية
وكما قال أحدهم:
“هذه الأرض هي الأم التي ترضعنا
وهي الخيمة، والمعطف، والملجأ
والثوب الذي يسترنا
وهي السقف الذي نأوي إليه
وهي الصدر الذي يدفئنا.. “
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post