لعل أول ما يتبادر الى تفكيرنا في الآونة الاخيرة، لقاء السيد الرئيس في مقابلة مع تلفزيون ” سكاي نيوز ” وقد بدت فيه اعدادات واسئلة مدير القناة الإماراتية ” فيصل بن حريز ” بشكل مدروس وعميق ومقصود لرؤية سياسة سورية الداخلية والخارجية بعد مضيّ ما يزيد عن اثنا عشر عام على الازمة السورية، وانسداد الحلول التي من شأنها رفع المعاناة عن الشعب السوري اينما تواجد في الداخل وارجاء المعمورة.
لقد كان حديث السيد الرئيس بشار الاسد عن الازمة ومسبباتها والتدخلات الخارجية والثوابت السورية والسلام، شفافاً وصريحاً وينبع من الحرص على مصلحة الوطن السوري من رؤية الرئيس كونه المؤتمن على مصالح الشعب السوري.
ولعله من المفيد ان نلقي الضوء ايضاً على مقابلات السيد الرئيس خلال نفس الفترة مع العديد من شخوص الصحافة والاعلام، والسادة معاوني الوزراء الذين انهوا حوارتهم التدريبية في التنمية البشرية وتوجيهاته لهم بالإخلاص في عملهم والمشاركة في تصويب الاداء الحكومي والحد من الفساد.
وأتت مشاركة سورية في اجتماع القاهرة الاسبوع الماضي للمجموعة العربية (السعودية ومصر ولبنان والعراق وسورية) لتقطع الرهانات على حضورها وتحفيزاً اضافياً لدور سورية في الامن والسلام الاقليمي والدولي، بما يتبعه من تنفيذ المبادرة العربية وفق سياسة خطوة-خطوة وبما ينسجم مع القرار الاممي 2254 والدفع بالحل السياسي الذي يشكل رافعة اقتصادية واجتماعية وثقافية للحفاظ على وحدة سورية وشعبها، وبما يتماشى مع قرارات اجتماع عمان ومؤتمر القمة العربية في الرياض.
في نفس الوقت شاهدنا متاهات وحوارات عقيمة، قامت بها الحكومة بصفتها السلطة التنفيذية ومجلس الشعب بصفته التشريعية ” خارج إطار الدستور” حين انفردوا بصنع القرارات الاخيرة وبأسلوب ينم عن تخبط وعشوائية في الرؤية، مما فاقم الانقسامات بين فئات المجتمع في الوقت الذي نحن فيه أحوج ما نكون للتكاتف والوفاق، فغدت كما تبدو ادارات مترهلة أصابها الفشل المزمن، عبر تغييب الشعب ونخبه وافقاره للموت في بطء ،” فرق لا يصنعه حرف جّر ، إنما انحراف سياسات حتى وصلنا إلى متاهة ومشقة الحصول على ما يقيم الأود، ويبقي الأبدان المنهكة على قيد حياة تعيسة “.
وتحولنا الى بلد يختنق من داخله، ويُحاصر من خارجه، ويخوض تحديات وجود، ربما لأول مرة منذ آلاف السنين، و بين أهله للأسف من يتحدث بخوف أو شماتة عن انهيار وفوضى تُلقي بنا في غياهب التقسيم والتفتيت وعصر الحجر ، وما يزيد قلقنا وحذرنا أننا ما زلنا متمرسين خلف سياساتنا السابقة بالرغم من تقلبات وانقلابات سياسية عديدة اقليمية ودولية متسارعة منها جاذبة ومنها طاردة للمشاركة في النظام العالمي الجديد التي بدأت ملامحه بالتشكل غير آبهة بقبول أو رفض أنظمة للشكل أو المضمون .
فيما لا تزل بعض المؤسسات تمارس دوراً اقصائياً لنخب وطنية قادرة على التخفيف من المعاناة في ظل التوّهم بالتصّرف في حاضر البلاد ومستقبلها، بدلاً من لّم الشمل في عملية سياسية منظمة ومتفق عليها، تُطلق المبادرات والحريات وتُطهر العقول والنفوس من مخلفات الازمة، وتمنح المدة اللازمة لكتابة الدستور العصري الحديث بروح توافقية تقوم على احترام الحقوق الأصيلة للإنسان، وانتخاب ممثلي الشعب وقادته في إطار سياسي ودستوري ديموقراطي، يضمن انتخابات حرة عادلة تُمثّل كل طوائف واتجاهات الشعب.
لقد بدا واضحاً في منطقتنا الاوسطية، أن اختلافات ” النخب السياسية ” المزمنة بحجج ايديولوجية واهية حول كيفية تحقيق هذه المطالب، أدت وتؤدي الى تفاقم الفقر والعوز والجهل والظلم، وهي تتعارض مع حق الشعوب ومع عدالة الحرمان في حال كانت قدرنا.
للتذكير، المعارض السنغالي عثمان سونكو (55 عام) أسس حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة”، حزب يدافع عن المهمشين والذين يعانون من مشاكل اجتماعية واقتصادية
ولا يتبنى الحزب نمطا من الأيديولوجيات التقليدية كالليبرالية والاشتراكية والقومية والشيوعية، وإنما يركز على إيمانه بالحريات العامة والفردية، وتأمين سبل العيش والتنمية المستدامة، ما أحوج منطقتنا حسب اعتقادي الى مثل تلك الاحزاب للنهوض، عبر تحقيق العدالة التي هي الهدف الأساسي من تطبيق القانون وسن التشريعات.
اقتباس …
“في مصر ، حققت اجتماعات الحوار الوطني التي افتتحها الرئيس المصري منذ ما يزيد عن ثلاثة اشهر ، قفزة نوعية الى الامام من خلال إقرار التوصيات والمقترحات المقدمة خلال الجلسات النقاشية العامة والتخصصية، وتم رفعها للسيد رئيس الجمهورية بعد التوافق عليها في المحاور الرئيسية الثلاثة السياسي والاقتصادي والمجتمعي، ( 16 جلسة في المحور السياسي و 13 جلسة في المحور الاقتصادي و 15 جلسة في المحور المجتمعي) ، بمشاركة متميزة ومتنوعة من ذوي الخبرة والتخصص والمعنيين، بمراعاة تمثيل وجهات النظر والتوازن السياسي ، واستطاع الحوار استقبال مئات الآلاف من المشاركات من كافة أطياف الشعب ، مما ساهم في النجاح في تحقيق الاتي:
- خلق حالة من الحوارات المجتمعية داخل كل مؤسسة وحزب وقرية
- إعلاء لغة الحوار بين مختلف التيارات السياسية والفكرية
- إحداث حراك إيجابي على مستوى الحياة السياسية المصرية “
انتهى الاقتباس …
نتمنى ان تكون مبادرة الحوار الوطني في مصر ، منهج ايجابي يمكن الاستفادة من بعض جوانبها في ظل الانسدادات على الساحة السورية وبمشاركة جميع الفعاليات السورية ذات الاختصاص ودون اقصاء او تهميش للقدرات والكفاءات الموجودة ، وتكون لقاءات للسيد الرئيس مع بعض النخب لوضع خارطة طريق للحوار الوطني الذي طال انتظاره ، فالسياسة والدبلوماسية والحنكة والمرونة في التعاطي مع الملفات وإعادة ترتيبها بطعم ونكهة محلية مع تنازلات وطنية تبلسم الجراح وتكوي الجرح المفتوح هي السبيل الوحيد للحفاظ على الجغرافيا والشعب السوري .
وكما قال الشاعر الجواهري …
وَطَنٌ إذا ذَكَـرُوهُ لي وَ بِيَ الغَليل وجدتُ بَرْدَا
وَ لَوْ اسْتَفَفْتُ تُـرَابَه لَوَجَدْتُ عَيْشِيِ فِيهِ رَغْدا
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post