على الرغم من النقص الحاد في الإمكانات والتجهيزات ، إلا أن عدم اهتمام السلطات المركزية والمحلية بدعم هيئة لإدارة الكوارث وتحديث أدواتها الأساسية ، فإن رقعة الحرائق تتزايد في ظل تأخر امدادات الاطفاء وضيق أفق الكوادر وتدريبها ، والتريث عن دعمهم بالتقنيات الحديثة التي تقلل من حجم الأضرار وتُعزز سبل الوقاية لحفظ سلامة الناس وممتلكاتهم الخاصة والعامة .
إن الأجواء الحارة ووجود أعشاب قابلة للاشتعال ، وغيرها من الظروف، كلها أمور تشكّل ظروفاً مواتية لاندلاع حرائق ، وترفع من احتمالية حدوثها ، دافعة ورافعة بالجميع للسباق مع ألهبة النار وتطويقها .
بإسقاط سبل الوقاية والحماية من اندلاع الحرائق ومقاربتها على الانسدادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا الأوسطية ، على المستويات المحلية والاقليمية تتشابه النيران بما يُنذر من اندلاع وتوسع الحرائق في مجتمعاتنا وخصوصاً مع وجود رياح غربية او شرقية ، شمالية أو جنوبية تزيد من سعير النيران ولهيبها ، في وقت نحن بأمّس الحاجة الى اخمادها .
ولكن بدلاً من ذلك وفي سباق مع النار ، تتجاذبنا تساؤلات حقيقية تتخللها جدّالات بيزنطية قديمة وعميقة حول السبل الى ذلك ، هل عبر سياسات التطويق أو الاحتواء ( وهو ما مارسته الادارات الامريكية مع الاتحاد السوفياتي سابقاً ) أو تطبيق سياسات الاستيعاب ؟
في مصر ، ( منقول من صفحة د عمار حسن ) ، “بسبب شجار مع الزوجة حول “مصروف البيت ” حاول الاب قتل اولاده في ظاهرة تتسارع لتتحول الى ظاهرة اجتماعية ” لا سمح الله ” كونها أشبه بدخان يُنبه إلى نار مستعرة تحت رماد كثيف. إنه رماد الصبر على الضّيم والإفقار ، إما بحكم تمرس المصريين عليه، أو لخوفهم المزدوج مرة على المجتمع من الفوضى إن خرجوا بصدور عارية يئنون مما هم فيه، ومرة من عقاب سلطة ، زجت في السجون بآلاف من المعترضين لفظًا”
باعتقادي أن مسار التناحر هو الاشد قسوة في تآكل المجتمع والاكبر فداحة في الخسارة من حيث التفتت الاجتماعي ، فالسعي إلى البحث عن حل فردي لمشكلة مجتمعات محلية دون اعتبار ملموس لمشكلات الآخرين في ظل ندرة وقهر ، يؤدي بالنتيجة إلى صراع مع الآخرين حول تحقيق المصالح الصغرى، وانتزاع المنافع الضيقة. وهذا الصراع قد يقف لدى البعض عند حالة من التربص والحنق ، وإلحاق الأذى المعنوي والمادي بالتقابل ،
وللأسف ، فإن ما مضت فيه بعض الحكومات رغم اختبار الأزمات وعدم تحويلها الى فرص ، قد تكررت وتجددت ( بعيداً عن تقييم الماضي ولو كان أليماً للاستفادة منه للحاضر والمستقبل ) ، حيث صمّت آذانها عن مطالب الشعب المحقّة ، وأعطت ظهرها لتنبيه ذوي الخبرة ومضت فيما تراه بعين واحدة ، رغم آثارها الجارحة على المجتمعات كلها ، وانعكاسها بالتأكيد على كيان الدولة ، التي يكون المجتمع في قلبها من حيث التكوين ، وفي مقصدها من حيث الوظيفة، وفي صُلبها إن تحدثنا عن بقاء الدولة ووجودها .
ففي أوقات الفقر والظلم الشديد ، وحين يعجز الناس عن استيعاب ما يجري لهم، ولا يقدرون على بذل أي جهد في سبيل تغييره ، ولا يرون ضوءََا في نهاية النفق الذي يمرون به ، يلجؤون إلى الانخراط في الرهان على من يزعمون إطلاعهم على بعض الغيب ، باختلاف أنواعهم حيث يجدون في كنفه بعض العدل والرأفة ، لا سيما إن وجدوا أن بقاءهم على قيد الحياة مهدد ، بعجزهم عن تدبير قوت يومهم ، في غياب قوى فاعلة تعزز سُبل ترشيد القرار، وتحسين الأحوال .
وهنا لا بد من تأمين الحماية الاستباقية للمجتمعات التي هي الهدف الاستراتيجي لبقاء الدولة ، عبر تحقيق وتعزيز قيّم الديموقراطية والمواطنة وسيادة القانون بدلاً من خيارات خاطئة وقرارات لا تصب في مصلحة الشعب .
لقد أكدت معظم السياسات الدولية على ضرورة تنفيذ القرار الاممي رقم 2254، فهو خارطة الطريق المشتركة المتاحة وفق التوافق الدولي ، إلا أن صعوبة إحراز تقدم فيه حسب تصريحات المبعوث الخاص بيدرسون يحول دون بدء مرحلة التعافي المبكر للاقتصاد السوري ، مما يتطلب تشجيع تجدد الزخم للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة ، وفي نفس السياق باعتقادي أن تنفيذ القرار بنكهة وطعم سوري – سوري ( حوار وطني حقيقي ) من شأنه تدوير الزوايا وتحريك الحل السياسي بما يتوافق مع رغبة الشعب السوري .
إننا لأول مرة في تاريخ سورية الحديث ، نعيش بشكل جدّي صراع مع المنعطفات التاريخية المؤلمة شكلاً ومضموناً ، والتي عبرها تصطف البشر وتهرب طلباً للنجاة والحياة ، متأثرين بالتفاعلات والتحولات السياسية والجيواستراتيجية الكبرى في الاقليم والعالم والمتغيرات السريعة التي تطال منطقتنا في محاولة للمشاركة بأن نكون فاعلين فيها بدلاً من الرفض في وقت الفرض .
علينا ان ننهض من كبوتنا ومحنتنا القاسية لنعود منارة من منارات الحضارة والاشعاع الثقافي والتنويري والمعرفة والفنون والتسامح والتنوع بدلاً من وطن مهجور بلا ملامح تميّزه ، عبر مشروع وطني جامع شامل يحقق الاستقرار والثقة والسلام المستدام بعيداً عن المشاريع الوهمية الاحادية الاطار والهدف ، لحل مشكلات المستقبل بالبناء والتنمية ، ولنتخذ مسارات الاستيعاب والحوارات بدلاً من التطويق والاحتواء ، ولنعمل جميعاً من أجل سورية والحفاظ عليها ما استطعنا فهي أمانة في اعناقنا للاجيال القادمة .
ونذكركم بما قاله امير الشعراء
لولا دمشق لما كانت طليطلة
ولا زهت ببني العباس بغدان
آمنت بالله واستثنيت جنته
دمشق روح وجنات وريحان
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي …
Discussion about this post