كتب السيد : فاتح جاموس :
هذه إجابتي وموقفي تجاه ما يسمى ملف الكيماوي السوري..وذلك رداً على سؤال للمرصد السوري.
السؤال: خلصت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من فترة رسميا إلى استخدام دمشق الكلور خلال هجوم في 2016 وخلصت عديد التقارير الأخرى إلى استخدام كل من النظام والمعارضة المسلحة في فترة ما الأسلحة الممنوعة وغيرها، لماذا ظل هذا الملف بلا محاسبة؟ وهل ظلت المحاسبة مشروعا لبعض الدول التي تحقق مكاسب على حساب مآسي الشعب السوري وآلامه؟ وكيف يمكن ضمان محاسبة عادلة في ظل هذا الغطاء القوي الروسي الإيراني الصيني والتركي لأطراف ما؟
جوابي:
-1- هذا ملف أثير قبل الأزمة والانقسام الوطني السوري، أثير من قبل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، وأثير بداهة في إطار التناقض والتنافس والصراع الجيوسياسي مع الكيان، وذلك مهما كان لنا ملاحظات على طابع النظام الديكتاتوري والقمعي والاحتكاري، وعلاقته بالشعب السوري، وبُذِلتْ جهود متواصلة وكبيرة ليحقق الصف الكياني الأمريكي انتصارا فيه، وجاءت الأزمة لتسمح بعض شروط تطورها بذلك عبر الدور والحسابات الروسية الاستراتيجية، وهكذا علينا ألا ننخدع أبدا فهذا ملف سياسي في العمق، بالتالي وعلى الوجه المقابل ليس ملفا حقوقيا انتهاكيا في الأساس، قيمته على هذا الصعيد ضعيفة سأحددها بعد قليل، خاصة إذا كان المقصود اتهام جهة النظام وصف تحالفاته الخارجية.
-2- وجدت روسيا بعد عدة سنوات من تطور الأزمة والشروط العسكرية والسياسية الصعبة جدا للنظام السوري، أن هناك جهودا دولية واسعة لاستخدام ملف الكيماوي ضده، ووجدت بالمقابل أن هناك إمكانية للتضحية تكتيكيا بهذا (السلاح الملف) وربما تريد ذلك أيضا في إطار علاقاتها بالكيان وطموحها بأن تلعب الدور الأمريكي السياسي، أو التنافس على ما يشبهه في المنطقة، وأنا شخصيا أعتبر ذلك من جهة يصب في مصلحة الكيان بالمعنى الجيوسياسي، ومن جهة أخرى له بعض الفوائد التكتيكية المهدئة في صراع الأزمة، وكذلك سببا لتطوير التدخل الروسي في إطار الشرعية والمؤسسات الدولية من زاوية حق استخدام الفيتو، كرد على الطرف الآخر، واعتبرت المؤسسات الدولية الرسمية والأكثر شرعية، أن هذا الملف من زاوية امتلاكه من قبل النظام، قد صفي تماما بإشرافها، ومع ذلك عادت أمريكا وصفها وأدواتها لإثارته مجددا بعناوين تفصيلية عديدة. ويعرف الروس خطورة الملف، وامكانية السماح للصف الأمريكي بالتدخل العسكري، إن كان عبر البند السابع، أو حتى بدون موافقة الأمم المتحدة، أي على أساس القانون والاعتبارات الأمريكية، والتهديدات والتوعدات الأمريكية كثيرة ومتواصلة به>ا الخصوص.
-3- ولطالما أن الخلافات والاستقطابات والتحالفات الدولية عميقة وصريحة على الأزمة السورية، فهناك جهود من الطرفين للعمل على الصيغ الشرعية الدولية، أو التشكيك بها، بالتالي يصبح العالم وحتى المراكز الحقوقية الدولية في حالة التباس وعدم معرفة صحيحة أو دقيقة بالوقائع.
-4- لكن ليس هناك أي مصلحة سياسية تكتيكية للسلطة باستخدام هذا السلاح، وذلك لمعرفتها أنه مسحوب عليها بصورة دائمة، ويمكن استخدامه كسبب في التدخل العسكري الإضافي، ولا مصلحة للنظام بعمل سري فيه غش لحليفهم الروسي، وهذه اعتبارات مقاربة تضعف احتمال أن يكون الطرف السلطوي السوري قد استخدم هذا السلاح، وفي أكثر الافتراضات احتمالية باستخدامه من جهتها من أجل فك حصارات عسكرية، أو تخويف بعض المناطق وساكنيها، فإن النتائج مع الاستخدام لن تأتي بمردود أو نفع مكافئ أبدا، بل ستكون النتائج معاكسة، والصف الأصولي ، والأمريكي خاصة البريطاني يعمل ليلا نهارا على توريط النظام بهذا الملف، والخوذ البيضاء ساهرة بتيقظ ..لافت جدا!
-5- وبفرض أن هناك التباس في معرفة الحقائق، ودور المؤسسات ونفوذ الدول الكبرى فيها، فأنا شخصيا على اعتقاد أن موقع الأصولية الفاشية وحلفها الخارجي وداعميها هم على خط، أو سوية، أو طابع وحقيقة البنية والنهج والتاريخ الفعلي، أكثر استعدادا لاستخدام هذا السلاح، أو التلويح والترهيب به واستثماره سياسيا بصورة سلبية، أكثر بكثير من الصف الآخر، وهذه قضية مقارنة مهمة بحد ذاتها في مسألة التباسية، ولا نعرف حقائقها بدقة، بالتالي ليس صحيحا وضع طرفي الصراع على نفس المستوى من الشكوك والاتهام باسم تقارير بعض المؤسسات الدولية، وكما يوحي بعض ما ورد في سؤالكم، وذلك مهما كان موقفنا من النظام والسلطة ، والتمييز والتدقيق فيه مهم جدا، وأي خطأ يزيح الملف من كونه سياسي إلى حقوقي انتهاكي، وهذا الملف مختلف بخطورته، وخطورة الخطأ فيه، حتى عن ملف الاعتقال، مع أهمية الأخير الكبيرة.
-6- بالطبع هناك وجه حقوقي انتهاكي في هذا الملف، ولكل ما سقته من أسباب يسمح لي بالاستنتاج أن الصف الأمريكي الصهيوني والتركي والأصولي يتحمل المسؤولية في هذا العنوان، ومسؤولية السلطة والروس هي في الحقل الجيوسياسي والوطني في صراعنا مع الكيان.وأنا أقارب الأمر أيضا بصفتي على قناعة عميقة بضرورة تدمير كل الأسلحة الفتاكة( نوويات، كيماويات..الخ) ومع وقف الحروب والعنف، لكن كوننا في موقع الدفاع عن أنفسنا في صراعنا مع الكيان الصهيوني المدجج تسلحا، بأكثر أنواعها فتكا( نووي، وكيماوي، ونصف كيماوي..الخ) بالتالي أنا أجد نفسي شخصيا فقط وفقط في صراعنا مع هذا الكيان وطبيعته التمييزية العنصرية، والاحتلالية الاستيطانية، والعنفية، أجد لنفسي ولنا كدولة أسبابا في موقف استثنائي، إذ لا بد من التكافؤ الردعي معه، وللردع قيمة عالية في الصراع، وفي ملف الكيماوي خسرنا وطنيا من منظور استراتيجي، مهما اعتقدنا أن النظام والسلطة والدولة ومؤسساتها قد حافظت على بعض أسرار التصنيع لإعادة التشغيل مستقبلا لو اتيح لها ذلك، وكان للروس دورا سلبيا في المحصلة الاستراتيجية، ومن الضرورة بمكان شرح هذه الالتباسات للعالم الراقي المتطور، خاصة عالم النخب العاملة في منظمات حقوق الإنسان، أو صاحبة وعي فعلي على هذا الأساس الحقوقي الأخلاقي، وأفترض أن لمركزكم دورا في ذلك أيضا، خاصة من موقع الاصطفاف إلى جانب القضية الفلسطينية، وعدم القدرة الأخلاقية والوجدانية والانسانية على تحمل مشروع الكيان، وإصراره على كامل سماته، وإصراره على تنفيذها تحت التفوق بالسلاح وأشكاله الفتاكة، واستعداده التام لاستخدامها.
– 7 أخيرا- إذن هو ملف خطر وحساس جدا، وواحد من عدة عناوين قد يسمح لاحقا بفتح احتمالات جديدة أكثر كارثية في إمكانية إعادة دورة العنف، والتشدد، وكسر العظم، والتدمير الجيوسياسي الواسع لسوريا وعدم السماح له بالعودة إلى سوياته السابقة، وهكذا الملف للابتزاز من جهة الصف الأمريكي التركي الصهيوني والأصولي، ابتزاز الصف الآخر، صف السلطة، ولا مجال لأي محاسبة عادلة في قضية غير عادلة من الصف الأمريكي، وبافتراض أكثر الشكوك تحققا، واستخدام الطرفين للسلاح الكيماوي، فإن سوية الخلافات والتناقضات والاستقطاب العالمي، لا يسمح بمثل هذه القضية الأخلاقية الحقوقية، والصيغة الانتقامية مستقبلا هي صاحبة الحظ والاحتمال الأعلى في التحقق، وستكون حتما من جهة الصف الأمريكي، وخارج قرارات مجلس الأمن الدولي بحكم حتمية الاستخدام الروسي والصيني لحق الفيتو، وسيكون لو حصل ، على أساس الاعتبارات الأمريكية بالكامل.
فاتح جاموس \الخميس 4 شباط\2022\
Discussion about this post