لعل الأنظار تتجه منذ التدخل الروسي في اوكرانيا الى الارتدادات التي ستلقي أثقالها على اقتصاديات الدول وعلى الاخص البلدان النامية، بالتأكيد هناك علاقة وثيقة بين السياسة والاقتصاد وبين الاقتصاد والامن والاستقرار وبين السلام والنمو الاقتصادي.
إلا أنه وبغض النظر عن التأثيرات السياسية والعسكرية فإن هذا البحث يتطرق بشكل أساسي لانعكاسات الاسواق العالمية على اقتصاديات الدول وطاقة تحملها للإجراءات الانعكاسية من ارتفاع اسعار النفط والغاز والمواد الغذائية الرئيسية (القمح وزيت عباد الشمس والذرة) والمعادن كون روسيا واكرانيا من الموردين الكبار لتلك المنتجات بشكل مباشر عدا عن التأثيرات غير المباشرة المتمثلة بارتفاع اجور النقل والتامين والتخزين …
إن لعبة عض الأصابع تدخل في حيز طاقة التحمل وهو ما تراهن عليه دول الغرب لإخضاع روسيا لشروطها، وفقاً للعقوبات التي فرضتها على روسيا والتي تلحق الضرر بالاقتصاد الروسي، ولكن يجدر الاشارة هنا الى أن العقوبات التي فرضتها دول الغرب على العديد من الدول ومنها إيران وكوريا الشمالية لم تثني تلك الدول على تنفيذ سياستها العسكرية بالرغم من تأثيراتها الاقتصادية، فكيف الحال مع روسيا التي تمتلك ترسانة عسكرية كبيرة واحتياطي كبير من الذهب واليورانيوم والنفط والغاز.
إن العقوبات ذات مسار مزدوج على روسيا والغرب وتكاد تكون متماثلة ولو ان ميزانها لمصلحة الغرب.
إن البشرية والمجتمعات الانسانية تتطلع دوماً الى السلام الذي يحقق الأمن والاستقرار ويعزز متطلبات الانسان في حقه بالعيش بحرية والتنعم بخيرات الأرض.
من هنا نؤكد أن وقف الحرب والعنف في أي منطقة بالعالم هو السبيل الوحيد لطوق النجاة للبشرية بديلاً عن الحرب التي قد تجر العالم الى نتائج لا يمكن تداركها.
هنا لا بد من التنويه أن الحكمة والعقلانية والحكم الرشيد هو طوق آخر لنجاة البشرية وهذا يعتمد على سياسات مرنة هادئة تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع الاطراف المتنازعة ودون الكيل بمكيالين أو تسييس الحقوق لصالح أطراف بعينها.
في هذا السياق يأتي تصريح غوتيريش اوائل الاسبوع الحالي، بتقديم مليار و651 مليون دولار مساعدات انسانية لاوكرانيا… مع العلم أنه تم تخفيض المساعدات الانسانية لسورية اوائل هذا العام للنصف!!
وكذلك إعلان الرئيس الكندي عن تقديم كل المساعدات الإنسانية لمن يلجأ لدول الجوار وتسريع إجراءات الهجرة لكل الاوكرانيين الراغبين بالهجرة إلى كندا … في الوقت الذي يتم فيه حرمان السوريين من مقومات العيش والتأشيرات الى غالبية دول العالم عبر عقوبات لا انسانية تلحق الضرر البليغ بالشعب السوري.
في هذا الإطار كشفت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، ” إن سوريا باتت تصنف الآن بين أكثر 10 دول تواجه انعدام الأمن الغذائي على صعيد العالم.
وأضافت المسؤولة الأممية أن 12 مليون شخص في سوريا يعانون “من وصول محدود أو غير مؤكد إلى الغذاء”، وأن مزيدا من السوريين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية حاليا أكثر من أي وقت مضى منذ بدء الحرب الأزمة في البلاد عام 2011.
وأشارت مسويا إلى تقرير أعلن عنه وأظهر أن 14.6 مليون سوري من المتوقع أن يعتمدوا على المساعدات هذا العام، وذلك بزيادة قدرها 9 في المئة، مقارنة مع عام 2021 وبنسبة 32 في المئة، مقارنة مع عام 2020.
وأضافت مسويا أن الاقتصاد السوري يشهد اتجاها هابطا على نحو أكبر، وقالت إن الأسر السورية تنفق الآن في المتوسط 50 بالمائة أكثر مما تتقاضى من أموال، ما يعني اقتراض المال من أجل تدبير أمورها.
وقد أدى هذا إلى “خيارات لا تحتمل” بما فيها تسرب الأطفال، لاسيما الفتيات، من التعليم، وزيادة زواج الأطفال.
وحثت المسؤولة الأممية المانحين على الاستجابة بسخاء لنداء الأمم المتحدة الإنساني القادم بشأن سوريا لعام 2022، والذي من المزمع أن يكون موجها نحو “زيادة المرونة” والوصول إلى الخدمات الأساسية”.
إن التبعات الاجتماعية للعقوبات التي تفرضها دول الغرب لا يمكن التكهن بها، حيث ستبلغ الأزمات الاقتصادية والمالية في العالم خلال الأشهر القادمة ذروتها في حال عدم الوصول الى تسويات ايجابية، وقد تكون اوروبا الاكثر تأثراً مع الدول النامية التي تعاني أصلاً من تلك الازمات، وخصوصاً مع مؤشرات مقلقة لانهيار البورصات العالمية والعملات بالرغم من تدخل البنوك المركزية المؤقت.
إن الاقتصاد العالمي لا يعمل بمفرده ولكن يتأثر بالأوضاع السياسية وهذا يتضح جليًا في آداء البورصات الأمريكية والأوروبية وشرق آسيا كونها تمثل مرآة عاكسة لاقتصادياتها واستقرارها.
من المتوقع أن يكون التعامل مع موجة التضخم العالمي من قبل الدول المتقدمة له تأثيرات على الدول النامية كون أدوات السياسة النقدية في تلك الدول وبالأخص الفيدرالي الأمريكي تعتمد على آليتين، رفع أسعار الفائدة، ومنح تسهيلات نقدية، وهي أمور علاجية مؤقتة لا يمكن التكهن بنتائجها على المدى المتوسط قد تحول مشاكل الديون لأزمات أو كوارث ديون، وبالتالي لا بد عمل أولويات لتجاوز مشاكل تغطية الدين لكل دولة على حدي ووفقاً للضرورات مع التركيز على خطط الاكتفاء الذاتي وتدوير عجلة الانتاج بشكل أوسع.
وعليه في إطار الأزمة العالمية لا بد من إعادة الهيكلة في السياسات المتبعة للتكامل الاقتصادي الاجتماعي، وإلا فستدخل الدول في دوامة الفراغ الى حد الافلاس.
إن السلام القائم على العدل هو السبيل الأوحد للحفاظ على الانسان في شتى أرجاء العالم، وتعزيز ذلك لا يتم سوى بالتنمية الشاملة المستدامة وعدم التمييز والحفاظ على الحقوق البشرية بعيداً عن التسييس وبناء المنافع على ركامها.
والى لقاء آخر…
مهندس باسل كويفي …
Discussion about this post