قوة الانسان في عقله الباطن .. التركيز على هذا الجانب مهم حيث أن الشخص الذي يؤهل عقله الباطن سيتسم بالثبات و سينعكس ذلك على تصرفاته و معاملاته الممزوجة بالحكمة و النضج .
إن الحرب في اوكرانيا وممارسة سياسة شد الحبل بين روسيا من طرف ودول الغرب من طرف آخر ووصول النزاع الى الحد الذي يمكن أن يؤدي الى انقطاع العلاقات والتواصل وعلى الاخص بين امريكا وروسيا فيما يتعلق بالتوافقات الاستراتيجية المعلنة وينسف الغير معلنة بين الرئيسين بوتين وبايدن خلال اجتماعهما العام الماضي ، يزيد من تحديات جديّة للأمن والسلام العالمي .
العقوبات وآليات المواجهة الامريكية والغربية للأزمة الاوكرانية تتمثل بإخضاع روسيا بأي وسيلة ممكنة ، مع ارسال اشارات قوية وواضحة الى التنين الصيني للعمل على الحفاظ وحماية قواعد النظام العالمي السائد والقيم الليبرالية ، وبخطوة بوتين الرئيس الروسي التي قام بها يكون قد أصاب النظام العالمي الحالي في محاولة إضعافه وبناء منظومة عالمية جديدة ، مما حدا بالعديد من دول العالم محاولة السباحة ( العوم ) في خضم الازمة الاوكرانية تجنباً للغرق في بحر هائج يأكل فيه الكبير الصغير خلال هذا الزمن .
اوكرانيا بلد هام على رقعة الشطرنج الجيوسياسية العالمية ، كما هو حال منطقة الشرق الاوسط التي لا يمكن خسارتها في حسابات السياسات العالمية .
علينا في بلدان منطقتنا الحذر والتنبه من استمرار الدوران في فلك الأقطاب وتعديل المسارات للعمل السريع على هضم الخلافات الداخلية والبينية والخارجية ،عبر تغيير مباشر للسياسات المتبعة وتعزيز التشاركية والمواطنه بما يحقق الحفاظ على وحدة الشعوب ضمن الكيان الوطني ، كذلك تقليص مساحات التوترات بين الدول العربية وفتح بوابات التوافق للقفز فوق الخلافات ، مما لا يتيح الفرصة لتدخلات خارجية قد تكون بعيدة عن إرادة الشعوب ومفروضة بمصالح تنافسية تعكسها دوائر الصراع الحالية .
حيث نطقت “العنصرية الصامتة ” التي تسري في ثقافة بعض المجتمعات الغربية بقبح عباراتها وكلامها ، فالانسان القادر على الحرب هو القادر على صنع السلام ، وبالتالي فيجب العمل الى وحدة بين كل القوى المحبة للسلام في كل بقعة على وجه الأرض بما يرسخ بناء مجتمعات انسانية في دول تؤمن بأن القوة التي تمتلكها هي لخدمة الانسانية والبشرية وليس لتهديم قيّمها وخرق مفاهيمها ، وأن استثمار القوة متعددة الاشكال التي تتوفر لدول ما يجب ان تصب روافدها في نهر جامع لخير ورقي الانسان .
في هذا الاطار تأتي زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى الامارات العربية المتحدة وهي إشارة إلى عودة دفء العلاقات بين سوريا والإمارات التي قطعت روابطها مع دمشق في شباط/فبراير 2012 ، الشيخ محمد بن زايد قال إنه يأمل في أن تكون هذه الزيارة “فاتحة خير وسلام واستقرار لسوريا الشقيقة والمنطقة جمعاء” ومؤكداً “أن سوريا الشقيقة تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها”.
منطقتنا تتخبط وسط أمواج عاتية تأتيها عبر سياسات مصالح متناقرة أو مشاريع متناحرة كالمشروع الايراني والتركي والاسرائيلي بما يلقي بتأثيراته الاضافية السلبية على بلداننا العربية وسط غياب مشروع عربي ولو بنقاطه الاولية .
في نفس سياق ارتدادات الازمة الاوكرانية وانعكاس الضغوطات الاقليمية والدولية المتدخلة ، تحاول بلدان عربية متعددة تعزيز تماسك مجتمعاتها ووحدتها الوطنية
ففي الجزائر يبدو انها وجدت السبيل لاسترجاع الأموال المنهوبة من طرف الوزراء ورجال الأعمال من النظام السابق، عبر تأميم ومصادرة ممتلكات “الفاسدين”
أما في لبنان ، خلال تصريح جريء للقاضية غادة عون النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان ، قالت ” الحكومة بدها توضع الية للتعاطي القضائي مع المصارف ، يعني لازم نعطيهم قوس المحكمة كي يقرروا عنا كيف يطبق القانون ، فيا قضاة لبنان انتفضوا لكرامتكم انتفضوا لسيادة القانون لحماية الضعيف ولحماية العدالة” .
في ليبيا حكومة جديدة لاجراء الانتخابات وسط جمود حذر ، أما في العراق فالوضع يأخذ مساره المتواتر بين رفض وقبول القوى السياسية المختلفة المشاركة بالحكومة القادمة وكذلك في تونس وفلسطين حيث مشاهد الترقب والانتظار تخيم على المواقف السياسية أما في اليمن فان تصعيد الحوثيين للهجمات بالطائرات المسيّرة على المملكة العربية السعودية يشير الى ضآلة فرص التعامل السياسي والديبلوماسي ، وفي خطوة تمثل عودة مجلس التعاون الخليجي للعب دور مستقل بعيداً عن تأثير دوله الأعضاء ، “قال مسؤولان خليجيان إن المجلس يدرس إمكان دعوة ميليشيات الحوثي وأطراف يمنية أخرى إلى إجراء مشاورات في الرياض هذا الشهر، في إطار مبادرة ترمي إلى تعزيز مساعي السلام التي تقودها الأمم المتحدة” .
في عالمنا اليوم ، وضمن رقعة الشطرنج وتوزيع الكراسي والتي أضحى بعضها فارغا ، ازدادت وتيرة المنافسات وتقاطع المشاريع في محاولة كل طرف استخدام عناصر القوة لديه كي يفرض نفسه ويحوز على أحد الكراسي في النظام الدولي الجديد الأخذ بالتشكل ، ولعل المملكة العربية السعودية مؤهلة اليوم لتبوأ هذا المكان حيث تمتلك العديد من عناصر القوة ( الجيوسياسية – الاقتصادية – المالية – الثقافية ..) والتي يمكن استثمارها في الوقت الحالي عبر مرونة التعاطي بالسياسات المختلفة وفتح بوابات التعاضد والتعاون مع الدول العربية ودول المنطقة التي تسعى لأهداف مماثلة والتعاون مع دول العالم ضمن المصالح المشتركة ، وهو ما يبدو واضحاً في سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتصريحاته الاخيرة ..
” إن علينا جميعاً مسؤولية العمل معاً والتعاون مع شركائنا في العالم لخلق بيئة يزدهر فيها العالم بما يعزز زيادة حجم وفاعلية الاستثمار في مهارات ووظائف المستقبل – نتوقع عند اكتمال رؤية 2030 أن يرى العالم شرق أوسط جديد تكون المملكة العربية السعودية فيه نموذجاً حضارياً رائعاً
من جوهر تلك التصريحات ، اعتقد أنه تم القضاء على الفكر المتطرف في المملكة ونشهد اليوم نهضة اقتصادية قوية شاملة للتنوع الكبير للنشاطات في فترة قياسية من مشاريع واستثمارات وتطوير لجوانب عديدة منها السياحة والترفية وقطاع الصناعة ..
مما يزيدنا ثقة أن قيادة التجديد والتحديث والإصلاح سوف تستخدمها أفضل استخدام مع اجراء المصالحات العربية – العربية وعودة الى علاقات استثنائية مع سورية يؤهلها لموقع هام في سلم القوى الدولية القادم، بعد أن انقشاع الغبار وعودة الأرض الى سكينتها..
وننلتمس قول واحاسيس الشاعر فخري البارودي ..
بلادُ العُرب أوطاني – من الشّامِ لبغدان
ومن نجدٍ الى يمنٍ – الى مِصرَ فتطوانِ
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي …
Discussion about this post