مع أن الصراع في عالمنا يُنظر إليه أنه أمر سلبي، لكن في نفس الوقت يمكنه أن يؤدي إلى أفكار جديدة و حلول مبتكرة ، ويضفي أهمية التفكير الهادئ وضرورة مدّ النظر إلى ما وراء الأحداث الجارية والإلمام بخلفياتها ونتائجها ، بعيداً عن الارتكاسات والانتكاسات التي نتجاوزها عبر حكومات الكفاءات بمبادرات شفافّة تحاكي الواقع .
إن ميزان القوى بين الدول وداخلها يتغير على محاور زمن الصراع والنزاع سواء بشكل مباشر او غير مباشر ، مما يدفعنا نحو ولادة حكومة الكفاءات ، حيث تتصالح المصالح بين الدول ، وهكذا يمضي التاريخ الى يومنا هذا، حيث لاعزاء لمن لا يدرك معانيه ومراميه جيداً انطلاقاً من قابلية الحياة الحتمية للمجتمعات الانسانية وتطورها اللامحدود .
وكما هو الحال ، إن التحول الرقمي أضحى ظاهرة حتميّة، يتسارع تحكمه في حياة الإنسان، بدرجة قد تفوق قدرته على التّكيّف معها، وعلينا اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواكبة هذا التطوّر ، كذلك هو الحال في العلاقات الدولية وتقاطع المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية لدرء مخاطر الانزلاق الى الحروب التي قد تفوق قدرة الانسان على التحكم بها في ظل التطور السري التكنولوجي والبيولوجي .
لعلنا نرى تدحرج مجتمعاتنا إلى العنف المادي واللفظي والرمزي بشكل خطير ، ويعزى هذا حسب تعبيرهم في معظمه الى أسباب اقتصادية وسياسية وتصورات دينية مغلوطة وتردي حال العدالة.
ومواجهة ذلك يتم بإعلاء القانون وتحسين الأوضاع الاقتصادية بشكل سريع ، وعلى المدى البعيد عبر التعليم والتنوير ، ومواجهة الخواء الروحي ، وتعزيز السمو الأخلاقي.
وبالتالي نتسائل كيف ينبغي للمجتمع الدولي أن يستجيب للتحديات ومواجهتها في ظل الازمات العالمية و الحرب في أوكرانيا، وتزايد انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع معدلات التضخم؟
حيث كشفت ورقة بحثية حديثة أن استمرار البنوك المركزية عالمياً في رفع أسعار الفائدة، سيقود إلى أخطاء وأزمات كارثية تنال من الاقتصادات بشكل مباشر لعدة عقود .
فالاقتصاد الاوروبي يتخبط بين نقص مصادر الطاقة والغذاء، اضافة الى الاضطرابات التي تعاني منها قطاعات الاقتصاد بما فيها النقل ، وأضحت معدلات التضخم الاوروبي تقصم ظهر القارة العجوز .
اتجاه إضافي هو التفكير في سبل الحد من مخاطر ما يدور حولنا اقليمياً ودولياً وتعظيم فرص الاستفادة الوطنية من عالم يتغير بسرعة على وقع الكوارث البيئية المتصاعدة وجائحة كورونا المستمرة وشبح الكساد الاقتصادي القادم وتغير التحالفات الإقليمية والدولية وتداعياتها في منطقتنا الأوسطية .
فعندما تعصف أزمات الديون في المجتمع والدول وبين الناس ، لن نستطيع إلقاء اللوم على كوارثنا فقط ، بل علينا التنبه الى ضعف استخدام السياسات الرشيدة والابتكارات لتحسين حياة البشر والكائنات الحية على كوكبنا .
من جهة اخرى ، قفز الروبل الروسي في بورصة موسكو إلى أعلى مستوياته منذ يوليو (تموز) 2015 أمام الدولار الأميركي الذي ينزلق بشكل طردي ، متحدياً باقة العقوبات الغربية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بسبب الحرب الأوكرانية ، وهو ما يمثل تحدياً خطراً للموردين الاجانب الغربيين في ارتفاع اسعار المواد التي يستوردونها من روسيا واهمها النفط والغاز والقمح والذرة الصفراء .
في نفس الوقت تأتي زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى مصر والأردن وتركيا خلال اواخر شهر يونيو الماضي للتنسيق لعقد قمة إقليمية في جدة يحضرها الرئيس الأميركي في ثنايا زيارته السعودية هذا الشهر .
تماشياً مع ظاهرة المد والجزر ، تبدو لعبة إلقاء اللوم التي يمارسها الكرملين والبيت الابيض عن مسؤولية كل منهما عن تفاقم انعدام الأمن الغذائي العالمي من خلال إلقاء اللوم على العقوبات، و”الغرب” من طرف الكرملين ، والحرب على أوكرانيا من طرف الناتو .
أزمة اوكرانيا أطاحت برغبة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للفوز بأغلبية الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية الفرنسية ، كذلك طالت جونسون رئيس وزراء بريطانيا الذي استقال من منصبه الحزبي والوزاري ، وقد تشهد بلدان اوروبية غربية العديد من التغيرات السياسية وفقاً لاستطلاعات الرأي التي تعارض سياسات بلدانها تجاه هذه الازمة .
” وظفت باحثة فرنسية في مجال «الأخلاق والتكنولوجيا» الملاحظة بشأن عجز اليسار عن تبني أفكار سياسية شجاعة لكي تعرج على الاحتجاجات الاجتماعية التي تعج بها القارة الأوروبية ولتدلل على أن قطاعات واسعة بين مواطنيها لم تعد تشعر بأن السياسة الرسمية والأحزاب المشاركة بها يمينا ويسارا تمثل المصالح الحقيقية للناس وتدافع عنها وتضطلع بترجمتها إلى قوانين وسياسات قابلة للتنفيذ. قالت، طبقت حكومة ماكرون سياسات اقتصادية واجتماعية تنتقص من حقوق متوسطي ومحدودي الدخل وفعلت ذلك في لحظة مجتمعية تتسع بها الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتتحول بها أطراف المدن الكبيرة (باريس نموذجا) لقنابل موقوتة اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. قالت، ليست الاحتجاجات الاجتماعية في أوروبا والتي توظف بها كافة أدوات التكنولوجيا الحديثة سوى احتجاجات خبز تقليدية كتلك التي تشهدها بلدان العالم النامي ولم يكن العنف المتصاعد الذي شهدته المجتمعات الأوروبية والمجتمع الأمريكي خلال السنوات الماضية غير ترجمة مباشرة لليأس من أن تستمع السياسة الرسمية أو أن يستمع المشاركون بها من قيادات حزبية وبرلمانية إلى أنين الناس إن هم لم يخرجوا بصخب إلى الفضاء العام. فسياسة اليوم وساستها يرفضون التوقف عن محاباة الأغنياء وتهميش متوسطي ومحدودي الدخل تارة باسم مقتضيات السوق في الولايات المتحدة وتارة باسم مقتضيات الاندماج الأوروبي وضغوط العملة الموحدة وتارة باسم العولمة الاقتصادية وشروط المنافسة في الأسواق ” .
من زاوية اخرى ، تبدو دعوة الرئيس السيسي في مصر للحوار … يجمع الأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة بما فيها المعارضة باستثناء جماعة الإخوان المسلمين ، عبارة عن فتح ابواب الحوار والتغيير وتحمل المسؤولية من قبل الجميع لأهداف متعددة داخلية وخارجية وتأتي قبل جولة الرئيس الأميركي جو بايدن ولقائه قادة مجلس التعاون الخليجي إضافة الى زعماء مصر والأردن والعراق ، في محاولة اقناع الحلفاء بالانضمام لمعاداة روسيا والصين، وزيادة انتاج النفط للامدادات العالمية ، وسط أزمة سياسية واقتصادية تعيشها مصر وبلدان عديدة تدفعها للتوجه الى صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية
في ظل مطالبات غربية على الحكومة الروسية بالتوقف عن جعل الغذاء سلاحاً على حد تعبيرهم والسماح لأوكرانيا بشحن حبوبها بأمان حتى يمكن إطعام ملايين الجياع في الشرق الأوسط وأفريقيا ، دون إلقاء اللوم على العقوبات في تعطيل نظام الغذاء العالمي .
قمة الناتو في مدريد وقبول انضمام فنلندا والسويد قد تكون بمثابة ” صب الزيت على النار ” وتلاها اجتماع مجموعة السبعة في اوسلو … ولكن الأغرب
اجتماع قمة العشرين في جزيرة بالي الاندونيسية، حيث يلتقي وجهاً لوجه خلال يومين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن أشد منتقدي التدخل الروسي لأوكرانيا، وسط تخوف أوروبي من تحول القمة إلى “منصة دعائية” لموسكو .
هنا أعتقد أن المفتاح للحل نظراً لتعدد واختلاف عناصره ، هو أن يكون لكلّ دولة بشكل فردي خطوات يمكن أن تتخذها، ومن الأهمية بمكان تحرك حيادي للمجتمع الدولي كاطار جامع لمعالجة هذه الأزمات عبر الحد من اندفاع الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا لتوظيف الأدوات العسكرية على نحو يتناقض مع قيم الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات ، وتنصله
من بقية التزاماته الأخلاقية والإنسانية التي أعلنها حين انتهت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بهزيمة الحكومات النازية والفاشية وتحررت البشرية من جرائمها المروعة والتي تضمنت صون حق الأمم والشعوب في الحياة وتقرير المصير والسلم العالمي .
من جهة اخرى ولأن الغرب يغلب الهيمنة على العالم واستتباع بلدانه على التقدم الجماعي لبشرية تتوازن وتحقق أممها وشعوبها تنمية مستدامة تقضي على الفقر والتخلف والجهل وتتخلص من شرور الحروب والإرهاب والعنف وغيرها وتتضامن علميا وتكنولوجيا وإنسانيا في مواجهة الأخطار البيئية والكوارث الطبيعية والتحديات الصحية (كالأيدز والأيبولا وكوفيد-19) المتجاوزة لحدود الدول الوطنية،
لم ترتب سياسات دعم التنمية الأمريكية والأوروبية وبرامج نقل المعرفة العلمية والتكنولوجية والصناعية باتجاه البلدان غير الغربية باستثناء ما أنجزته اليابان وكوريا الجنوبية في النصف الثاني من القرن العشرين وتنجزه اليوم الصين وبدرجة أقل كل من الهند وماليزيا والبرازيل …
لأول مرة في التاريخ البشري ، بلغ عدد المهجرين قسريًا حول العالم 100 مليون. وهو دليل دامغ على خلل آليات المجتمع الدولي وعجزها عن حل النزاعات قبل ان تتسبب بالنزوح واللجوء القسريين.
الى جانب تركيا، هناك انتقادات للحكومة اللبنانية ورغبتها بإعادة السوريين الى سورية وسط مزاعم بتعرضهم للاعتقال والتحقيق .
في معرض تحذيراته من تصاعد عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية ، جاء في مقالة السيناتور الامريكي ليندسي غراهام أنه “من الضروري أن نعترف بمخاوف الأمن القومي المشروعة لتركيا، وأن ننشئ مناطق عازلة بين العناصر التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية، وأن ندعم أولئك الذين ساعدونا في تدمير الخلافة ( قسد ) ، ونضمن عدم ظهور داعش مرة أخرى ”.ووفق السيناتور: “الحل الذي أرى أنه الأكثر قابلية للتطبيق هو معالجة مصالح الأمن القومي لتركيا مع تطوير علاقة تجارية في الوقت نفسه بين الحكومة التركية وسكان شمال شرق سورية ”.
باعتقادي ، كل هذه المشاريع والمقترحات سيُكتب لها الفشل لانها اقتطاع وسلخ للاراضي السورية ومحاولة لتقسيم الجغرافيا المثبتة في جميع المحافل الدولية .
وبالتالي اعتقد أنه آن الاوان لاصلاح عمل آليات المجتمع الدولي وهيئة الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي يكون محوره التوازن في تمثيل البلدان والمجتمعات وأن تكون أهدافه المباشرة تعزيز الأمن والسلام العالمي بسلاسة وشفافية دون الكيل بمكيالين ، وتحقيق المساواة بين البشر عبر التنمية المستدامة للجميع بعيداً عن التسييس وسيادة القانون الدولي على جميع دول العالم دون استثناء وتبريرات بما يعزز قدرة المجتمعات على التعافي المبكر والتطور ويحد من الفقر والجهل ويرسخ التوافق الانساني للحفاظ على كوكبنا عبر تحسين المناخ ووقف السباق المحموم في التصنيع العسكري والبيولوجي والجرثومي…
هل التدحرج نحو توسيع تحالفات الناتو ومثيلاتها هو كتدحرج كرة الثلج تزداد ضخامة كلما تدحرجت ، أم هو سيكون انزلاقاً لمكونات الكرة الثلجية للتفتت والانكسار بهاوية الحرب العالمية التي لا تذر ولا تترك .
ختاماً ما هو الوطن؟
”الوطن ليس سؤالًا تجيب عليه وتمضي، إنه حياتك وقضيتك معاً “.
محمود درويش
نحن أمام مجتمع جديد أو الكارثة ( عقد اجتماعي ) ، لتواجد أمراض استشرت في المجتمع، والحذر من أن تركها تتفاقم سيجعلها علّة مزمنة لا شفاء منها إلا بهدم شديد .
ونضيف ؛ ما قاله أفلاطون نبع الفلسفة الحقيقية عن ميّزات شعب سورية (شرقي المتوسط – بلاد الشام )..
لا ينهزم ..
ولا يجوع ..
ولا يتبدد ..
والمرأة عندهم..
لا تصلح نادلة في الخمارة ..
ولا راقصة في المعبد ..
إنها تصلح لمؤسسة الزواج ..
***
نعم هذه هي خصال الجينات السورية الأصيلة والنبيلة التي وضعت أسس الحضارة البشرية كلها ، وأن الخميرة الباقية منها في مجتمعنا السوري رغم كل المآسي والصعاب ستُعيد إحياءها لتعود سورية (بلاد الشام) شعلة متوهجة من التطور والرقي والنمو …
والى لقاء آخر …
وكل عام وانتم بالف خير … والبشرية بألف خير
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post