بدأت ملامح ظهور « الدولة المدنية » عبر مبادرات القبائل اليونانية لتشكيل المجتمعات حينها ، ولقد برزت أثينا لموقعها الاستراتيجي، ولوفرة الأراضي الزراعية الخصبة مما اتاح تكوين نظام اقتصادي متوازن بين التجارة والصناعة والزراعة، ما أثّر مباشرة على شكل المجتمع وأسّس لنشوء الطبقات الإجتماعية فيه ،
وبات أول نظام يضع معايير التوازن وتوزيع السلطات، خصوصاً بعدما صاغ نظامًا قضائيًا تحت إشراف المحكمة العليا، وجرى تثبيت نظام المحلفين بالقرعة، بحيث تؤخذ قرارات المحاكم من خلال حكم المواطنين أنفسهم بالأغلبية المطلقة .
تم إضعاف أثينا بشكل كبير ووضعت عليها الضغوط الاقتصادية والسياسية، بعدما لجأت لسياسات توسّعية ، انتهت بخراب أثينا وسيطرة إسبارطة على مقاليد السلطة وتم وأد التجربة الديموقراطية وعودة نظام الحاكم المستبد .
واستمر ذلك إلى أن عادت فكرة الحكم الديموقراطي بفضل عوامل التغيّر الاجتماعي والسياسي والثقافي والعلمي بداية من القرن السادس عشر، حتى رسّخت مفهوماً للفكر والتطبيق بحلول القرن العشرين.
الديموقراطية الحديثة تخطّت منطق حكم الأكثرية، بعد تجارب أوصلت طغاة جدداً عن طريق الديموقراطية الشعبوية، ما أدّى إلى اضطهاد الأقلية وقمعها، الديموقراطية اليوم تستند إلى الحفاظ على حقوق الأقليات بمختلف أشكالها، والحفاظ الدستوري على المعارضة الفاعلة القادرة على مراقبة سلطة الأكثرية ودفعها إلى الترقّب من الخطأ في الحُكم ، من هنا ضرورة حرية التعبير والإعلام و استقلالية القضاء والمجالس الدستورية عن السلطة لكي تتمكن من اداء دور الحَكم بين السلطة والمعارضة والرقابة على صحة تنفيذ الدستور وموائمة القوانين له .
ولكن سياسة التحولات والتغيرات أدت أيضا لبزوغ نوازع بشرية ضارة بالمجتمعات بعيدة عن الاخلاق الانسانية ومستندة الى الاستقواء والمحسوبية ، منها التنمّر وهو ظاهرة عدوانيّة وغير مرغوب بها تنطوي على مُمارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد أو دول نحو غيرهم ، وهذه الظاهرة للأسف تبدأ في بعض مظاهرها بمرحلة الطفولة والدراسة وبالتالي علينا جميعاً بناء ثقافة جديدة تبحث في أسباب ذلك وتضع الحلول والعلاج .
من الواضح ان اتفاق سوتشي الأخير ( بين روسيا وتركيا ) قد يعود بأثر إيجابي على حل المشكلة السورية، وقد ساعد في بدء عمل اللجنة الدستورية في جنيف ، الأمر الذي يرفع من مكانة روسيا في المنطقة بعد ان أدركت شعوب المشرق بأن روسيا تنتهج سياسة متوازنة عادلة نسبياً لمعالجة الملفات الإقليمية بشكل واقعي ، وإطلاق الحوار الجاد والنزيه بين الفرقاء على المستويين الداخلي والاقليمي للوصول الى السلام والاستقرار بما ينعكس إيجابا على السلام والأمن العالمي .
وتاتي رسالة الرئيس الإيراني لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في هذا السياق للبدء بوضع خطة السلام في المنطقة ، وسط ردود إيجابية من قبل هذه الدول بما فيها المملكة العربية السعودية ، وقد تكون البداية عقد مؤتمر قمة تحتضنها الكويت ، وسط تصريحات بان المحادثات مع إيران يجب الا تقتصر على النووي بل تشمل الصواريخ والتدخلات .
في العراق ولبنان يبدو المشهد الداخلي في حالة غليان وتوتر لا يمكن التنبؤ بنتائجه ، اذا لم تتداعى القوى السياسية لاتخاذ قرارات مصيرية حاسمة بالتخلي عن الطائفية السياسية والمناطقية وتعديلات ضرورية وجذرية بالدساتير تلحظ نظام الحكم وفصل السلطات وسيادة القانون والمساواة ومكافحة الفساد ومنظومته وتجفيف منابعه .
فيما لاتزال قطاعات الأعمال تحت تأثير الصدمة التي أحدثها قرار المصارف بتجميد التسهيلات المصرفية ،
وتُنذر بواقع قد تتعدّى مفاعيله تراجع النشاط الاقتصادي وإفقاد القطاع المصرفي والمالي مصداقيته تجاه مورّديه وعملائه وقد تؤدي إلى إفلاسات شركات بالجملة في المدى المنظور ، والسبب الرئيسي هو التوقف عن الإقراض مهما كانت الضمانات .
والمؤكد ان التظاهرات حصلت لمعالجة تراكمات عديدة من حرب وموروثات أنظمة سابقة ، فالمطالب الشعبية تنادي الى احداث تغييرات جذرية عن النهج السائد يتضمن تغيير قانون الانتخابات والمحليات وتشاركية أوسع تضمن حقوق جميع المواطنين والمستقلين عن الاحزاب في المواطنة والمساواة والحريّة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون والعدالة والشفافية وتوزيع الثروات …
بين الموقف السياسي والتحليل السياسي فارق بيٓن ، فاتخاذ موقف سياسي يكون من مبدأ أساسي ، أما التحليل السياسي فهو الاعتقاد المبني على معلومات ووقائع تشاهدها عين وعقل بالاستناد الى عوامل عديدة ، قد تضيف قيمة مضافة إيجابية لصالح العمل العام .
٩ نوفمبر / تشرين ثاني ، الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين ، تستحضرنا هذه الذكرى بأن الحراك الشعبي العفوي المتعدد في العالم سيحطم كل الجدران من أجل مجتمعات جديدة لعالم أفضل .
مطلع الشهر الجاري جرت سلسلة احداث في الأميركيتين، الشمالية والجنوبية، أشارت الى تراجع التيارات اليمينية الحاكمة مقابل فوز منافسيها، عبر برامج فحواها التشاركية والاشتراكية الشعبية ، كما حصل في الأرجنتين والأوروغواي وبوليفيا وعودة بزوغ نجم الرئيس السابق المحتجز لولا دي سيلفا في البرازيل بعد إطلاق سراحه اول الأسبوع الحالي .
المحصلة العامة لنتائج الانتخابات الامريكية المبكرة لبعض المناصب في بعض الولايات لا تدل على تحول كبير في المزاج العام من مسار التحقيقات الجارية في مجلس النواب لعزل الرئيس ترامب، فيما عُرف بفضيحة “أوكرانيا غيت.”
على الصعيد الداخلي …
إضافة الى ضرورة وجود فقرة تختص بحقوق المواطنة وتفعيلها بالقانون والتطبيق المُلزم ، إلٓا أن ذلك لا يعفينا من ضرورة تلازمه مع تغيير ثقافة سلوكنا الفردي والجماعي باعتبار كل مواطن منا هو فرد يحمل الهوية الوطنية الصافية وليس رقما عدديا في عائلة وعشيرة أو طائفة أو قومية ، فالأوطان تُبنى بالمواطنة والقانون لا بالتعصب والتخلف .
تعزيز الاستقرار في سورية يتطلب تضافر الجهود الوطنية من أحل إحلال السلام المستدام فيها مع ما يتطلبه ذلك من برنامج نهضوي تنموي يتكامل مع الجهود السياسية وبمشروع وطني ديمقراطي يقوم على قاعدة الشراكة الوطنية والتعددية السياسية الحقيقية والمواطنة ودولة القانون ، تكون الحرية والكرامة الإنسانية عنوانه الاساسي وفق شرعة حقوق الانسان وبما يتناسب مع الواقع السوري .
ان مكافحة الفساد مطلب عام ،
فالفساد علاقة اجتماعية، يحتمّها النظام الاقتصادي-الاجتماعي-السياسي ، هو في حده الأدنى رشوة وفي حدود أخرى تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة؛ وهذه ليست مسألة فردية.
الأحزاب والمؤسسات والنقابات والمجتمع المدني … تتوجب عليهم مسؤولية العمل على ذلك ، السياسة المفيدة للمجتمع ليست إدارة المجتمع بتجرّد وحسب، بل هي المساواة بين مختلف الأطراف أي التخلي عن بعض المصالح للحفاظ على معظمها .
الْيَوْم تبدو الامور انها بحاجة فعلية الى تغيير سياسات اقتصادية – اجتماعية بصورة جذرية واقعية ( الدعم الحكومي مثلا باستبداله بدعم نقدي بدل السلعي ، مما يحد من الفساد )
ووضع برنامج سياسي وطني لفترة زمنية محددة واضح المعالم وقابل للتنفيذ مع وضع اليات تنفيذية وأشخاص مؤهلين وقادرين على تنفيذ البرنامج يتمتعون بالخبرة والمعرفة ونظافة اليد ،ركائزه الوطنية الخالصة والواقعية والشفافية ، مع الدفع ببناء الثقة وتعزيز ذلك على الواقع المجتمعي والمعيشي .
سورية للجميع … وفوق الجميع …
والى لقاء اخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post