دخلت الانتفاضة اللبنانية منعطفا جديدا هذه المرة بعد إخفاق السلطة السياسية ورئيس الحكومة المكلف بتشكيل حكومة جديدة تقوم على إنقاذ ما تبقى من وطن بات على شفير الهاوية الاجتماعية والاقتصادية، حيث تلعب المصارف لعبتها المفضلة بإذلال الناس واحتجاز المستحقات المالية للمودعين، بالإضافة إلى عملية اللعب بصرف سعر العملة من خلال التنسيق مع الصرافين وإعطائهم مبالغ مالية بالعملة الأجنبية لقاء فوائد مرتفعة ليتسنى لهم بيعها للناس والاستفادة أيضا.
استفاق زعماء الطوائف والأحزاب السياسية منذ أيام على أنباء وأخبار تكسير واجهات المصارف التي تعد بالنسبة لهم أولوية وطنية واقتصادية غير آبهين لمطالب المواطنين الذين دخلوا شهرهم الثالث وهم في الشارع يتعرضون لقمع السلطة الأمنية من جهة ومحاولات أحزاب الطوائف الالتفاف على الانتفاضة وقمع كل صوت يعترض على اسم زعيم بات في سلم أولوياتهم المعيشية قبل أي شيء آخر في الحياة.
عنف المحتجين ليلا لقاه عنف تصريحات المسؤولين صباح اليوم الثاني التي استنكرت هذه التحركات وأعمال التكسير غير المبررة، معتبرين أنه لا يمثل الحراك المطلبي الحقيقي بنظرهم، وأعطت أمرا واضحا بالقضاء على هذه الظواهر المخلة بالأمن والتي بحسب مصادر أمنية شكلت رعبا للسياسيين وأصحاب الرأسمال الذين اعتبروا الأمر “خطا أحمر” وهو بالتالي استهداف مباشر لمصالحهم المشتركة.
إذًا، تضامن أصحاب الأموال والسياسيون اللبنانيون معا وأصدروا بيانات التضامن مع زجاج المصارف الخاصة الذي تناثر على أرصفة بيروت، فيما مشاهد الفقر والبطالة والهجرة لم تحرك أحاسيسهم المرهفة والحساسة على المصارف اللبنانية أكثر من مواطني بلد بات في القعر.
كما استتبعت تصريحات الاستنكار الداخلية غطاء دوليا واضحا بدعم السلطات اللبنانية والمصرف المركزي من خلال تصريحات المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، معتبرا حادثة التعرض للمصارف خطيرة ويجب أن لا تتكرر، مشيرا بذلك إلى الضوء الأخضر المعطى دوليا لقمع هذه التحركات بسبب التعرض للمصارف ولحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي بات الرجل الأقوى في لبنان.
يتألف القطاع المصرفي اللبناني من مصارف تابعة أكثرها لرجالات الدولة اللبنانية ورجال أعمال تجمهم علاقات ومصالح مالية استثنائية معقدة تعمل بمجملها لصالح زيادة أرصدتهم المصرفية، وبحسب دراسة لبنانية أخيرة تبين أن هناك ارتباطا سياسيا وماليا وثيقا بين السياسيين والمصارف ورجال الأعمال.
وبحسب الدراسة، فإن أكثرية الموجودات المصرفية يتحكم بها 20 مصرفاً من أصل 54 مصرفاً فاعلاً حيث يسيطر حوالي 43% من السياسيين مباشرة على المصارف من خلال ورود عائلاتهم ضمن هيكلية إدارات المصارف.
وبالتالي يمكن الاستخلاص أن السياسة المصرفية والمالية المتبعة تقوم على مصالح هؤلاء السياسيين الذي يربطون مصالحهم المالية بمديونية الدولة، وذلك خلال سنوات حكمهم التي ساهمت بزيادة رساميلهم ورفعت من نسبة مالكي المصارف من السياسيين، ما انعكس على السياسة النقدية في البلاد التي ساهمت في زيادة الديون المتعثرة على خزينة الدولة.
ومثالا على ذلك، مصرف لبناني تابع لرئيس حكومة حسابق حقق أرباحا توازي 108 ملايين دولار خلال وجوده في سدة الحكم. ناهيك عن استمرارية وجودهم الوزاري الدائم، والخلاصة أن هذا المصرف يمتلك نسبة 27% من الدين العام اللبناني.
لهذا يدافع هؤلاء عن أغلى ما عندهم بدءا من زجاج المصارف متناسين الشعب والدولة الآيلة إلى السقوط الاقتصادي والانفجار الاجتماعي.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)
Discussion about this post