التوافق على الأساسيات ضرورة وجودية لحاضرنا ومستقبلنا ، مهما كانت الخلافات ، لا بد من العمل على بناء الدولة الحديثة لتلبي تطلعات الشعوب والمجتمعات وتحول دون زوالها أو تحولنا الى دول فاشلة .
هنا نرى أهمية الصحافة الاستقصائية التي هي عين وعمق إمكانيات الكشف عن الممارسات الخاطئة التي تهم عامة الشعب وتسليط الضوء عليها و مكافحة التعسّفات الأكثر تعقيداً والخفيّة ، بعد الحصول على المعلومات الدقيقة، وإضفاء طابع العدل عليها والكشف عن المظالم التي تلحق بالصالح العام لتكون قادرة على التكيّف مع التحديات التي تفرضها النزعات العالمية والمتطورة في مجال الجريمة، والفساد والحفاظ على البيئة .
اقترح المسؤولون الروس في أيار/مايو 2017 عقد “مؤتمر مصالحة وطنية” في سوتشي، وبحلول نهاية ذلك العام، كان الإصلاح الدستوري أحد المقومات الجوهرية في مذكرة دانانغ المشتركة بين الرئيسَين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب.
ويبدو أن موسكو كانت ولا تزال تنظر إلى الإصلاح الدستوري كإطار عمل مرن لإطلاق عملية دبلوماسية دولية ينتهج التغيير السلس ليس في سورية فحسب بل في مختلف مناطق الصراع بالمنطقة . وعلى الرغم من دعوة قرار مجلس الأمن رقم 2254 إلى قيام عملية سياسية مؤلفة من ثلاثة عناصر أساسية – حكومة انتقالية، انتخابات حرة ونزيهة، ودستور جديد – إلّا أن روسيا عملت على البدء بالعنصر الأخير ، بينما تعمل الأطراف الفاعلة الدولية الاخرى على حث السوريين الاهتمام بقضايا – المبادئ الدستورية، وإصلاح الدولة، وترتيبات تقاسم السلطة – إلّا أن هذه الأطراف، من كلا المقلبَين الموالي والمعارض ، تدرك جيداً أن طريقة فهمها لهذه الأمور تختلف فيما بينها. ومع ذلك، اعتبر المسؤولون الأجانب أنه من المفيد الحفاظ على هذا الغموض في الوقت الحالي كمحطة على الطريق المؤدي إلى المزيد من المناقشات المفصّلة للمراوحة بالمكان ( اللجنة الدستورية) ريثما تنضج الصفقات والتسويات الاقليمية والدولية التي من شأنها اعادة الأمن والسلام والاستقرار للمنطقة .
وقد يكون الانفجار الكبير الذي شهدته بيروت في مرفأها 4 اغسطس / آب مع ارتداته الشعبية والمحلية والاقليمية والدولية ، يشير الى بداية مرحلة جديدة في المنطقة لنظم الحكم وادارة البلاد يتجلى فيها مشاركة حقيقية للشعوب في تحقيق مصيرها وانتخاب ممثليها ( تكنوقراط) عابرين للمحاصصات والارث السياسي والاحزاب التقليدية .
على صعيد آخر تتصاعد التوترات شرق المتوسط بين دوله ، للاختلافات الكبيرة على الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن النفط والغاز ، مما دعا الرئيس التركي اردوغان الى التصريح بأن اليونان زجت بنفسها في فوضى لا تستطيع الخروج منها بإعلانها “نافتكس” في شرق المتوسط ، وردت اليونان عبر وسائل إعلام يونانية أن أثينا لن تسمح بتجاوز أنقرة للخطوط الحمراء في جزيرة كريت .
كما ان الاتحاد الاوروبي دعا الى التهدئة والحوار بين الطرفين في ظل رفض تركي يمتد الى ليبيا .
بعد ساعاتٍ من اختتام القمّة الثلاثيّة التي انعقدت في العاصمة الأردنية عمّان الاسبوع الماضي ، وضمّت كلّاً من الملك عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وصل رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، فالح الفيّاض، إلى دمشق، حاملاً رسالة من الكاظمي إلى الرئيس السوري بشار الأسد، تمحورت حول تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، واستمرار التشاور والتنسيق، فضلاً عن جهود «مكافحة الإرهاب»، وفق بيان الرئاسة السورية.
وبدا لافتاً أن الرسالة التي نقلها الفيّاض جاءت بعد ساعات من القمّة الثلاثية، وبعد أيّامٍ من زيارة الكاظمي لواشنطن، ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. في هذا الإطار، رجّحت مصادر سياسية بارزة أن يحمل رئيس الوزراء العراقي رسالة أميركية إلى الجانب السوري أولاً، وأن يُطلق عجلة إنشاء سوق اقتصادية عربية تمتدّ من العراق إلى مصر، مروراً بسوريا ولبنان والأردن، ثانياً. هذه السوق تُعدّ هدفاً رئيساً يسعى الكاظمي إلى تنفيذه، إلى جانب كونها تمثّل نافذة لدول أخرى (الأردن ومصر) لإعادة تطبيع علاقاتها مع دمشق. وهي أهداف عبّر عنها رئيس الوزراء في جلسة الحكومة، لدى إشارته إلى ضرورة «الابتعاد عن سياسة المحاور» و«التزام التوازن والوسطية»،
إن إطالة أمد الأزمة في المنطقة ولّد واقعًا جيو سياسيًا جديدًا، وأنظمة حكم محلية على طول الخريطة السورية والعراقية لا يمكن أن تزول بسهولة، لكن بعد انتهاء العاصفة في منطقتنا وانتقالها لمكان آخر ستظهر معالم هذا الواقع بشكل جلي، إذ سنرى مجموعة أقاليم اقتصادية لا إثنية ولا عرقية، فلا يوجد شيء اسمه تقسيم في المنطقة، بل إعادة رسم خريطة جديدة لتشكيل هذه الأقاليم التي ستمتد من أفغانستان شرقًا وحتى المغرب العربي غربًا.
إن معظم النخب السياسية بمنطقتنا تجمع بين فرقاء يتصارعون حول المطامح والمصالح والمناصب. وللأسف تنعكس هذه الصراعات على المجتمعات في حالة من التوترات المتداخلة أو المتنافرة التي تساهم في الانقسامات المجتمعية المتباعدة أصلاً بفعل الأزمات المتتالية ،
إن صيرورة عدم التغيير والإقصاء والاستبداد حولت الواقع السياسي صخرة ارتطمت بها النزاعات السياسية الحداثية وفشلت في تمرير مفاهيمها المترهلة الى استراتيجيات اجتماعية اقتصادية ثقافية تساهم في التماسك الاجتماعي وإرساء بناء الدولة الحديثة التي قيّمها الاساسية المواطنة وسيادة القانون والمساواة بما يضمن نهوض الدول واستمرارها .
هل الحداثة مفهوم ثقافي أم هو مفهوم سياسي وفكري؟ وكيف يمكن أن نقرأه اليوم بعد ما سمي “بالربيع العربي” والدويلات الإسلامية المتطرفة؟ ثم كيف نعيد صياغته على محك هذه الأسئلة كي يغدو إن أمكن ذلك مفهوما ناجعا ووجيها وقابلا لأن يغدو مفهوما قابلا للتفعيل؟ وهل بمقدورنا ذلك؟ وما الذي قدمه لنا مفهوم الحداثة؟
” اقتباس ”
يوضح الباحث الدكتور فريد الزاهي بأننا “اليوم في أمس الحاجة لمواجهة المفهوم، وكل مواجهة هي حوار مباشر، بالتالي فإن مواجهة هذا المفهوم الذي استنبت في العالم العربي بشكل فعلي مجتمعي وسياسي، قبل أن يصبح مفهوماً ثقافياً، ثم صار مفهوماً ثقافياً واستراتيجياً بعد نكبة 67”.
ويضيف الزاهي أن “العلاقة التي ربطت المثقف الحداثي منذ الخمسينيات أهم مما نعيشه اليوم لأن المثقف العربي في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات كان مفكرا و سياسيا في ذات الوقت، وكان فيلسوفا وكان فاعلا سياسيا، وكان منظرا موجها للمجتمع الذي يعيش فيه، وبعد نكبة 67 صار المثقف يعيش ثورته الثقافية كرد فعل على سقوط الأوهام التي أنتجتها الحكومات القومية ممثلة في الماركسية وغيرها ، في غياب حداثة سياسية، لأن كل الحكومات التي تعاقبت على الدول العربية ظلت حكومات عسكرية قمعية حداثتها كانت تتمثل في الجانب العسكري أكثر من الجانب السياسي والاجتماعي”، معتبراً أنه “في غياب الحداثة السياسية التي تفصل الدين عن الدولة وتحدث البنيات الاجتماعية وتثبت السيرورة الديمقراطية، أصبحت المنجزات التي كان يجب عليها أن تتحقق على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، تتحقق على المستوى الثقافي، ويحول الطابع السياسي إلى ضرب من الاستهانة السياسية”، وهنا يطرح الزاهي سؤالا آخر “لماذا لم نستطع أن نواجه التيارات الإسلامية؟”، ثم يجيب “هو ما يمكننا أن نفسره تاريخيا بأن نظام الحكم داخل التفكير السياسي الأصولي هو نظام بسيط جدا مبني على مجموعة من التراتبيات المعطاة سلفا بالتالي، فإنه لا يوجد هناك لا مجال للفكر ولا للنقاش، بالتالي فهو نظام عسكري بشكل أو بآخر”.
أن الأصل في الحداثة أن تكون سياسية أما ما قمنا به، فهو الفصل بين الجانب السياسي والجانب الثقافي بخلق مفهومين، أو الحديث عن التحديث السياسي والمجتمعي والحداثة الثقافية، والمفارقة هي أنه في الوقت الذي تطور فيه خطاب الحداثة على المستوى الثقافي، أصبحت خطابات الحداثة على المستوى السياسي باهتة .
” انتهى الاقتباس”
ان التغيير آت في المنطقة ، لأن موازين القوّة في الإقليم تغيّرت لصالح قوى التغيير الشعبية ، من مشاهداتنا لأنقاض الحضارات الزائلة في أنحاء العالم ، نتأكد أن لا شيء يبقى إلى الأبد ، الثابت الوحيد في الحياة هو أنه لا يوجد شيء دائم ، وكل شيء في حركة دائمة .
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post