قبل نحو 40 عاما لم تكن الطباعة الثلاثية الأبعاد قد عُرفت بعد، ولم يكن لأحد أن يتخيل أن يعطي الحاسوب أمرًا لطباعة مجسم ثلاثي الأبعاد مثلما هو الحال مع سكب الحبر على الأوراق.
لكن مع إعلان ابتكار التقنية مطلع الثمانينيات، أصبح الأمر حقيقة مستمدة من قدرة العلم على الإبهار، الذي لم يتوقف حتى اللحظة، فمؤخرًا توصل العلماء إلى تطور جديد مذهل في تقنية الطباعة الثلاثية، يجعلها أسرع وأكثر دقة، أطلق عليه تقنية زولوغرافي Xolography.
وتعتمد عملية الطباعة الثلاثية الأبعاد التقليدية على صب المادة الخام التي هي على هيئة مسحوق أو مادة ذائبة أو سائلة على نموذج مسطح، بعد تماسك الطبقة الأولى، يعود “رأس الطباعة” لوضع طبقة جديدة رقيقة فوق الطبقة الأولى، وعندما تتماسك الطبقة الثانية، يضع رأس الطباعة طبقة ثالثة فوق الثانية. وفي النهاية تبدأ الطبقات في التراكم ليتكون الجسم الثلاثي الأبعاد.
ولكن من عيوب الطباعة الثلاثية الأبعاد التقليدية استهلاك الوقت الذي كان يصل أحيانًا إلى 48 ساعة لإنتاج مجسم، إضافة إلى عدم قدرتها على إنتاج أجسام بدقة عالية، أو تحتوي على أجزاء متحركة مثل أذرع الآلات، وهذا ما تبشر به التقنية الجديدة زولوغرافي.
ابتكار مذهل
وتوصل باحثون إلى تطوير تقنية طباعة ثلاثية الأبعاد، يمكنها إنتاج كائنات بمقياس ميكرومتر إلى سنتيمتر مع ميزات مقياس ميكرومتر، يعتمد على التفاعلات الكيميائية الناتجة عن تقاطع شعاعين ضوئيين.
وبشَّر بالتقنية الجديدة بحث نُشر بدورية نيتشر المرموقة في ديسمبر 2020؛ حيث تسمح تلك التقنية التي أطلق عليها “زولوغرافي” بطباعة الأجسام الصلبة بدقة تصل إلى 25 ميكرومترًا ومعدل تصلب يصل إلى 55 مم مكعبًا في الثانية، وهو ما يتم ترجمته إلى طباعة منتجات عالية الدقة تزيد بعشرة أضعاف عن دقة الطباعة ثلاثية الأبعاد التقليدية، إلى جانب زيادة عامل السرعة على نحو كبير أيضًا.
يقول الكيميائي ستيفان هيشت، المؤلف المشارك في الدراسة، وعالم المواد بجامعة آخن في ألمانيا، إن التقنية الجديدة تعتمد على محفزات ضوئية قابلة للتحويل للحث على تصلب سائل راتنج (الصمغ وهو إفراز عضوي يحوي المواد الهيدروكربونية من النبات)، حيث تتقاطع حزمتان ضوئيتان بأطوال موجية مختلفة.
يوضح هيشت لموقع “سكاي نيوز عربية” طريق عمل التقنية الجديدة تفصيليًا فيقول: “بشكل أكثر تحديدًا، هذا يعني أن ورقة من الضوء فوق البنفسجي تثير طبقة رقيقة من الجزيئات الخاصة داخل الراتنج من حالة سكون أولية إلى حالة كامنة ذات عمر محدود، ثم يولد جهاز عرض ضوءًا من الطول الموجي الثاني، ويركز الصور المقطعية للنموذج ثلاثي الأبعاد (المراد طباعته) ليتم تصنيعها في مستوى لوح الضوء”.
ويردف: “فقط الجزيئات في الحالة الكامنة تمتص ضوء جهاز العرض وتتسبب في تصلب طبقة الراتنج، من خلال عرض مقطع فيديو للصور أثناء الحركة المتزامنة للراتنج من خلال الإعداد البصري الثابت، يتم بعد ذلك تصنيع الجسم المطلوب، أي إتمام عملية الطباعة”.
ويلفت هيشت إلى أن سبب تسمية التقنية الجديدة باسم “xolography” يأتي من حقيقة أن عبور أشعة الضوء (x) تولد الكائن (holos) بأكمله بواسطة عملية الطباعة الجديدة (graphy) (الرسم البياني)، ومن هنا جاء مصطلح xolography “زولوغرافي”، مؤكدًا أن التقنية الجديدة بدأت تأخذ طريقها في طباعة تطبيقات متنوعة في النماذج الأولية السريعة والتصنيع الإضافي.
تطبيقات جديدة
بعد ابتكار تقنية “زولوغرافي”، أصبح بإمكان الباحثين تصنيع أجسام حرة الحركة بدون أي هياكل داعمة، مثل الآلات البسيطة ذات العجلات التي يمكن أن تدور، كما قاموا بطباعة تمثال نصفي مفصل للغاية بعرض 3 سم لشخص يتمتع بسمات تشريحية داخلية محددة بدقة، مثل ممر أنفي مجوف ومريء. كذلك أصبح بإمكانهم طباعة مواد صلبة عالية الدقة مثل الزجاج.
وفي المستقبل سوف تكون لديهم القدرة على تصنيع أجهزة الاستشعار والإلكترونيات الأكثر تعقيدًا.
يشار إلى أن تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بزغت أول الأمر عام 1983، بعدما اكتشف الأميركي تشاك هال الفكرة أثناء استخدامه ضوء الأشعة فوق البنفسجية لتقوية طلاء سطح الطاولة، ثم عرّف بعد ذلك الطباعة الثلاثية أو الحجرية بأنها طريقة وجهاز لصنع أجسام صلبة من خلال “طباعة” طبقات رقيقة متتالية من المادة القابلة للمعالجة فوق البنفسجية واحدة فوق الأخرى.
Discussion about this post