أعتقد أن الاعتدال العام هو البوصلة المرحلية والمستقبلية عالمياً ، فعلى الرغم من صعود اليمين في اسرائيل بقيادة بينيت المتشدد في انتخابات خسر فيها نتنياهو اليميني اصلاً وبحكومة ائتلافية قد تكون انتقالية ، تطوى صفحة بائسة من تاريخ المنطقة، وقد يكون لرحيله علاقة بأوضاع إقليمية ودولية وليس إسرائيلية فقط ، وقبله سقط ترامب ومعه صفقة القرن مما يوحي بتغييرات عميقة بالسياسات الاقليمية والدولية .
أربعة انظمة شهدتها المجتمعات البشرية تاريخياً وهي على التسلسل نظام المدينة الفاضلة ونظام الخلافة و الانظمة الديموقراطية والانظمة الديكتاتورية ؛
الاولى استحالة تنفيذها حياتياً لأنها طموحة جداً ، والثانية استمدت قوتها من ايحاءات سماوية وانتهت بانتهاء الخلفاء الراشدين ( الاسلام السياسي والمشروع التركي والايراني …) ، والثالثة تواجدها نسبي اعتماداً على ثقافة مجتمعية وسياسات تراكمية ووعي فاعل ، وعند فقدان الحوامل او تحييدها سواء بشكل مقصود او غير مقصود تتحول الى الرابعة مما يطلق العنان لدى البعض للمناداة بالديكتاتورية العادلة في مجتمعات لم تتطور نحو المجتمع المدني وحاصرت نفسها ضمن مجتمع أهلي – مناطقي – عشائري – قبلي … وبالتالي تصاعدت انقساماتنا بين اهل الحضارة التي تحكم الارض وبيدها معظم قدرات التحكم السياسية والاقتصادية والعسكرية … وبين ( مصطلح أهل الغابة ) التي يتم تدجينها لصالح الاولى .
وبالتالي تشترك دول التدجين في الكثير من الأحيان بخاصية اهتراء البنى السياسية , الاقتصادية و الاجتماعية ، اهتراء سياسي ناتج عن احتكار السلطة و إلغاء المختلف ، اهتراء اقتصادي ناتج عن الفساد و نشوء شبكات متمردة ومتنمرة مستغلة للأوضاع والظروف الصعبة وتزداد وتيرتها في حالة وجود عقوبات اقتصادية دولية .
اهتراء اجتماعي نتيجة تقوقع المكونات الاجتماعية للبلاد و تعزيز التفاوت الطبقي في ظل غياب سياسات تعمل على تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية.
فالأقوياء في وطينتهم أقوياء في حرية قرارهم، مستقلون في أدائهم وباستطاعتهم إنقاذ بلدانهم والمشاركة في تحقيق السلام والامن والاستقرار على المستوى المحلي والاقليمي والدولي .
من جانب آخر ، انعقدت القمة الاولى بين زعيمي العالم الأمريكي جو بايدن و الروسي فلاديمير بوتين في جنيف يوم 16 يونيو 2021، وسط حديث عن أجواء إيجابية و نقاش مباشر وواقعي و غير جدلي.. إضافة إلى الإعلان عن إطلاق حوار شامل عما قريب بشأن المسائل الخلافية، فيما لا تزال المعلومات عن القضايا التي تمت مناقشتها شحيحة.
واتفق الرئيسان على “إطلاق حوار شامل عما قريب”، وجاء ذلك في البيان المشترك بين موسكو و واشنطن، أن “حواراً ثنائياً شاملاً سيجري إطلاقه حول الاستقرار الاستراتيجي، في مسعى إلى خفض التوتر بين البلدين”.
مصادر إعلامية أكدت أن الملف السوري كان حاضراً في مباحثات الرئيسين، (ويؤكد ذلك وجود السيد لافرنتيف ) حيث تمت مناقشة التواجد العسكري لكلا البلدين في شمال شرق البلاد وعدم التصادم العسكري، إضافة إلى محاربة المتطرفين والإرهابيين، والعمل على الحوار في ملف شمال شرق سورية مع الحكومة السورية، ووضع حلول قابلة للتنفيذ حول ادلب ( تركيا ) .
ولكن الملفت للنظر عدم الإفصاح عن مناقشات حول الخلاف الصيني – الامريكي حيث تمر السياسة الخارجية الأمريكية بمرحلة انتقالية، ولاتزال معادلة “موسكو- واشنطن– بكين” ضبابية ، فالعلاقات الروسية الأمريكية قد تصبح رهينة للعلاقات الأمريكية الصينية التي لم تحسم بعد ، ربما بعد جنيف بات واضحا للأمريكيين والروس التعامل حول العديد من الملفات العالمية ولكن التعامل مع الصين وكوريا الشمالية قد يكون مؤجلاً .
تُدرك العديد من الدول ان الجغرافيا السياسية العالمية تعتمد بشكل كبير على سياسات امريكا فملفات مثل أوكرانيا وبيلاروس وسورية ، لا تغّير الجغرافيا السياسية العالمية ، بينما يمكن لسلوك الصين أن يغيّر الوضع جذريًا على المسرح العالمي وهنا العقدة الأساسية .
واعتقد أنه ليس من دواعي الصدفة وجود سياسات جديدة وتغييرات عميقة من خلال إدارة اميركية جديدة… حكومة إسرائيلية بدون نتنياهو… خسارة كبيرة لحزب ماكرون في انتخابات المناطق والولايات … حكومة جديدة في طهران وتصريحات الرئيس رئيسي عن الانفتاح على دول الجوار … مباحثات فيينا حول الملف النووي الايراني … لقاءات سعودية -إيرانية في بغداد… ولقاءات أمنية سعودية – سورية… قمم اميركية -أوروبية في اوروبا واجتماعات مجموعة السبع والناتو ، وقمة اميركية- روسية في جنيف … رفع الثقة عن رئيس وزراء السويد… والتجديد وفوز رئيس وزراء ارمينيا … انتخابات في اثيوبيا … كوريا الشمالية واعادة تفعيل اللقاءات مع امريكا … تطبيع العلاقات المصرية مع تركيا وقطر… مساعي عربية لتفعيل دور سورية في الجامعة العربية …
” اقتباس منقول – جريدة الدستور ”
” في الأردن تم صدور مرسوم ملكي لتشكيل “لجنة لتحديث المنظومة السياسية ” تضم شخصيات سياسية واكاديمية وحزبية ووطنية بخلفيات ومرجعيات ثقافية واجتماعية مختلفة ،
انعكاساً للقلق على مستقبل البلاد والعباد، وهو الباعث والمحرك، للحوارات والسجالات التي ستتم عبرها ، مع الإدراك انها ستكون محطة فاصلة، ما بين الإنقاذ والانفجار … الإصلاح الذي لم يعد ترفاً تتلهى به حفنة من الإصلاحيين ، بل شرط بقاء واستقرار ووجود ، لطرح الأفكار والتوصيات الكفيلة باستنقاذ حالنا من الركود والمراوحة، وملء خواء حياتنا السياسية والعامة، بالأفكار والآليات، والسياسات والتشريعات، التي تضعنا على سكة مغايرة ، لرسم خارطة الطريق عبر لجنة الحوار الوطني التي يتطلع إليها الأردنيون جميعاً، بعيداً عناية حسابات “صغيرة أو أنانية “و حسابات الربح والخسارة، بالمعنى الشخصي أو الفئوي…
إن رياح الإصلاح، التي تهب اليوم، بوجل وتردد، يمكن النفخ بها، لتصبح قادرة على دفع مركب الإصلاح والتحديث، نحو شاطئ الأمان . فنحن نسابق الزمن، لمنع “الانفجار”، وعلى الذين استمرأوا التماهي مع “حالة الإنكار” أن يستيقظوا قبل فوات الأوان …هذه المرة ، لن تكون خسارتنا، بفقدان المزيد من الثقة بين الحاكم والمحكوم ، بل نحن نقامر بدفع شعبنا وبلادنا، إلى قعر مستنقع سحيق من الفوضى .
من لم يقرأ جيداً معاني ودلالات أحداث الأشهر القليلة الفائتة على أقل تقدير، عليه أن يدرك أن لغتنا القديمة وأدواتنا القديمة، لم تعد صالحة للتعامل مع التحديات والتهديدات الراهنة …
ومن لا يزال منّا من يظن، أن العوامل التي منعت الأردن من الانزلاق إلى الفوضى التي عصفت ببعض دول الربيع العربي، ما زالت قائمة، ويمكن الركون إليها، مخطئ وعليه مراجعة مقارباته…وليس المهم دائماً، أن تتخذ الموقف الصحيح، فالأهم أن تتخذه في الوقت الصحيح .”
” انتهى الاقتباس ”
من المسلمات وجود ارادة سياسية حقيقية لاستحداث اختراق ملموس على دروب الاصلاح السياسي والتحول الديموقراطي ، مع ما يوازيه من إعادة تأهيل مؤسسات الدولة عبر إدارات غير عقيمة ولم تتآكل كفاءتها وقدراتها وتضم اختصاصيين وسياسيين ذوو رؤية وقدرات تساهم في النهوض . والعبور من حكومات الجباية الى حكومات الانتاج عبر مشاركة المجتمعات المدنية والشعبية في اعادة تخديم المدن والقرى باللامركزية الادارية .
فالغيرة دائماً تنبع من أهل البلد هم الغيارى عليها وعلى المستقبل أما الناظرين إليها فجل همهم مصالحهم .
على الصعيد المحلي في سورية ، معظم كيانات المعارضة بالخارج قد اضحت في نطاق تصفية بعضها البعض ،
رهاننا ضئيل ولكن موجود بالقوى الوطنية الديموقراطية والمعارضة في الداخل وما تبقى من معارضة الخارج التي تؤمن بالهوية السورية والانتماء الحقيقي للحفاظ على وحدة الكيان والجغرافيا السورية ، بالالتقاء وعقد مؤتمر وطني بمشاركة الحكومة السورية لاستعادة القرار الوطني والسيادة على جميع ارجاء الوطن السوري بعيداً عن اي تبعية أو مرجعية خارجية .
فمن أخرجتهم قوارب الموت لن يعيدهم إلاّ قطار السلام والثقة ، ووفق قرارات مجلس الامن الدولي وعلى الأخص القرارات 242 – 2254 وكل القرارات ذات الصلة ، وتفعيل منظومة حقوق الانسان والتنمية العادلة المستدامة للحد من الهجرة غير الشرعية وعلى الأخص في حوض المتوسط .
من ناحية اخرى يشير التقرير الذي سلّمه “البنتاغون” إلى الكونغرس في الولايات المتحدة الشهر الفائت الى أن التنظيمات العسكرية المدعومة من الاطراف الخارجية لم تعد تشكل أي تهديد على النظام السوري، ولم تعد قادرة على قتاله، وأنها تتجه إلى الدفاع عن مناطق سيطرتها المتبقية في شمال سوريا والحفاظ على الدعم التركي، مشيراً إلى أن الدعم العسكري التركي المباشر لا يزال مستمراً .
إنّ التنوع الديني والإثني الموجود في سورية ، قيمة حضارية لا يجب التخلّي عنها؛ وللمحافظة عليها، لا حلّ إلا بإرساء قواعد الدولة المدنية التي تعامل جميع مواطنيها بمساواة تامّة أمام القانون …
أعتقد ان المطلوب الان في منطقتنا ديموقراطية تشاركية لإرساء تلك الثقافة بشكل تراكمي ، وبالتالي يضحى الاصلاح السياسي أجندة التغيير والتطوير ويتبعه حتماً الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمساهمة في مكافحة الفساد .
المطلوب اليوم داخلياً ، تعزيز جهاز المناعة المكتسبة لمجتمعاتنا ، وهي مهمة لا تنتظر التأجيل والتسويف وطريق ذلك إصلاح جذري تدريجي دون مماطلة ورهانات على التطورات الكامنة في بطون الايام المقبلة ، مطلوب إصلاح يطاول ضفاف الدستور والعقد الاجتماعي والقوانين الناظمة للعمل ، مطلوب إصلاح يرعاه إصلاحيون بعيداً عن التعطيل … مطلوب إصلاح يلمس ثماره السوريون عبر برلمان بغرفتين ( مجلس الشعب ومجلس الحكماء ) قوي ضامن الفصل بين السلطات ، وحكومة ناجزة تشاركية ، واعلام حر ومجتمع مدني مستقل وقضاء فاعل ونزيه وشفاف ، ومجتمع منظم افقياً على اساس المهنة والمصلحة والمواقف المشتركة …
وتذكروا معي مقولة حكيم صيني
”حياتك الحالية هي نتيجة اختياراتك السابقة، إذا كنت تريد شيئًا مختلفًا، فابدأ في الاختيار بشكل مختلف .”
ومقولة غوغل ؛
“إن بعضَ الناسِ يعيشون في هذا الوجود لا كشخصيات مستقلة قائمة بذاتها بل كالبقع واللطخ على شخصيات الآخرين ”
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post