لعل من ابرز الاخطار التي كانت وظهرت نتائجها خلال فترة الحرب في سورية منذ سبع سنوات وكان لها التأثير المباشر على استمرارها متلازمتي الفقر والجهل، وفِي هذه الدراسة والتحليلات سنحاول الوصول الى الاسباب والأولويات التي تساعد العبور الى مستقبل مشرق ،وخصوصا خلال فترة الإعداد لبرنامج اعادة الاعمار والبرنامج الوطني التنموي لسورية بعد الاستقرار.
علينا الدمج بين القيم المجتمعية والأداء الاقتصادي الى حد التلاحم، على اعتبار أن الاقتصاد مشحون بالقيم، والنقطة الأساسية التي يجب حسبانها في عملية التنمية هي سياسة الاعتماد على الذات، وبالتالي النهضة بالأسس والدعائم والخصوصيات التي يقدمها المجتمع أولا وقبل كل شيء، فإذا استطعنا التوفيق بين استيعاب التكنولوجيا الغربية وتطويرها في إطار الاحتفاظ بالقيم الثقافية فإننا تكون قد حققنا نموذجا ناجحا في التنمية المستدامة ، ( التجربة الماليزية ).
التنمية المستدامة و التنمية البشرية
وهي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية حيث تعرف بأنها:“عملية تغيير شاملة في إطار نموذج تنموي يحقق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية، التي تضمن ترقية الكفاءة الاستخدامية للموارد وتزايد المقدرة الإنجازية في تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية …….كما عرفتها اللجنة العالمية للبيئة والتنمية CMED سنة 1987 بأنها: ” التنمية التي تستجيب لحاجات الحاضر دون المساومة بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها الخاصة ، وهذا التعريف هو يركز على جانبين أساسيين هما:
1. فكرة تحديد الاستغلال العقلاني للموارد المتاحة، وترك المجال للأجيال اللاحقة للوفاء باحتياجاتها.
2. الحاجات: وتعني الحاجات الأساسية التي يجب تلبيتها لجميع أطراف المجتمع بالشكل الذي يضمن تحقيق عدالة اجتماعية متواصلة عبر الزمن .
اما التنمية البشرية فهو أكثر المفاهيم تداولا بالنظر إلى التوجهات العالمية نحو تعزيز مكانة الإنسان وجعله محورا لأي عملية تنموية، فالتنمية البشرية تعني تنمية الإنسان الذي هو رأس المال الحقيقي هدفا وغاية في إطار توفير وإشباع جميع حاجاته المادية واللامادية، وتوفير الظروف والأجواء المجتمعية التي تحقق له قدر من الاستمتاع بحقوقه كإنسان.
وان يعيش الناس حياة مديدة وصحية، ويكتسبوا معرفة وعلم وثقافة ويحصلوا على الموارد اللازمة لمستوى عيش كريم و لائق، وخيارات إضافية من الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوصول الى فرص حقيقية للإبداع والإنتاج والاحترام الذاتي الشخصي وبحقوق الإنسان المكفولة.
إن الاهتمام الكبير بالبعد الاقتصادي في التنمية يستوجب الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والإنسانية لتحقيق نوع من التكامل بين هذه الجوانب حيث يعزز نجاح الاقتصاد تمتع الفرد بالرفاهية المعيشية هذا من جهة ويعزز ارادته الوطنية نحو العمل والتقديم أكثر ويعكس نتائج باهرة في مجال مكافحة الفقر والتقليص من نسب البطالة وتحسين نوعية وجودة الخدمات المقدمة لاسيما التعليم والصحة والإسكان وهو ما يساهم في التخفيض من نسب الفقر والجهل.
بالعودة الى التجربة الماليزية منذ ثمانينات القرن الماضي فان النتائج الإيجابية لم تتوقف عند نهاية القرن العشرين فقط بل استمرت إلى يومنا هذا، والهدف القضاء على ظاهرة الفقر ، وهذه العملية سارت بالتوازي بين المدن الحضارية والأرياف، وهدفت إلى تحقيق مكسبين رئيسيين: تخفيض نسبة الفقر من جهة وإعادة هيكلة المجتمع من جهة أخرى، نظرا إلى أن تحقيق مستويات عالية من النمو الاقتصادي يؤثر مباشرة في هيكلة المجتمع، ويقود إلى المساواة في الدخل ، وهو ما سمح لماليزيا بتجاوز اختلافاتها العرقية والقضاء على الفوارق الاجتماعية رغم اتساع رقعة التعددية العرقية والتي لولا انتهاجها لسياسات القضاء على الفقر والفوارق الاجتماعية, لكانت معول هدم ولأضحت ماليزيا ضعيفة وليست نمرا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحضاريا.
الاهتمام بقطاع التعليم: بوضع سياسات متينة لبناء المنظومة التعليمية، نحو تبني مناهج علمية جديدة تواكب توجهات وطموحات الدولة، لترقى سورية دولة متقدمة من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهو ما يتوجب اعتماده في إطار إعلان البرنامج الوطني التنموي لسورية بعد الازمة وجعل التعليم لاسيما الجامعي منه في خدمة الاقتصاد والمجتمع بالدرجة الأولى.
وتندرج معظم المقترحات بهذا الشأن في الآتي:
1. التزام الحكومة بمجانية التعليم الأساسي لإتاحة الفرصة للجميع من أجل التعلم .
2. الاهتمام بتعليم المرأة ورفع الوعي النسوي.
3. الانفتاح على النظم التعليمية المتطورة وإتباع مختلف المناهج الدولية الرائدة.
4. الاهتمام بالتعليم ما قبل المدرسة ( رياض الأطفال).
5. تركيز التعليم الابتدائي على المعارف الأساسية والمعاني الوطنية.
6. العناية بتأسيس معاهد تدريب المعلمين والتدريب الصناعي.
7. التوافق مع التطورات التقنية والمعلوماتية.
لجعل قطاع التعليم قطاعا خلاقا هدفه الأول والأخير هو النهوض بعجلة التنمية الاقتصادية وتدعيمها وتعزيز الإرادة الوطنية وحواملها وبالتالي بأنسنة الإنسان وتوسعة مداركه العلمية والحياتية في إطار النهوض بالرأسمال الفكري .
اما البعد البيئي للتنمية المستدامة فهي السعي إلى توفير الحد الأدنى من الحياة الجيدة عبر تحسين نوعية المعيشة للسكان وضمان احترام المعايير البيئية في هذا الشأن:
1. خلق بيئة نظيفة وآمنة صحيا ومنتجة للأجيال الحالية واللاحقة.
2. الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي للبلاد عبر إشراك كافة الهيئات في هذه العملية لتكون مسؤولية جماعية ولا توضع على عاتق هيئات محددة فقط، وبالتالي تنمية روح المسؤولية في جميع المجالات.
3. ضمان أسلوب حياة مستديم ونمط استهلاك وإنتاج محدد.
4. إدارة استغلال الموارد الطبيعية للحفظ على قاعدة الموارد ومنع التدهور البيئي . …. ان الهدف الاستراتيجي الآخر هو دعم الوحدة الوطنية والتغلب على العوائق التي تحول دون القضاء على الانقسامات المجتمعية …
ومن السياسات الجديدة :
• فتح باب الاستثمار المحلي أمام الشباب، وأصحاب المبادرات الجادة.
• وتوفير موازنات مالية مناسبة لهم، لتأسيس مشروعات تلبي احتياجات المجتمع.
• بالإضافة إلى تحديث الأنظمة القانونية والتجارية التي تتيح أمام الشباب اقتناص الفرص.
لقد عقدت المؤسسة السورية الحضارية عدة ورش عمل حول تعزيز دور المرأة السورية في الشأن العام وتمكينها في عدة محافظات سورية وقد كان من الملاحظ ان الاولويات والتحديات الاجتماعية والاقتصادية كانت بالدرجة الأولى.
ونظرًا للدور الهام المنوط بالمرأة في مستقبل سورية وبرنامج اعادة الاعمار فان الضرورة تقتضي النظر بالتحديات والأولويات للمرأة السورية مع تعزيز وتوسيع صلاحيات المجالس المحلية بمشاركتها بالإضافة الى جميع المجالات الاخرى …
وتوسيع نطاق فوائد التمكين الاقتصادي للمرأة، سواء بالنسبة للمجالات الاقتصادية أو المجتمعات ككل، واتخاذ إجراءات جادة لتحقيق المشاركة الكاملة والمتساوية للمرأة في الاقتصاد.
وفِي كلمة للأمين العام للأمم المتحدة (جوتيريس ) الأسبوع الماضي قال "إن تمكين المرأة اقتصاديا يساهم في تحقيق اقتصادات أكثر استقرارا ومرونة، ومجتمعات أكثر سلمية، وهو شرط ضروري لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ، مشيرا إلى أهداف عام 2030 لإنهاء الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان رفاهية للجميع .
مما سبق عرضه يمكن القول أن الوصول لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة هو وليد التفاعل بين مجموعة أبعاد أساسية اقتصادية واجتماعية وبيئية وثقافية ، تنطلق من واقع المجتمع وتصل إلى أهداف الرؤية الاستراتيجية التي لا يمكن بنائها على فشل المجتمع، ولكن على طموحاته وآماله فالفرد هو المحقق للتنمية، ورفاهيته تشكل الهدف الأساسي للمشروع النهضوي التنموي.
سورية للجميع … وفوق الجميع …
والى لقاء اخر …
المهندس باسل كويفي …
Discussion about this post