إن تسليح استراليا بغواصات ذات تقنية نووية أمريكية قد يجعل دول المنطقة مهددة من نزاع نووي ضمن منظومة الاحتمالات والتهديدات والضغوطات …
بدت واشنطن في خطواتها الأخيرة تتجه أكثر نحو إعادة ترتيب تحالفاتها القديمة لكي تناسب الواقع الجديد، إذ أخذت على عاتقها حماية مصالحها الاستراتيجية بدلاً من الحفاظ على مراكز حلفائها الأوروبيين التقليديين إلى جانبها، وأدوارهم في التنافس مع الصين وروسيا. وربما يعزز ظهور الحلف الأمني بين واشنطن ولندن وكانبيرا فجأة ودون تنسيق مع الحلفاء الآخرين حالة انعدام الثقة المتزايدة في العقد الأخير ، وهو ما يرجح أفقاً مجهول المعالم في خارطة التحالفات القديمة.
في نفس السياق أكدت
” التكتلات الاقصائية ” ودعت الدول إلى التخلص من عقلية الحرب الباردة ،
والتحيّز الايديولوجي ، ورفضت محاولات الولايات المتحدة لحشد العالم ضدها، مشيرة إلى أن اتفاق أوكوس لن يؤدي إلاّ إلى تسارع سباق التسلح في المنطقة، وأنه لن يجلب سوى الإضرار بالاستقرار العالمي والإخلال بأمن دول المنطقة المطلة على المحيط الهادي والهندي .
من جانب آخر انطلقت «منصة موسكو»، من العاصمة الروسية في 20 اكتوبر 2021 حول الوضع في افغانستان، تشمل أطرافاً إقليمية بالإضافة إلى روسيا والصين، باكستان والهند وإيران والجمهوريات السوفياتية السابقة في منطقة آسيا الوسطى ، مع غياب امريكي وبحضور ممثلي الحكومة التي شكلتها حركة «طالبان» وقد تُشكل الاختبار الأول لنوايا «حكومة الأمر الواقع»، ومدى قدرتها على الالتزام بتعهداتها ، وأعتقد أنها ستحدد مسار العلاقات مع كابل مستقبلاً .
على الضفة الأخرى في القوقاز ، تختلف الآراء حول المناوشات على الحدود بين إيران وأذربيجان، بين اعتباره حدثاً عابراً يمكن اختصاره بالاقتصاد أو السياسة أو الأمن؛ أم صراع جيوب وليتك معقّد تحضر فيه بشكل مباشر ” إسرائيل وتركيا وروسيا” حيث لا تمتلك الأخيرة ترف الخيّارات في حماية أمنها القومي ، مما يحّتم احتضانها للتوترات عبر سياسة التسويات الوقائية والدبلوماسية النشطة – المرنة .
ويأتي إعلان موسكو تعليق عمل بعثتها الدائمة ( الديبلوماسية والعسكرية ) لدى حلف الناتو 18 اكتوبر 2021 كرّد على اتهامات الناتو لبعض أعضاء البعثة الروسية وقد يكون مؤشراً للتنسيق المباشر بين القطبين وتحييد التحالفات القديمة ، وبناء نظام عالمي جديد يرتكز على مقاربات واقعية لتعزيز الأمن والسلام العالمي .
بالعودة الى منطقتنا الأوسطية ، لم تستطع الحكومات المتعاقبة على تونس إحداث تغيّير جذّري سياسي واجتماعي واقتصادي منذ تنحي زين العابدين وانتصار ربيع تونس ، وقد يكون أحد الاسباب الرئيسية
”حزب النهضة ” الذي شكّل أحد مكونات السلطة والحكومة ، وبالتالي فانه يتحمل جزءاً من الإخفاق وحالة الفشل الداخلي والشيطنة وعرقلة الجهود .
كما أن “حزب العدالة والتنمية ” في المغرب فشل في الانتخابات النيابية وتشكّلت حكومة جديدة بعيداً عنه بالرغم من سيطرته السابقة على الاغلبية النيابية والحكومة لمدة تزيد عن عشر سنوات.
من هنا تبدو لنا أهم المعضلات التي تهدد الاستقرار والسلام في المنطقة وأهمها فقدان الثقة والتعاون البنّاء بين الدول والمجتمعات ،والتدخلات الخارجية وعدم تطبيق قرارات مجلس الامن الدولي وعلى الأخص ارقام 242 – 338 بخصوص الاراضي العربية المغتصبة منقبل اسرائيل ( على الصعيد الاقليمي والدولي ) إضافة الى الانتماءات الثلاث الدينية والقومية والوطنية على المستوى المحلي الداخلي ،والتشرذم الفكري الناتج عنها الذي أدى الى التفكّك الحاصل وتغذية الانقسامات الطائفية والمذهبية والاثنية ، وتبعثر مفاهيم الهوية الوطنية الجامعة التي تحافظ على الأوطان واستقرارها وتكافح كل مشاريع الهيمنة الأجنبية والإقليمية ، وهنا تأتي عودة العلاقات العربية – العربية الى سابق حرارتها في إطار الحل الشامل الذي من شأنه إحلال الأمن والسلام والاستقرار .
لا ضير علينا إذا تبنّينا الأساليب والوسائل الغربية في العلوم والتكنولوجيا ، فنحن بذلك لانفعل أكثر من اتباع نهج التطور و الارتقاء التي يفيد الناس بمقتضاها من خبرات غيرهم ومن التراكم العلمي والمعرفي الذى ميّز البشرية في مسيرتها الحضارية المتواصلة ….
ولكننا لسنا في حاجة إلى تبّني جميع أشكال الحياة الغربية في صورها وقوالبها وأنماطها المختلفة أو المبادئ والقيّم الاجتماعية التي تنبثق منها نظراً لما تتضمنه الثقافات المتعددة من جوانب ايجابية يعززها التراث ، فالأخلاق الانسانية حمّلها الغرب الى منظمات المجتمع المدني للتعبير عن انسانيته ، أما سياساته فقد تكون أكثر تأثراً بالمصالح التي تحددها استراتيجياته المتعددة والقابلة للتغيّير وفق معادلات محلية وإقليمية وعالمية والتي تنحاز في معظم الأحيان الى تحالفات تحقق مصلحة سياسية او امنية او اقتصادية …
في علم الرياضيات وهو العلم الأكثر إضافة لشؤون الناس الحياتية والمعيشية والعلمية ، حيث بفضل دقة حساباته وعلمها التجريدي استطاع الانسان أن يصل الى القمر والكواكب الاخرى … وبفضله تتعاش البشرية في توفير موادها على مبدأ العرض والطلب في تأمين احتياجاتها، ويُشكل عند الحكومات الرشيدة فضل قيمة في تحديد الأولويات والميزانيات والنفقات والواردات … أما في سورية فإذا اعتبرنا هذا المقياس الهام على المستوى الوطني فسيكون ، وحسب القاعدة الرياضية المعروفة لحل أي مسألة يجب تحديد الفرض ( الفرضيات وهنا الغرض ) ومعرفة الطلب لاستدراك الحل ، ثم اخيراً وضع البراهين التي تدعم الحل .
وطبقاً للمعادلة السورية فإن الطلب هو الحفاظ على وحدة سورية والشعب السوري والهوية السورية واستعادة الاراضي المحتلة والمغتصبة ضمن إطار المواطنة والعدالة والديموقراطية وعدم التميّيز ، والفرضيات هنا شعب سوري مكوّن من ثانيات مختلفة متعددة وفريدة ( وتشكل ثاني أكبر تنوع في العالم بعد العراق … )، احتلال ومحاولات لقضم أو ضم أراضي سورية ، احتكار السلطة على الحزب الحاكم ، سلطات الأمر الواقع ، تشاركية ديكوريه ، مجتمع مدني مهمّش ، تدخلات خارجية إقليمية ودولية ، وجود فصائل مسلحة وعقوبات اقتصادية مفروضة و حرب مفتوحة لمدة عقد من الزمان أدت الى دمار البشر والحجر وملفات مطمورة لمحتجزين ومختطفين ونوايا غير حسنة حول عودة اللاجئين والنازحين ، مناطق معزولة ومناطق منهوبة ، تفشي الفساد وانتشاره ، قوانين في بعضها جائرة وفي بعضها منحازة وفق تداخل السلطات ،نخب علمية وثقافية واجتماعية وسياسية مركونة ، وأحزاب وجمعيات ونقابات واتحادات مرهونة ، واقتصادات واستثمارات محضونة….
في اعتقادي يأتي تصريح الرئيس التركي اردوغان بخصوص اللاجئين والهجرة بمثابة ترتيبات لوجستية للانسحاب من ادلب عطفاً على توافقات سوتشي مع الرئيس بوتين ، ومما لا يدع مجالاً للشك بأن مسألة الخروج والهجرة الى تركيا قد أوصدت أبوابها وأن المتاح إجراء تسويات وقائية
“التسوية الوقائية ( سياسياً واقتصادياً وأمنياً ) هي عبارة عن إجراء يُمّكن المدين من تسوية أوضاعه من خلال الاتفاق المرن ويتميز هذا الإجراء عن غيره أنه يتم خلال فترة زمنية معقولة، ومقابل تكلفة بسيطة ، كما أنه يتم باتباع إجراءات يسيرة وغير معقدة ” مُلزمة للأطراف للحّد من الضحايا بين المدنيين ، مع ارسال رسالة تحذيرية الى أوروبا بشكل خاص والعالم عموماً حول تداعيات ملف الهجرة واستثماره لمصالح تركيا سياسياً واقتصادياً واجتماعياًً .
المنطقة تتأرجح ما بين التصعيد والحرب من جهة والاستقرار والسلام من جهة اخرى ، وخاصة بعد الانتخابات النيابية العراقية وأحداث الطيونة في لبنان وتعنت بينية في إعادة الحقوق العربية وفشل الجولة السادسة للجنة الدستورية في جنيف التي انعكس طقسها البارد على الاوراق الاربعة التي قدمتها الوفود في ما يشابه الفصول الاربعة وتقلباتها .
الرهانات والأولويات الانقاذية ، حسب اعتقادي تمر عبر ” التسوية الوقائية ” على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية ( الدولة المعاصرة تؤمن أن المعارضة جزء من النظام السياسي ، وهناك فارق بين معنى الدولة ووظائفها وبين السلطة ) ، أما على الصعيد المالي والاقتصادي فهي مفهوم إعادة التنظيم المالي للشركات والافراد وفق قانون ، عملاً بالظروف الاستثنائية والقاهرة التي مرت على سورية ( وعلى الأخص المناطق الساخنة التي تعرضت للدمار والتخريب )
وتهدف إجراءات ” التسوية الوقائية ” بالإضافة لزيادة جاذبية المستثمرين إلى الآتي: أ – تمكين المدين أو المتعثر أو الذي يتوقع أن يعاني من اضطراب أوضاعه المالية من الاستفادة من إجراءات التسوية ، لتنظيم أوضاعه المالية ولمعاودة نشاطه والإسهام في دعم الاقتصاد وتنميته. ب – مراعاة حقوق الدائنين على نحو عادل وضمان المعاملة العادلة لهم.
ويتيح القانون إعادة الاصول المحجوزة احتياطياً أو تنفيذياً الى الشركات أو الافراد برقابة واشراف لجنة اختصاصية تحددها المحاكم المختصة بما يسمح للشركة او الافراد بتسييل الأصول وإلغاء ادراج الدخول والخروج للمدينين والكفلاء ، لتتمكن من تقديم توزيعات لدائنيها المعتمدين سواء البنوك الحكومية او الخاصة او الدائنين الآخرين وفق النسب التي تحددها خبرة محاسبية شفافة عبر تحديد أصل الدّين بعد طي الدفعات المقدمة أو البيع بالمزادات عملاً بالحجوزات دون أي زيادات مرتقبة سواء غرامات أم فوائد أو أي تكاليف اخرى .
بالمقابل علينا العمل على وضع منهج واضح من أجل الوصول الى مستقبل أكثر صلابة للاقتصاد الوطني ووفرة واستدامة الموارد لتمويل المشروعات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، عبر تحقيق إنجازات غير مسبوقة، تتجدد بسقف أعلى، وبأدوات ومعايير مختلفة، لصناعة التفوق في مجالات ريادية ومستقبلية جديدة تمتلكها سورية ، فالمقياس لن يكون الخطط والأجندات فحسب ، بل المشاريع والمبادرات الميدانية، التي تستهدف نقلات حقيقية في الملفات الحيوية ، معتمدة على مسيرة تنموية متصاعدة .
علينا ألا ننسى أن الإنسان يظل الأولوية الأولى لكل جوانب التنمية ، وعلينا دعم القطاعات التي تلامس احتياجاته المباشرة ، وأولها التعليم والصحة وتوزيع الثروة والمنافع الاجتماعية .
لا نستطيع التكّهن ماذا تحمله لنا الايام القادمة ، تلك اللحظات لا تشكل سوى مروراً للزمن وإنقاصاً من أعمارنا ، اذا لم نستثمرها بالنهج العلمي والواقعي ، للحد من اليأس وركوب موجات الابداع والابتكار ، والتمسك بالحياة ورفض الموت ( إلا بقضاء الله ) هذه هي فلسفة الحياة.
كُل الذّين نهضوا بعد السقوط لم يُغيّروا أقدامهم، بل غيّروا أفكارهم ..
وكما قال أديب فرنسا العظيم فيكتور هوجو
“من فتح مدرسة أغلق سجناً….”
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post