وجهة نظر:
//الهزيمةُ الثقافيةُ….. هي الطلقةُ القاتلةُ //
كلّ كبوة للجواد يقف بعدها وقد قُدّ من جَلَدٍ وإصرار وعزم وثبات .وكلّ هفوة و كلّ خسارة وكلّ هزيمة وكلّ انتكاسة اقتصادية وسياسية ، يمكن النهوض منها وقد تعلّمنا الدرس لنستمر في دربنا بقوة شكيمة واقتدار وتجربة، إلا الهزيمة الثقافية . فهي آخر الحصون وأعتى المعاقل، لو سقطت فلا قيامة لها. بل هي الضربة القاضية وإعلان النهاية.
الثقافة هي المؤثّر الفعلي في كل ما حولنا وهي الركيزة وعماد الأمة لذلك قيل :”إذا أردت أن تعرف أمة فانظر إلى فنونها”
الفنان الحقيقي ينقل بعضا من ذاته إلى الناس.بعضا من شجونه وميوله وشؤونه وانفعالاته.وهو الذي يفتح بصيرتنا إلى كل ماحولنا من أشياء لم نلحظها ببصرنا .وهو الذي يشاركنا المشاعر الانسانية النبيلة في هذه الحياة .
الفنان يا سادتي يأخذ من الواقع طينه ويعجنه برهافة حسّه ووعيه وثقافته فيرقى بنا،ويجعلنا ندرك هذا الواقع بطريقة أرقى وأنقى .فنعالج مشاكلنا ونقوّم أنفسنا ونصلح ما تعطّل فينا .ذلك ان الفنّ رفض لكل ماهو سطحي وبسيط .رفض للرداءة ودعوة إلى كل ماهو سام.
هذا هو الفن. إنه نوع من الخلق ،هو ذاك الشيء الذي تستسيغه الروح وتستحسنه الحواس، وترى فيه نوعا من الحياة :شيئا يجعل الذات تعيش مع كيانها وروحها وجوهرها لحظات من المتعة بروعة وجمال.ذلك أنه يقترن بالنبل والخير والذوق الرفيع وبعبارة أخرى يعتبر الفنُّ تفسيرا للوجود برؤيا إبداعية.
اليوم كلمة الفنّ وفنّان أصبحت تُتداول بابتذال، فقد جرّدوها من السموّ الإبداعي ومن بريقها السّحري وقيمها الجمالية والخبرة الحياتية والخيال والخلق والحلم الذي يستمد منه الفنان الحقيقي رؤيته .وصار ابتذالا وتهريجا في توجّه مخطّط له ،هو نظام التفاهة وهو خيانة للفن الحق.
اليوم ما يتواجد باسم الفن من إسفاف واضمحلال وتضليل هو الطلقة القاتلة وهو السهم الذي أصاب الذائقة الجمالية وأسقط كل ماهو قيمي وأصيل ونقي.فالفن هو الذي ينقل هموم الناس اليومية لا “الفضلات اليومية” وهو الذي يعالج مشاكلنا لا الذي يوقعنا في بوتقة المشاكل ..هو جسر يأخذنا إلى الأجمل وليس الفخ الذي يسقطنا في مستنقع الفراغ والانبتات والتيه والضياع والانحطاط الأخلاقي ….
هذا الشيء الذي انتشر وعشّش أبدا لن يغنينا عن الفن الأصيل ولن يكون بديلا عمّا فهمناه وتعلمناه ولن يصدّنا عن حضور الأمسيات الشعرية الحقيقية والمهرجانات البنّاءة المدروسة والأفلام الهادفة والمسرحيات الجادّة وقراءة الكتب والعزف والرسم …كل ذلك هو منهل الثقافة وغذاء للرّوح ونماء للعقل.
مايعرض اليوم في الساحة المناحة للثقافة إلا “طائفة قليلة” لا يمكن أن نطلق عليه “فنّا”.قد يكون عرضا فرجويّا أو تهريجا أو أي شيء إلا أن نعتبره فنّا.إذ لا يمكن أن يكون “فنّا”.
ما يعرض اليوم في أغلبه له هدف واحد : خدمة أغراض شخصية أو جمع المال أو البحث عن موقع “زائف ومشبوه”باسم الفن والثقافة، وما أبعد هؤلاء عنها!!
ومهما يكن من أمر هذه الطبول الخاوية مازال الشعر خاصة يعلو دوما …ومازال ينبض قلبه في الفعل الثقافي ومازال دوره رياديا في الدفع بنا دوما إلى النهضة الحضارية…
تحياتي وتقديري.
//مفيدة السياري. تونس //