ظرفٌ طارئ يلجئ فوزي للسفر ليلا إلى القاهرةِ ؛ ومن ” محطةِ مصر ” يبحث عن ميكروباص ، وعلى شريط التروماي يلتقي رجلاً ضخماً يرتدي معطفاً يزيدُ من ضخامتِه ، ينفثُ دخانَ سيجارتِه ، تعلو ملامحَ وجهِه علاماتُ غضبٍ ، ينادي بصوتٍ خشنٍ :
- واحد القاهرة
يومئ فوزي برأسه للرجل
- تفضلْ يا أستاذ .. اتبعني .
يدخل للحارةِ الضيقةِ المظلمةِ ، يتبعه فوزي ، فيلمح السيارةَ وبها ركابٌ ؛ وبركوبه اكتمل العدد ، ينطلق الرجل ، وبينما يتأمل فوزي من بجواره حتى وجد أنَّ كلَ من في الميكروباص ينظرون إليه ، وإذ فجأة يتوقف السائق أمام باب مشرحة ” كوم الدكة ” فيسألَه فوزي :
- لماذا توقفنا هنا ؟!
- سأحضر حقيبة من عاملِ المشرحةِ لتوصيلها للقاهرة
ينطلق الميكروباص في الطريقِ الصحراويةِ ، متجهاً صوبَ القاهرةِ ، وعند بوابةِ الإسكندريةِ أطفأ السائق أنوارَ السيارةِ ، وتنحى بالسيارة جانباً ، ومرَّ من البوابةِ لا يشعرُ به أحدٌ وكأنَّ الواقفين على البوابةِ لا يرون السيارةَ مطلقاً ، فيبادرَه فوزي متسائلاً :
- لم فعلت ذلك ؟!
لم ينطقْ الرجل ببنتِ شفه ، ونظر لفوزي في المرآةِ بعينين لامعتين كعيني ذئب ؛ استشعر فوزي الحرج ، فنظر لمن بجواره ، فلم يلتفت له أحدٌ وكأنَّ كلَ من في السيارةِ على رؤوسِهم الطير . يحاولُ التحدثَ إليهم ولا مجيب له ؛ يتوجه للسائق
- ألن تضئ النورَ ؟!
وبصوتٍ غاضبٍ مشروخٍ
- اهدأْ يا أستاذ .
ينتابُ فوزي الشكُّ في سلوكِ السائق الفظ ، حتى الركابِ كأنَّهم أصنامٌ . كما أن السيارة باردة جدا ، ومع الصمت والظلام تغفو عيناه ؛ فيغطَّ في نومٍ عميقٍ ، يفيقُ من شدة البرودة ، فإذا به مُلقَى داخل حطامِ سيارةٍ ميكروباص علاها الصدأُ أثرَ حريقٍ قديمٍ أتى على كلِ ما فيها ؛ فيفزع ، ويخرج منها مسرعا، يتلفت حوله في الرمال يسرعُ للطريقِ الأسفلت ، وقد غلب عليه الظن أنَّه وقع مع زمرةِ لصوصٍ خدروه وسرقوا ماله ، لكن النقود كما هي لم تنقصْ ؛ تتملكه حيرة شديدة يسيرُ على حافةِ الأسفلتِ فيلمح ضوء مصباح فيهرول إليه وعنده يجد رجلا يقفُ أمامَ إطاراتِ كاوتشوك باليةٍ ، في هذا الخلاءِ الرهيبِ ، تتصارعُ الأسئلةُ في رأسه ولا يجدُ تفسيرا لما حدث معه
- السلامُ عليكم
- وعليكم السلامُ ، هل من خدمة ؟
باضطراب يقول فوزي :
- أبداً ، كنت مسافراً في ميكروباص ..
فابتسم الرجلُ قائلاً :
- ووجدت نفسَك مُلقى في حطامِ سيارةِ محترقةِ ملقاةِ داخلَ الرمالِ إلى جانبِ الأسفلتِ
- نعمْ !! وكيف عرفت ؟!
- إنَّها سيارةٌ قد انفجر إطارُها منذ أعوام ؛ فانقلبت بركابِها ؛ واشتعلت فيهم النيرانُ ، لقد شاهدت الحادثَ بنفسي ، وفشلت في إنقاذِ الركابِ ، وكلُ فترةٍ نقابلُ شخصاً تحضرُه الأشباحُ إلى هنا ، يعلم الله متى يتوقفُ ذلك
يضطرب فوزي من هولِ ما يسمع :
- إنْ تكرمت سأجلسُ معك ؛ حتى الصباحُ ؛ وأعودُ مع أي سيارةٍ تمرُّ علينا .
- كما تحبُ
انشغل فوزي بالطريقِ ، فلمحُ ميكروباص قادما نحوه ، فيشير إليه
وما أن بدأ بهدئ من سرعته ويتوجه نحوه حتى اطمأنت نفسه ، فيستديرُ ؛ ليشكرَ الرجلَ ، فلا يجدُ سوى ظلام الصحراءٌ الممتدةٌ ، ولا أثرَ للرجل ولا للإطاراتِ الباليةِ ، يقفزُ للسيارةِ مفزوعا فيكلمه السائق بصوت غاضب مشروخ :
- ما بك يا أستاذ ؟
يلتفت فيجد السائقَ نفسَه الذي جاء معه .
بقلم #سمير_لوبه
من المجموعة القصصية #كواليس