لقد تناولت في مقال لي منذ عام 2017 محذراً من سياسات اقتصادية ومالية ونقدية منها الدعم ، تحت عنوان ” دعم المواطن أم السلعة ”
وعندها تعرضت لحملات من التشويه والافتراء الذي اتجاوزه بيقين لان ما احاول ان اطرحه من خلال مقالاتي مبني على الخبرة والاطلاع على تجارب الدول والواقع الذي نعيشه بما يعزز ضميري الوطني وراحتي النفسية رغم كل الصعاب والمآسي ..
للاطلاع على المقال برجاء فتح الرابط المرفق https://ndb-sy.com/251/
كما انني آثرت اعادة نشر نفس المقال في موقع السفير سورية عام 2021
من ذا الذي يتوهم أن يتحقق أي نجاح في ظل غياب تطبيق قاعدة: “البقاء للأسوأ ، أم الأفضل “؟
النقد الاجنبي … حدود الازمة والخيارات المتاحة ، عبر تساؤل جدي حول من يدعم من … الشعب أم الحكومات !!
يتطلب ذلك بناء الثقة في السياسات المالية والنقدية مع المواطنين عبر اداء اقتصاد واقعي بين الحراك الاجتماعي والثقة بالمؤسسات وتقاسم الموارد الاقتصادية بعدالة ، وتغيير حقيقي عبر دراسة للمعايير الاجتماعية – الاقتصادية للتعافي والنهوض ، في واقع يفرض نفسه حول التحديث في السياسات والعدالة الاجتماعية ، لاعادة دوران الحركة الانتاجية وهي الحل الافضل لتجاوز الانهيارات .
حيث فشلت سياسات حكومية في ما أعلنت أنه مستهدف بالتشاركية او الاستثمار لمنشآت اقتصادية ، جراء مجموعة من العوامل التي تمثلت في التعجل في طرح الشركات دون تقييم موضوعي لقيمها السوقية ومفاعيلها الاستراتيجية ، والمساعدة في هيكلة وإعداد الشركات المستهدف طرحها للقطاع الخاص، وتحسين حوكمة الشركات ، مع عدم إبداء المرونة اللازمة لإتمام الصفقات ، نظراً لصعوبة تحديد الجدوى نتيجة تقلبات سعر الصرف في ظل ارتفاع معدلات التصخم والتدخلات .
تحديين رئيسين يتمثل أولهما في كونه لا يشكل بحال من الأحوال حلاً جذرياً لأزمة النقد الأجنبي التي نعانيها وتتفاقم منذ سنوات وهي اسلوب وتوفير النقد الاجنبي بأفضل الامكانيات ، في حين يتمثل ثانيهما في التداعيات السياسية التي قد تتمخض عن الاستجابة لبعض اشتراطات الدول التي قد تكون مانحة أو مشاركة أو داعمة
يُرجَّح إقدام الحكومة على مواجهة الأزمة عبر صياغة مسار يعتمد على دمج العديد من الخيارات، كالاستجابة لبعض الاشتراطات والتوسع في إصدار أدوات الدَّين، والاتجاه نحو طلب الدعم وأخيراً توسيع دائرة المستهدفين ببرنامج الطروحات الحكومية.
لا يمكن التعامل مع الخيارات المتاحة لتجاوز الأزمة الآنية على أنها حلول جذرية قادرة على حل الأزمة وتجاوزها دون رجعة؛ إذ يتطلب ذلك صياغة استراتيجية جادة قادرة على إيجاد حل لأزمة عجز الحساب الجاري، وسداد الديون المتراكمة.
لا بد من اليقين أن دور العقوبات الخارجية في تردي الواقع المعيشي والمالي “درجة الانهيار “، لكنها بالاضافة الى الحرب التي كانت سبب تهديم البنى الاقتصادية، وهجرة الرساميل والكفاءات، هي الأسباب الحقيقية لموجات الغلاء وتدهور معيشة المواطنين السوريين .
إن أهم نقاط قوة الاقتصاد السوري، قبل عام 2011، تحولت إلى أهم نقاط ضعفه اليوم، سواء الزراعة التي كانت تمثل 32% من الناتج الإجمالي المحلي ، والسياحة الى أقل من 5% ، كما تراجعت مساهمة الصناعة من 30% بالناتج المحلي، حسب تقارير رسمية، إلى أقل من 10%.
و تبدل عائدات النفط، من إنتاج 380 ألف برميل، يصدّر منها نحو 150 ألف برميل عام 2011، إلى إنتاج نحو 20 ألف برميل حالياً، واستيراد أكثر من 150 ألف برميل، وبالتالي فهي أهم أسباب تدهور الاقتصاد السوري مع ما يرافقه مظاهر الفساد من اقتصاد الحرب .
إن أسوأ أنواع القروض، هي الداخلية عبر السندات والأذونات، هي تلك التي تقترضها الحكومة لتموّل الشق الجاري بالموازنة العامة، سواء لدفع الأجور والرواتب، أو لتمويل قضايا استهلاكية، لأنها ستزيد من الأعباء على الحكومة، ولن تسعف بتحريك عجلة الاقتصاد، بل سيدفع الثمن المستهلك بالنهاية ، بعيداً عن الغاية من طرح السندات سواء بسحب فائض السيولة من السوق، بهدف موازنة العرض والطلب، وبالتالي تحسين سعر الصرف ( هذه الغاية تكون في الاقتصاديات الناهضة وفق خطط تنموية ونمو مقبول )
إن الهدف من الدين الداخلي، تمويل عجز الموازنة الصعب تقديره في ظل اختلال اسعار الصرف بعد الانسحاب التدريجي من دعم السلع الاستهلاكية ومشتقات النفط، لأن موارد الخزينة العامة، بتراجع مستمر، وقد عرّتها المستوردات واحتكارها ومنصات تمويلها ، وخاصة القمح والنفط، فيما تراجعت فوائض المؤسسات الحكومية وعائداتها .
لقد كان الأثر الأبلغ أو الأكثر ظهوراً على الاقتصاد ، وفق الإحصاءات السورية الرسمية ، تراجع الموازنة العامة من نحو 60 مليار دولار إلى أقل من 11 مليارا ( في ظل الظروف الحالية من الصعوبة تقديرها)
وبهذا تزداد نسبة الفقر ، ووفق وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث وبرنامج الاغذية العالمي ، هناك نحو 12.4 مليون شخص في سورية لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية .
في نفس السياق ،كشف أحد أعضاء اللجنة المؤلفة من مجلس الشعب والحكومة ( بالرغم من مخالفتها دستورياً ) خطوات وقرارات جريئة للحكومة فيما يخص الدعم، على المحروقات وتحرير أسعارها، إلى جانب سلسلة من القرارات التدريجية التي ستصدر تباعاً، بالتزامن مع زيادة للرواتب من خلال الوفرة المحققة من رفع الدعم .
وأضاف أن هناك عجزاً هائلاً وضيقاً حقيقياً، وخلال الجلسة الاستثنائية كانت هناك صراحة غير معهودة، معلقاً: ” الجلسة كانت للتهدئة والراحة النفسية للشارع، خاصةً أنه لا يمكن إنكار أن الناس محبطة، بالتزامن مع الأداء الحكومي غير السويّ والإصرار على أخطاء اقتصادية على أنها الممكن فقط”.
وللعلم فان قياس خط الفقر وهو خط عالمي، يجب أن يحصل الفرد على دولارين في اليوم الواحد ، وبالتالي فان اسرة من اربع افراد يجب الا يقل دخلها عن مليونين ونصف ليرة سورية كي لا تقع تحت براثن الفقر المدقع .
اقتباس ( الاستاذ زياد غصن ود الياس نجمة )
“لن نتحدث عن نسبة من سيدخلون في دائرة الفقر المدقع، ونسبة الذين سوف يتنقلون من دائرة الانعدام المتوسط في الأمن الغذائي إلى دائرة الانعدام الشديد، لكننا نود أن نسأل: هل هذه الحكومة قادرة على إدارة تداعيات ما سيحدث من تضخم؟ كما يعتقد الدكتور نجمة فإن هناك عدة عوامل تشكك بقدرة الحكومة على التمكن من إدارة مرحلة ما بعد رفع الأسعار منها: الإمكانيات والموارد محدودة جداً، تأزم الأوضاع الإقليمية والدولية وهو ما ينعكس سلباً على الملف السوري والحل السياسي، والأهم أن هذه الحكومة لا تملك آفق فكرية ومعرفية تمكنها من قراءة المعطيات والتعامل معها على أسس علمية كما فعلت دول كثيرة في أمريكا اللاتينية وآسيا تعرضت لموجات تضخم وتمكنت من مواجهتها “.
انتهى الاقتباس
باعتقادي كل ما تقدم يستوجب الاسراع في مشاريع التعافي المبكر بأكبر قدر من المرونة للاطراف المختلفة وتنظيم برنامج إعادة البناء ، وعلى الأخص بعد أن تم تقدير خسائر الحرب بما لا يقل عن 650 مليار دولار ، عدا الخسائر في العنصر البشري والكفاءات السورية ، “ما يعني أننا أمام أكبر خسائر حرب ، ربما منذ الحربين العالميتين “.
مع تنظيم وتفعيل شبكة الضمان الاجتماعي والمسؤولية المجتمعية للشركات الكبرى ، بعد تحديد هوية الاقتصاد السوري بشكل واضح وصريح وشفاف بعيداً عن التخدير ، وادارة هذا الملف من قبل مختصين يمتلكون الحكمة والخبرة .. مع ترافق كل ذلك بالرؤية الاجتماعية التي من شأنها التخفيف من الفوارق ودعم القطاعات والافراد الاكثر عوزاً .
والى لقاء آخر
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post