ضمن قواعد الاشتباك المتعارف عليها في منطقتنا الأوسطية ، وبعد التطورات الكبيرة انعكاساً للحرب في اوكرنيا وغزة ، التي ألقت بنيرانها الكثيفة نحو لبنان وسورية والعراق واليمن وايران وملاحة البحر الاحمر … ما يستدعي السؤال الحاضر ؟
هل ستتحول الصراعات والاشتباكات والحروب الى حلبة مفتوحة بعد انكفاءها سابقاً ضمن حلبة مغلقة ، المعضلة الأكبر ان نموذج الحلبة المفتوحة يزيد من مخاطر اندلاع حرب حتمية في منطقتنا ، قد لا تريدها جميع دول المنطقة والعالم باستثناء اسرائيل ، في ظل سعي دول عديدة في المنطقة ، ألا تمس الحرب اراضيها وأن تكون حلبات الصراع خارج جغرافيتها ..
لقد أدى الهجوم على الجنود الامريكيين في الاردن (البرج 22 ) وغموض الرد الامريكي المباشر ، الى انقسامات سياسية اضافية في الكونغرس الامريكي ،
وردّت الولايات المتحدة يوم الجمعة 2 فيراير / شباط 2024 على القوات المؤيدة لإيران حسب ادعائها باستهداف مواقع لفيلق القدس والحرس الثوري ، حسب تصريحات القيادة المركزية الامريكية بضربات جوية في سورية والعراق ( 85 هدفاً ) الذين تعتقد واشنطن أنهم مسؤولون عن الهجوم على القاعدة الامريكية في الأردن الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود وجرح ما يزيد عن 37 جندي في 28 يناير / كانون ثاني 202
في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”
ما يفيد ،إن إسرائيل تخسر الحرب الآن على عدة جبهات ، فقد خسرت حرب السرد على غزة و تفقد أيضاً القدرة على الحفاظ على أمنها ،ووقفت أمام محكمة العدل الدولية ،وتخسر على جبهة الاستقرار الإقليمي حيث باتت هدفاً لحركة المقاومين المختلفة المناحي والاتجاهات ، ولكن في الوقت نفسه، يمكن الحصول على صفقة وقف إطلاق النار في غزة ، مع تبادل الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس مقابل السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ،والتي سيحاول وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال زيارته للمنطقة تقديمه كخيار إلى نتنياهو مع الاشارة الى أن التطبيع مع المملكة العربية السعودية مشروط بالتزام المشاركة على خطة طويلة الأجل لدولة فلسطينية .
وهو ما يتلازم مع تصريحات وزير خارجية بريطانيا ووزير الدولة لشؤون الشرق الاوسط ،الجديدة والتي تعتبر تطوراً لافتاً في موقفهم بشأن الدولة الفلسطينية ، والدور الكبير للسعودية في تلك المشاورات .
ولكن من طرف آخر ، فإن الدول الغربية ومن يركب في سفينتها ، تُسارع الى فرض عقوبات على الدول التي يعتقدوا باختلال منظومات الديموقراطية وحقوق الانسان فيها ، دون الالتفات الى معاناة الشعوب وحقوق الناس بالعيش وتوفير مستلزمات الحياة ، وفي كثير من الاحيان تبدو تلك العقوبات في إطار مسيّس للضغط على الحكومات التي لا تسير وفق برامجها ، وبالرغم من ذلك فإنها لا تلجأ الى فك أو تقليص تلك العقوبات في حال بدء المسار في المنظومات الاصلاحية تحت نفس العناوين التي فرضوا بها عقوباتهم ، وفي حالات عديدة يتم تغليظ العقوبات بدلاً من تليينها وتهذيبها لتصبح حافزاً أكثر تسارعاً في هذه الاصلاحات .. وبالتالي أضحت العديد من المؤتمرات والشعارات في مهب الريح والذاكرة ( الاتحاد من أجل المتوسط ، التعاون الاورومتوسطي ، السلام والامن الاقليمي في دول الشمال والجنوب ، دافوس … ) وكذلك الأمر بالنسبة لمجلس الأمن الدولي والامم المتحدة ومنظماتها ، فالعقوبات التي تم فرضها على العراق مثلاً منذ تسعينيات القرن الماضي لم تزل سارية المفعول بالرغم من ان العراق انتقل الى المنظومة الديموقراطية في الحكم .
إن الحوارات الاستراتيجية بين امريكا والعراق التي تجري في هذه الفترة ، بخصوص انسحاب القوات الامريكية منها ، لاستعادة السيادة التامة للعراق على جغرافيته ، تُعد أمراً ضرورياً وايجابياً اذا ترافق مع خروج كامل للقوات الاجنبية ،ولكن الشروط الاميركية تحتم تنسيق أمني وسياسي متكامل مع الشق الاقتصادي في ترتيبات الانسحاب ،
ولكننا نجد في نفس الوقت ، أن الضربات الامريكية يوم الجمعة 2 فبراير / شباط 2024 على العراق وسورية ، هي بمثابة رسالة بالغة التأثير على المستوى العسكري والامني والاستراتيجي للمنطقة عموماً ، نظراً لقيام غارات عبر طائرات مقاتلة بينها قاذفات بعيدة المدى انطلقت من الولايات المتحدة الامريكية ، ( مع تنديدنا المتواصل لانتهاك سيادة الدول والقيام بالقصف والتدمير والقتل للمدنيين الابرياء ) .
إن الولايات المتحدة تشابه في أعمالها ملك الغابة العجوز ، ولديها العديد من الندوب في المعارك التي لا يمكنها الظهور فيها ، والهدير بصوت عال لإصرارها أن يفعل الجميع ما تريده في العالم ، وقد تكون فقدت “ادارة التعقيد complexity management ” في البلدان (القوية غير الهشة) حيث يتيح المجال المعرفي الذي يدرس فاعلية الادراك البشري لبلوغ نتائج مستقرة مستدامة ، بغية حصول حالة التحسن المرغوبة على المستوى الجزئي والكلي ، ويأتي ذلك في نطاق توافر نظام مناسب وهيكل تنظيمي متسق يسعى الى تحقيق اهداف محددة بشكل ايجابي في الامد البعيد
إن القيمُ ضرورة لأنسنة الإنسان ، فالانسان بلا قيّم يخرج من إنسانيته ويتحول إلى كائن متوحش مخيف ، فالقيمُ مُثل سامية يتطلع ويسعى الإنسان لها ، لتتكاملَ شخصيته، ويثري حياتَه بالمعنى ، ولن يبلغ مداها الاقصى إلاّ الأفذاذ من البشر .
هي ضرورة للحياة الإنسانية، وهي شرط لوجود كل مجتمع حيوي خلاّق ، وأهمها ثلاث مجموعات من القيم التي ينهل منها الإنسان وتشبعُ متطلبات معنوية أساسية لحياته ، وهي القيم الروحيَّة ، والأخلاقيَّة، والجماليَّة، ولكل واحدة منها وظيفتها الأساسيَّة، وكل منها يحقق للإنسان احتياجات أساسية في حياته وعلاقته بالمجتمع ، ولها علاقة عضوية من التأثر والتأثير المتبادل، فوجود كل منها يعزز وجود الأخرى ويثريها، وترسيخ كل منها يرسخ وجودَ الأخرى ويكرّسها بشفافية لخدمة الانسانية
من زاوية أخرى ، رفعت دولة الامارات العربية المتحدة تمثيلها الدبلوماسي في دمشق بوصول السفير “حسن احمد سليمان الشحي ” سفيراً مفوضاً وفوق العادة الاسبوع الماضي ، كما قررت المملكة العربية السعودية إعادة افتتاح سفارتها في دمشق ،وليصبح السيد عبد الله الحريص أول دبلوماسي سعودي يمارس مهامه الرسمية في دمشق منذ العام 2012.
يأتي قرار المملكة هذا ، في فترة دقيقة تمر بها المنطقة ، وقد يساعد في إعادة التوازن وفق العلاقات التاريخية بين البلدين ويساهم في تعزيز الاستقرار والسلام والتنمية المستدامة في المنطقة وسورية على الأخص بجهود عربية مخلصة تحرص على حقوق الشعب السوري ومستقبله .
ونستذكر في هذه الاوقات ، أن لا حياةَ أخلاقيَّة بلا قيّمٍ كلية كونيَّة تتجاوز الزمانَ والمكان والواقع، وتتموضع بوصفها معايير ثابتة للحق والخير والعدل والفضيلة والسلام والصدق والكرامة والمساواة والحرية والأمانة ،تتناغم على الدوام وإيقاعَ رؤية الإنسان للعالَم وعلومه ومعارفه ، ولا تتنكر للحقِّ في الاختلاف، والحقِّ في الاعتقاد، والحقِّ في التفكير، والحقِّ في إبداء النظر ، والحقِّ في التعبير
باعتقادي ، أن الأسبوع المقبل أو نحو ذلك من المرجح أن يكون الأكثر أهمية في حرب غزة ( طوفان الأقصى ) ، وقد تكون بداية لتسويات عديدة في مناطق الحرب والصراع المحتدم وصولاً الى اوكرانيا – روسيا ، وان كل تأخير في القرارت والتسويات المطلوبة …مصيبة ستزيد من حجم الوضع الحرج الذي نحن فيه …
ختاماً ، نستلهم من أمير الشعراء أحمد شوقي هذه الأبيات :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن هُم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم * فأقم عليهم مأتماً وعويلاً
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي …
Discussion about this post