الشاحنات كانت متوقفة عند معبر العبودية. قيل، أمس، إنها انطلقت إلى داخل الأراضي السورية، ثم تردّد أنها متوقفة في انتظار «المراقب القضائي»، على أن تنطلق لاحقاً. مع ذلك، لا يهم ما قيل وما يتردّد. ما يهم، هنا، هو حمولة «شاحنات العبودية». فهذه، ستأخذ القمح المجبول بمادة «الأوكراتوكسين» المسرطنة (الذي كان مخزناً في عنابر مطاحن «لبنان الحديثة» المقفلة بقرار قضائي لعدم استيفائها الشروط الصحية) لتبيعه في سوريا، بقرارٍ قضائي. فأول من أمس، صدر قرار عن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الناظرة في قضايا العجلة، يقضي بـ«رد طلب وقف تنفيذ البند الثالث الوارد في قرار قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد المعلوف»، والمتعلق بـ«إخراج القمح الذي يتعدى معدل الأوكراتوكسين فيه النسبة المسموحة في لبنان إلى خارج البلاد (…)». وهو الطلب الذي كانت قد تقدّمت به مجموعة من المحامين والجمعيات، من خلال «استحضار استئنافي» في 22 من الجاري، وتمكن من خلاله هؤلاء من الحصول على «وقف تنفيذ مؤقت» للبنود الثاني والثالث والخامس الواردة في قرار القاضي معلوف.
لكن، مع القرار «النهائي» الصادر أول من أمس عن محكمة الاستئناف المدنية، انتهت مفاعيل قرار وقف التنفيذ المؤقت، ليصار إلى تبرير «وقف تنفيذ البند الثاني المتعلق بالترخيص للمستدعى بوجهها بيع النخالة الموجودة والبند الخامس الذي يرخّص بيع الطحين الموجود في أرض المطحنة كعلف حيواني في ضوء نتائج التحاليل التي تبين نسبة شوائب حيوانية عالية تجاوز المواصفات المطلوبة وتجعله غير صالح للاستهلاك». أما بالنسبة إلى البند الثالث، فقد رفضت المحكمة طلب وقف التنفيذ. وعلى هذا الأساس، يدخل القمح «المسرطن» إلى سوريا… بقرارٍ قضائي. هكذا، صدر قرار «التسفير». ولئن كان القضاء أرفق موافقته بـ«التأشير على المستوعبات التي تتضمن القمح المذكور بأنها موضوع تدبير قضائي (…)»، إلا أن الأسئلة مشروعة هنا: من سيضمن بقاء «تأشيرة» التدبير القضائي بعد المعبر؟ من سيراقب حينها؟ من سيضمن لمن سيباع القمح المسرطن في البلد الذي يمكن المتاجرة فيه بأي شيء في ظل الحرب؟ وأين؟ وكيف؟ أما السؤال الذي بات أشبه بالهاجس، كيف يسمح القضاء بخروج قمح مجبول بـ«الأوكراتوكسين» إلى سوريا أو أي بلد آخر؟ أليس مفعول المادة قاتلاً للكل؟ أم أن في التصدير حسابات أخرى؟
أسئلة راحت بلا أجوبة في ظل صدور القرار النهائي. مع ذلك، لا بدّ من التذكير بأنّ هذا القرار «مخالف»، بحسب المتابعين للملف. مخالفة «أهلية بمحليّة» لقوانين ومراسيم اشتراعية لعل أهمها ما نصت عليه المادة 109 من قانون حماية المستهلك التي «تعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من مئة مليون إلى ثلاثمئة مليون ليرة، من أقدم وهو عالم بالأمر على الإتجار بمواد غذائية فاسدة أو ملوّثة أو منتهية مدّة استعمالها أو حتى التعامل بها». وأكثر من ذلك، «يجري إتلاف المواد الغذائية الملوّثة أو المضرّة بالصحّة أو غير الصالحة للاستهلاك البشري بشكل لا يسمح بإعادة استعمالها أو تصنيعها»، كما نصت المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 71. وكل مخالفة لأحكام هذا المرسوم، يضع المخالف في مواجهة «الحبس».
وعلى هذا الأساس، تعدّ مخالفة كل هذه النصوص القانونية «جرماً جزائياً»، بحسب ما ذُكر سابقاً في الاستحضار الاستئنافي الذي تقدمت به مجموعة من المحامين والجمعيات. أما، وقد صدر عن القضاء، فماذا يسمّى ذلك؟
Discussion about this post