في ظل غياب مشروع وبرنامج عربي على مستوى الوطن العربي او على مستوى الدول وبروز مشاريع وبرامج دولية واقليمية في منطقتنا كالمشروع الامريكي والروسي و التركي والايراني والكيان الصهيوني …
لنا أن تتساءل : اما ان لنا – نحن العرب -ان نشخص أمراضنا التي باتت مزمنة كي نعالج أوضاعنا فتكون لنا مكانتنا بين الأمم ؟
ربما علينا أن نعيد النظر فالبداية الحقيقية تبدأ من المدرسة من المناهج من التنوير و الثقافة والعلم والتعليم والتربية والأخلاق ، للأسف نعيش أزمة عميقة جدا !!
هذه الأزمة التي تعصف ببلادنا العربية قد تؤدي الى مزيد من التقسيم والتفتيت ، فهل نحن ماضون الى عالم المجهول والتخلف ؟
إن الإعلام هو الأساس في التأثير الفاعل وله الأثر الكبير في توجيه السلوك البشري ، وفي إعلامنا العربي أكاد أجزم أنه لا توجد قناة فضائية إعلامية ناطقة باللغة العربية تهتم بالثقافة والتربية والاخلاق والإنسان والتنوير ، والمؤسف أن معظم تلك القنوات يعمل على تأجيج الصراعات الدينية والمذهبية والقومية والمناطقية خدمة للمشاريع والبرامج الدولية والإقليمية الهادفة الى القضاء على حضارتنا وانسانيتنا – انه شكل من أشكال الاستعمار الجديد الهادف إلى استثمار بلادنا وشعوبنا حسب مصالحه .
وفي بعض بلداننا نرى نظم الاستبداد لا تزال على طبيعتها المتسلطة وتهدف الى الحفاظ على نهجها واستمرارها التعسفي فإذا هي لا تنتج علماء ولا سياسيين ولا مفكرين سوى تحت اجنحتها وضمن جوقتها ..
ومن هنا يتوجب علينا ان نحافظ على مالدينا أصالة ونسعى إلى تطوير التراكم المعرفي وليس الديني فقط ، مستخدمين أدواتنا الفكرية في العلوم الاجتماعية والانسانية والفلسفية والتنوير الثقافي.
ولا شك أن المرحلة القادمة تتطلب فكرا جديدا حرّاً واعياً مثقفاُ .. وقادراً على تحمل أعباء المسؤولية التاريخية بكل أمانة ، سعياً لمرحلة نمو جديدة في بلادنا ، هذه البلاد التي عانت الكثير وما زالت تعيش المعاناة ، وقد زادت فيها التحديات واتسعت دائرة الطمع والفساد و الطموحات النرجسية ، حيث ارتفع سقف التوقعات .
لقد انتهت لعبة خلط الأوراق، ودخلت المنطقة في مرحلة الترتيب وخلق تحالفات وتكتلات إقليمية نجدها ظاهرة من خلال اجتماعات موسكو –انقرة– طهران –قمة العشرين في الصين ، بعيدا عن القاهرة والرياض. فالعاصمتان غارقتان في بحر هائج من الخلافات، القاهرة تصارع موج سياساتها والاقتصاد الذي أنهك قواها الداخلية وجعلها عاجزة عن لعب دور خارجي، والرياض مأزومة داخليًا؛ بسبب خلافات عائلية على القيادة ، علاوة على تورطها في مستنقع اليمن وتدخلها اللامشروع والبعيد عن الحيادية والمبني على حسابات مذهبية .في شؤون لبنان وسورية وليبيا والعراق …واستنزاف مواردها الاقتصادية
وقائع الاستبداد في البلدان العربية ليست فقط هى المسؤولة بمفردها عن تشويه حضارتنا الانسانية . و إخفاقنا الجماعى فى تعزيز الانتصار لحقوق الإنسان والحريات وفى بناء المجتمعات الحديثة المستندة إلى المساواة والتسامح وفى التمكين لدول وطنية لا تختزل فى حكم سلطوي أو فى حروب الطوائف وصراعات العصبيات وتلتزم مؤسساتها قيم العدل وسيادة القانون وتداول السلطة عبر الاختيار الحر للشعب ليست، هى وحدها التى تودي ببعض أطراف مجتمعاتنا الى الجهل والتطرف والعنف والإرهاب. بل ان إقصاء العقل وحرية الإبداع والفكر والرأى هى التى تباعد بيننا وبين مسارات التقدم والتنمية المستدامة.
لا، ليست الحقائق الكبرى للمجتمعات والدول الوطنية والحياة السياسية والمجال العام هى المتسببة بمفردها فى مأساة العرب المعاصرين.
والحق يقال فإننا جميعنا كأفراد مشاركين فى تشويه إنسانيتنا حين نقبل التمييز ضد الآخر سواء الدينى والعرقى والاقتصادى والاجتماعى والمناطقي …ولا نواجه الطبيعة العنصرية لدى البعض التي تنزع عن الآخر كل قيمة أخلاقية وإنسانية ووطنية؟
ولا شك أنه تتشوه إنسانيتنا فى حياتنا الأسرية بسبب استمرار التمييز ضد النساء وتعريضهن لجرائم العنف الجسدى والنفسى ثم نردها الى تقاليد بالية وادعاء زائف بالاستناد إلى التقاليد والتعاليم الدينية؟
ان قبولنا التمييز ضد الآخر وباضطهاد المراة والأطفال تحملنا مسؤولية عن مظالم وانتهاكات صارخة للحقوق وللحريات سرعان ما تتسع دوائرها وتتنوع أنماطها وتتعدد هويات مرتكبيها فى شتى المجالات !
وهذا ما جعل بعض منظومات الحكم والسلطة ،وإن جزئيا، تستغل اعتياد الناس على التمييز والاضطهاد فى المجال الخاص لكى تبرر قمعها وقيودها وملاحقاتها وصنوف عقابها.
فى مجالنا الخاص تتقولب وقائع الاستبداد فى سلطة ذكورية تستند إلى الفكرة الحمائية التى تعهد إلى رب الأسرة بمهمة حماية أعضائها وتخضعهم فى المقابل إلى إرادته الانفرادية وتلغى إرادتهم الحرة وتعرضهم للرقابة والمساءلة وتتشابه وقائع الاستبداد الذكورى فى المجال الخاص في الشركات والمصانع على العمال والموظفين والفلاحين و…مع وقائع استبداد ومنظومات الحكم السلطوية فى المجال العام، بل إن الإحالة إلى الفكرة الحمائية تستنسخ من دور رب الأسرة ويدفع بها باتجاه السلطة.
ان قبول الاستبداد الذكورى فى الحياة الأسرية والاستسلام لمظالمه وانتهاكاته أو الصمت عليها مسئوليتنا المباشرة عن استنساخ نموذج مشابه فى المجال الخاص والعام وفى إطار المجتمع والدولة الوطنية. ، والانتهاكات التى يرتكبها االبعض وعلى المساس بسيادة القانون وإهدار قيم الرقابة والمساءلة والمحاسبة .
وفيمل يتعلق باقصاء العقول وطرائق التفكير العلمية والموضوعية وحريات الإبداع والفكر والرأى المستندة إليه، فيحدث فى المجال الخاص كما فى تفاعلاتنا كأفراد مع وسائط مجتمعية كالنظم التعليمية والهيئات الدينية ومؤسسات العمل والنشاط المهنى تهيئة كارثية للمجال العام وعموم الأطر المجتمعية ومؤسسات الدولة الوطنية للتورط فى الجنون. ننتقل من الاستبداد الذكورى فى الحياة الأسرية فنلتحق بوسائط مجتمعية تخاطبنا دون شرح بقوائم الصواب الخالص والخطأ الكامل وبثنائيات الحلال والحرام وبقواعد المسموح والممنوع، وتفرض علينا الحقائق المطلقة والرأى الواحد دون نقاش، وتمارس الاستعلاء برفض النقاش ورفض الحوار العلمى والموضوعى وبإنتاج وترويج الاتهامات بالجهل والفساد (النظم التعليمية) والكفر (الهيئات الدينية) والتورط فى التخريب (مؤسسات العمل فى القطاعين العام والخاص) باتجاه الأفراد المتمسكين بحقهم فى احترام العقل وبحقهم فى الحرية ضمن مجتمعاتهم .
وعندها تصبح جد قصيرة تلك المسافة الفاصلة بين حقائق تغييب العقل فى السياقات المباشرة لحياتنا وبين اقصاء للعقل واحتفاء بالعبث تمارسه منظومات حكم سلطوية تميت السياسة وتحاصر المجتمع المدنى وتهجر المواطن من المجال العام حلقة مفرغة كبيرة ندور فيها لا تقدم دون استقرار،ولا استقرار دون توافق وطنى، ولا توافق وطنى دون عدل ، ولاعدل دون ديمقراطية، ولاديمقراطية دون عِلْم .
سورية للجميع وفوق الجميع ، والى لقاء اخر
Discussion about this post