سادت حالات الارتباك الغير المعتادة في عالم تخّبط بمواجهة أزمات لم يُحسن التوقي منها.
مخاطر عديدة منها سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية وجرثومية وبكتيرية …تنحصر معظم اسبابها في فرض الارادات وتقليص الخيارات وخفض مساحة الحوارات … مثلما قد ادى تجاهل جائحة كورونا وآثار الانبعاثات الضارة بالمناخ والبيئة، الى تغيير معادلات الطبيعة من زيادة حدة الوفيات والفيضانات والأعاصير وانتشار حرائق الغابات وأزمات التصحر والجفاف بضحايا من البشر وخسائر في البنى، لحساب طيف من المنتفعين بالأوضاع القائمة مدداً طويلة دون محاسبة دعماً لمصالح الانكار والتجاهل.
الخطر القادم، في تحول الارتباك إلى فوضى مع مشكلات في إدارة الازمات، لن تكون الاخيرة ويدفع ثمنها البريءُ قبل المذنب.
يرى كثير من الفلاسفة أن هدف الفلسفة الرئيس هو تخليص الإنسان من الخوف، ويرون أن الخوف من الموت هو المصدر الرئيس للخوف وأساسه،
تساهم الأزمات عادة بزيادة وتيرة الخوف، ولكن أي خوف؟ الخوف من المستقبل كأساس ومرتكز، وتزداد الخطورة كلما ازداد الخوف، (فمثلاً عند ارتفاع أسعار حوامل الطاقة تزداد مخاوف الناس كونها إحدى السلع الرئيسية في الحياة المعاصرة) دون ايجاد البدائل أو ابتكار الحلول الناجعة التي من شأنها الحد بتوجه البشر الغريزي بالانتماء الى الحلقة الاضيق في مجتمعه بما يهدد البنى المجتمعية ويزيد من مخاطر انقساماتها.
وسط هذه الأزمات يناضل الفلاسفة، وعلماء الاقتصاد، ورجال الدين، وخبراء الإعلام لتخليص الناس من خوفهم أو تقليل منسوب الخوف لديهم في الازمات، حيث يشكل تدهور الاقتصاد وسبل العيش والتفاوت المجتمعي أصل الكارثة وعمودها الفقري.
دون أي تهويل تتعرض معظم بلدان العالم الى مخاطر أمنية وعسكرية واجتماعية وانسانية، وقد تشكل أخطر حالة اقتصادية في التاريخ المعاصر، حيث تزداد ظواهر الخسائر وإفلاس الشركات والقروض المتعثرة وزيادة التضخم والبطالة وتكاليف الديون الخارجية وسندات الدين العام المحلي … مما يستدعي حكومات إنقاذ اقتصادي – اجتماعي … قبل موجات الانفجار الشعبوية.
إن تحميل مسؤولية الحرب في أوكرانيا للرئيس بوتين ومستشاريه يتجاهل تطلعات روسيا التاريخية كأمة استثنائية وقوة كبرى، وباعتقادي انه من الضرورة على امريكا والغرب تعديل مسار تعاملها مع روسيا وفق هذه النظرة لوقف الحرب، فكلما ازدادات التفسيرات بين الغزو والتدخل تزداد الخلافات والعقوبات، في الوقت الذي لن تقبل فيه روسيا سوى النصر في أوكرانيا (بعيداً عن المعايير الحقوقية والانسانية..) وهنا مكمن الخطر في صراع الأمم والقوى العظمى.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد صرح في الشهر الماضي، محذراً أوروبا بقطع إمدادات الغاز الروسي
” للبلدان غير الصديقة ” إذا لم تدفع بالعملة الروسية (الروبل) رداً على العقوبات المفروضة بسبب ما تصفها روسيا بأنها «عملية عسكرية خاصة» في أوكرانيا ،من ناحية اخرى ، أجرت الصين الاسبوع الماضي تدريبات عسكرية حول تايوان رداً على زيارة وفد امريكي للدلالة على “الاشارات الخاطئة” التي ترسلها الولايات المتحدة.
وحذر السناتور الأميركي ليندسي غراهام، الصين من أنها ستدفع ثمن دعمها لروسيا في خضم الحرب مع أوكرانيا، مؤكداً وقوفهم «بجانب تايوان» التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها، وأضاف أن «التخلي عن تايوان سيعني التخلي عن الديمقراطية والحرية»
في اشارة جديدة من الرئيس الامريكي خلال اجتماعه مع رئيس وزراء اوكرانيا في واشنطن تحدث قائلاً ” ان وحدتنا في الداخل ووحدتنا مع حلفائنا وشركائنا ووحدتنا مع الشعب الأوكراني توجه رسالة لا لبس فيها إلى بوتين، مفادها أنه لن ينجح يوما في السيطرة على أوكرانيا واحتلالها. لن يحصل ذلك، لن يحصل ذلك ” وأضاف
“سنواصل أيضا تصعيد الضغط على بوتين وعزل روسيا بشكل أكبر على الساحة الدولية ،
ولا نعرف الى متى ستستمر هذه الحرب، ولكن ما نعرفه بينما نقترب من الشهرين على بدايتها، فشل بوتين في تحقيق طموحاته الكبرى في ساحة المعركة. ولا تزال كييف صامدة بعد أسابيع من قصفها، ولا يزال الرئيس زيلينسكي وحكومته المنتخبة ديمقراطيا في السلطة، وقد تمكنا من توحيد العالم بأسره في هذا الجهد “.
حرب التكنولوجيا والمعلوماتية المتقدمة وتسييس الاعلام لخدمة الارادات ، والتقنية العالية في تحديد الاهداف والتشويش وتبديل الاحداثيات وضبابيتها ومدى قدرة استخدام منظومة GPS وتغطيتها ، حيث تمتلك امريكا هذه المنظومة بغطاء تام على ارجاء المعمورة ، بينما ما هو معروف ( لا نعلم حقيقية الامر ) ان الدول الاخرى لديها منظومات لا تغطي سوى ما لا يزيد عن ثلث المساحة المحلية والاقليمية ، ولهذه التكنولوجيا والتقنية انعكاساتها المباشرة على القدرات العسكرية والامنية في حال ايقاف هذه المنظومة من امريكا وما يتبعه من كوارث في الجو والبحر والارض بسبب اعتماد هذه المنظومة بشكل كلي في الطيران والاساطيل …
في المقابل تستطيع روسيا ان تحرم العالم كله من الانترنيت عبر استهداف الكوابل البحرية الدولية!
الحذر أن المساحات والفضاء مفتوح للفعل ورد الفعل من قبل الدول الكبرى في سباق اعتلاء الوصول الى عرش حكم العالم أو التأثير فيه.
لم تنجح منظومة الحكم السياسية التي عبث فيها الاحتلال الامريكي في العراق، في الاتفاق على عقد سياسي جديد. قال ذلك صراحة الرئيس العراقي برهم صالح في الذكرى التاسعة عشرة المشؤومة لسقوط بغداد (سقوط العرب)
محذراً من استمرار الأزمة السياسية والحاجة مُلحة لتلبية مطلب العراقيين بحكم رشيد، ومعالجة الخلل البنيوي في منظومة الحكم، وجدد صالح الدعوة إلى «عقد سياسي واجتماعي ضامن للسلم الأهلي، يقوم على مراجعة موضوعية لأخطاء الماضي».
في اليمن، وبعد تقدم ملموس في اجتماعات الرياض بين المكونات الوطنية اليمنية تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني برئاسة الدكتور رشاد العليمي، وفي تحرك سريع بحث مع الحكومة ومحافظي المحافظات أولويات المرحلة الراهنة وبدء مسار جديد ونوعي لاستكمال استعادة الدولة وتجاوز التحديات الاقتصادية وتخفيف معاناة المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم، ومتطلبات ضبط الأمن والاستقرار وتفعيل عمل مؤسسات الدولة بكفاءة.
القدس أُخت مكة والمدينة وبيت لحم ودمشق وبيروت والقاهرة … لا يمكن التنازل عنها ابداً، فكلما وسّعت حكومات الاحتلال الاسرائيلي من دائرة علاقاتها الاستراتيجية، دفع الفلسطينيون والاقصى الشريف الثمن!
في لبنان، لا يوجد دولة مفلسة وإنما سياسات فاسدة لا تمتلك الإرادة بالنهوض بالواقع الاقتصادي والمالي، وهذا يتطلب قرار سياسي متوافق عليه يهيء المناخ المناسب للاستقرار والسلم الاجتماعي ويعزز الامن والسلام.
بين التمدد والتوعد ، ونظراً لأهمية الانتخابات المقبلة فيها ، اختارت تركيا التودد لاعتبارات عديدة منها دورها الجيوسياسي الهام في الاقليم الملتهب والحرب في اوكرانيا والتوتر في دول البلقان وارتداؤها قبعة حلف الناتو وتحالفها المصالحي مع روسيا ؛ بما يتناسب طردياً في محاولة قيادتها ، إعادة تصفير المشاكل مع الجوار بدءً من اعادة العلاقات الطبيعية مع الامارات والمملكة العربية السعودية ومصر واسرائيل وتقليص دور الاخوان المسلمين فيها واغلاق مكاتب ومنصات اعلامية مناهضة وتخفيض تدخلاتها الخارجية في شؤون الدول ، مما يوحي باقتراب عودة تدريجية لعلاقات مرنة مع سورية قد تفضي الى انسحاب القوات التركية من شمال غرب سورية وتفعيل اتفاقية اضنة مع تعديلات متوافق عليها حيث تشكل الحدود السورية – التركية الاكبر للطرفين ، في تطورات قد تكون متسارعة في شرق الفرات على نحو أكبر …
إن دولة المواطنة المدنية تسعى لإرساء علاقات سليمة مع دول الجوار تستند على مبادئ الاحترام المتبادل والمنافع المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
يأتي في مقدمة المهام المنوطة بالسلطة السياسية المنتخبة ديمقراطيا حل جميع القضايا الخلافية العالقة مع دول الجوار بالطرق السلمية وفقا لقواعد الشرعية الأممية، نؤكد ان الحل يكون بتطبيق قرارات مجلس الامن الدولي دون مواربة او تدليس وهي القرارات 242 – 338
وهنا يتوجب علينا تبني مفهوم إعادة البناء والتنمية والازدهار في دول المنطقة تعزز قيّم الحرية والعدل والديمقراطية، وبناء الانسان على ثقافة المحبة والسلام بدلا من ثقافة الكراهية والتطرف والتمييز
ولذلك، فإن سعي الغرب إلى هزيمة روسيا في أوكرانيا سيكون بمثابة مبالغة كارثية أخرى. والحل الوحيد هو ضرورة العودة إلى صيغة للتعايش والتعاون بين الغرب وروسيا تحترم خصوصية كل منهما وتنعكس بإيجابيها على استقرار المنطقة والامن والسلام العالمي.
يُعد وقت الأزمات ومرحلة اعادة البناء والتعافي المبكر أفضل وقت نمارس فيه قيّم ” التميز التشغيلي ” وهذا يتطلب فرق بكفاءة عالية وقدرات مميزة، ومن اجل استدامة التطور، علينا البحث دائماً عن التجارب الناجحة وثقافة الأداء العالي والتشارك المعلوماتي.
إن التميز التشغيلي فلسفة وثقافة نتائجها أسهل وأسرع وأقل تكلفة، في العديد من القطاعات الحيوية ومنهجيات الاستخدام الأمثل للمعارف المتراكمة، وسبل تعزيز الاستدامة المالية في القطاعات الخدمية والصناعية والانتاجية لضمان فعالية الأداء.
حين يفارق الكاتب المفكر الحياة، يذهب جسده، وتبقى افكاره في كتاباته، وهي وحدها القادرة على الدفاع عنه. فالرحيل ينهي ما للكاتب من أثر عابر، سواء كان دعاية فيه، أو منافسة له، أو حقدا عليه، أو تآمرا ضده، من بني مساره أو جلدته أو ذوي سلطة سياسية لا يرائيها أو يعارضها، وحده النص، الذي يبقى، في وجه العابرين ظلما.
حياتنا مليئةُُ بالتناقضات.. فنرى جاهل في رغد من العيش، ونرى عالم تعوزه مباهج الحياة..
وختاماً يقول الشاعر الكبير، أبوتمام.:
ينال الفتى من عيشه وهو جاهل …
ويكدى الفتى في دهره وهو عالمُ.
والى لقاء آخر …
وكل عام وأنتم بخير …
مهندس باسل كويفي …
Discussion about this post