ليس تعريف الإنسان بالكائن المفكّر كاف لإشباع مفهومه.
لايمكن اختصار الإنسان بجانبه المنطقي ، نعم الإنسان مفكّر ، وباحث عن الحقيقة ، لكنه باحث عن المعنى ، وعن الحب وعن الجمال ، وكذلك هو باحث عن الدفء والرفق والحنان وحاجات أخرى .
الإنسان كائن متنوّع بتنوّع الحياة نفسها ، بل هو تعبير مركّز لتنوّع الحياة .
كل إنسان هو تعبير خاص ، كل مرحلة من عمر الإنسان تعبير خاص ، كل تغيّر في فكر الإنسان أو توجهه أو سلوكه هو تعبير خاص .
لايمكن التنبؤ الدقيق بسلوك الإنسان ، ومن الأولى أنه لايمكن التنبؤ بأفكاره ومشاعره وتقلباته المزاجية .
لايمكن تحويل الإنسان إلى آلة والتعامل معه بشكل ميكانيكي .
كثير من الأعراف الاجتماعية تعمل على مكننة الإنسان وتعليبه وصندقته واستنساخه .
العادات والتقاليد والضوابط الاجتماعية تشكّل التحدّي الأكبر للفرد إن أراد عيش حقيقته .
تعمل الضوابط الاجتماعية على تحويل الفرد إلى آلة اجتماعية ، تعمل بطريقة محدّدّة ، تتكلم بطريقة محددة ، تتحرّك بسرعة معينة .
يوجد علامة معيّنة للنجاح ، وطريقة محددة للعمل ، وسن محدد للزواج ، وطريقة محددة للتواصل وأشياء أخرى تشكل شروطا قاسية للميالين للتفرّد والنزعة الذاتية .
إذا لم يحقق الإنسان الشروط الاجتماعية يتعرّض للتوبيخ والتقريع والعقوبة الاجتماعية .
فقدان الفرد للتوافق الاجتماعي يصيبه برض و ألم نفسي بل ربمى يصل الأمر إلى الاحتراق والموت النفسي .
بعض الناس ميّالون أكثر من غيرهم للتوافق الاجتماعي ، وهؤلاء مؤهلون للنجاح الاجتماعي بكم أكبر من غيرهم .
بينما يتعرّض الميالون للنزعات الجمالية والرومانسية والخيالية والباطنية للتأنيب الاجتماعي بسبب ميولهم المتفرّدة ونفورهم من التقليد .
كثير من هؤلاء في الصنف الأخير يقبلون الانسحاق الاجتماعي فيعيشون في حالة من الصمت والعزلة والخضوع وفقدان القيمة إلا كنسخ تابعة وخاضعة ومطيعة لمن هم أعلى في سلّم الهرم الاجتماعي .
مشكلة معظم الرومانسيين والحالمين فقدان المعيار في ماهو صحيح وخاطئ ، لذا فهم يحاولون تحقيق التوافق الاجتماعي من خلال كبت ميولهم أو تكييفها بمايرضي النظام الاجتماعي باعتبار أن مايتّفق عليه غالبية المجتمع هو الصحيح.
لكن الغريب أن فئة من هؤلاء المتفرّدين ، (الجماليين) الواثقين من أنفسهم يتحولون إلى كبار القادة والمؤثرين والمغيرين في العالم .
معظم القادة الروحيين والمفكرين والفنانين وقادة حركات التغيير هم من ذوي الرؤية والتفرّد والنزعة الجمالية .
لايلتفت معظم ذوي الطباع المتفرّدة إلى أصالة الذات الإنسانية ، فيُخدعون برسوخ وثبات وقوة التقاليد والأنظمة الاجتماعية ، لذا يحاولون الانسجام والتوافق معها ولو على حساب صحتهم أو تفرّدهم الذاتي ومعتقداتهم ورؤاهم الخاصة.
يحتاج ذوو النزعة الجمالية الفرديّة إلى رحلة فكرية يحددون فيها المعيار ومصدر الأصالة ويبنون شخصياتهم ومبادئهم الفكرية .
كذلك يحتاجون للثقة بأنفسهم للتعبير عن ذواتهم وأفكارهم وتوجّهاتهم في مقابل أعراف المجمع وتقاليده .
لو كان المجتمع يهتم لوصايا يخطها كاتب لكان لكاتب هذه السطور وصايا ، باحتضانهم ، ورعايتهم ، والصبر عليهم ودعمهم ، لكن المجتمع يرى أمثال هؤلاء مصدر تهديد لمبادئه وأسس وجوده .
يجد هؤلاء أنفسهم مخيّرون بين أن يرضخوا ويتحوّلوا إلى نسخ اجتماعية مريضة قلقة فاقدة للمعنى والذات ، أو أن يخوضوا حربا نفسية واجتماعية يحققون فيها ذواتهم ويتحولون إلى قادة ومغيّرين
وكل الخيارات لها أثمانها .
حسام خلف / كاتب سوري