من كتاب ألفاظ ومعان .
د.رفعت شميس .
يقال : صب عليه جام غضبه .
فماذا يعني هذا ؟
من المؤسف ان واضعي المعاجم لم يكلفوا انفسهم عناء البحث في بعض القضايا ، فاستمعوا الى بدو الصحراء ظنا منهم ان البدوي اذا نطق فلغته لا غبار عليها . ومع ان هذا الى حد ما مقبول في أمور لغوية محددة الا ان الكثير من الكلمات غير العربية دخلت العربية فصارت منها وكان نصيبها ان يتجاهل اصلها الكثير من النحويين . ولا شك ان اللغة العربية مدانة لأبي النحو ، الفارسي ” سيبويه ” . .
نعود الى : صب عليه جام غضبه . في معاجم اللغة قالوا : جام اناء من فضة او نحوها للشراب والطعام ، مؤنث . لقد تم الاكتفاء بتفسير معنى جام دون الحديث عن أصل اللفظة حتى ان تفسيرهم جاء مغلوطا.
ولكن البحث يقودنا إلى اصل اللفظة جام .
اصلها فارسي وقد استخدمها الكرد والتركمانستان والاتراك (1) ، والجيم تكتب بنقاط ثلاث كي تلفظ ( تجام ) . مع تخفيف الجيم الى شين مفخمة وتعني الزجاج الذي تكوّن بعد انصهار في بوتقة وتدخل البشر في صنعه . وليست فلزات البراكين مثلا ” جام ” لان الانسان لم يصنعها.
واصل ( تجام ) جشم وفي لهجات اخرى تششم . وتعني العين التي تعكر ماؤها . وهي ايضا العين الحمراء وهي عبارة عن بوتقة لصهر الزجاج يصبح لونها احمر لشدة الحرارة .. وكثيرا ما يرتبط وصف العين بكرة الزجاج او وصف كرة الزجاج بالعين.(2)
وكان الفرس يطلقون على حفرة دائرية يتجمع فيها الصرف الصحي ( تششم ) ثم اخذها الأتراك فقالوا تششمة . كما ان اهل الشام قالوا ششمة ذلك في ما يسمونه بيت الخلاء – المرحاض ، ومثلهم استعمل اللفظة عرب الجزائر ، اما في الكويت فتعني النظارة شمسية او طبية (3) .وكلها الفاظ تقترب من معنى عين . ونبع الماء الذي يأخذ شكلا مدورا هو عين . (4).
فإذن . صب عليه جام غضبه : هناك كناية عن شدة الغضب وكأن الغضب زجاج سائل مذاب . يقوم الغاضب بصبه على المغضوب عليه.أو ماء آسن تتم العقوبة به .
فكيف جعلوا ( جام ) اناء بينما جام هي كل زجاج معمول يدويا سواء كان مسطحا او على شكل آنية ..
ملحوظة : يستخدم العامة التركيب ( احمرت عيني ) كناية عن الغضب .والطريف ان قبائل نجران ونجد والحجاز وعرب اليمن والعراق وبلاد الشام والكثير من بلاد العرب – كلهم يستخدم المصطلح ( احمرت عيني – أو احمرت عينه ) كناية عن الغضب الشديد . ولكننا لم نجد في المعاجم الفارسية والتركية هذا التركيب .
وقد ورد التركيب بلغة عربية فصيحة في بعض القصائد الشعرية على شاكلة : حمر النواظر .
================
(1): في الفارسية ورد اسم جمشيد وأصله جام شيد ويعني انعكاس الشعاع على الزجاج ، واصل الكلمة ” يما خشيتا ” بمعنى المتلألئ .
(2): في الموروث الشعبي العربي وغير العربي اقترنت كلمة العين بالحسد. ويستخدمون التركيب : إصابته العين … والحقيقة أن العين لا تصيب . فتلك خرافة . وقد اسهبنا في شرح ذلك في مادة ع ي ن ..
(3): في العامية السورية يسمي البعض النظارة ” كزلك ” او ” كزالك ” وهذا مأخوذ عن التركية gözler كوزلار وتعني العيون .
(4) أكثر مدينة عرفتها بكثرة عيونها هي مدينة رأس العين شمال مدينة الحسكة ب 85 كم . ويقال ان عيونها بلغت عدد ايام السنة . وأشهر تلك العيون التي رأيتها فعلا : عين الزرقاء . عين الحصان . عين جاموس . عين الحصان ، عين ارخوم . وهناك عيون أخرى كانت شهيرة فيها وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان منها عين الآس وعين الرياحية وعين الهاشمية وعين الصرار.
Discussion about this post