إسقاط إيران لطائرة أمريكية مسيّرة من أحدث طراز يوم الخميس ٢٠ يونيو / حزيران ٢٠١٩ وتراجع الرىُيس الامريكي ترامب عن الرد ،بعد ان اعطى البنتاغون المبرر والخطة للرد بضربة محدودة، مع التحذير من قبل جهات اخرى في الادرارة بان الردّات من ايران الغير محسوبة قد توٌدي إلى حرب شاملة مما يترتب عليه آثار سلبية على جميع دول المنطقة ومن ضمنها ايران .
ان هذا يؤكد حجم التغير في موازين القوى الدولية والإقليمية, مقارنة بزمن الاستفراد بالعراق في عهد بوش الابن ، وبالتالي لا تستطيع اميركا اعلان الحرب على ايران إلا إذا اقنع ترامب الشعب الامريكي بضرورة هذا الامر تحقيقا لمصلحة امريكا وأمنها القومي ، وإذا ما تعرضت حياة الأمريكيين من عسكريين او مدنيين الى الخطر الحقيقي وأدت الى موتهم ، وسواء تم ضرب طائرة الاستطلاع الامريكية داخل المياه الاقليمية الايرانية ام في الدولية ، فان ذلك يقودنا الى الشعور بان زمن التحكم الإسرائيلي في تفاعلات وقرارات المنطقة قد انتهى وأن حقبة جديدة توشك أن تُولد ..مع بزوغ ملامح صفقة القرن ام فرصة القرن.
فيما تشير معلومات المؤتمر حول قضايا الشرق الأوسط الاستراتيجية وذات الاهتمام المشترك والمصالح المتقاطعة ،
المزمع عقده في القدس المحتلة خلال الشهر الجاري سيحضره كل من جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، ونيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، ومئير بن شابات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، سيركز، بالدرجة الأولى، حول سورية و دور إيران ووجودها ونفوذها في المنطقة، وبيّنت موسكو انها تعطي أهمية كبيرة لتحقيق هدفها “البحث عن سبل لخطوات عملية مشتركة لتسوية الأزمة في سوريا وفي منطقة الشرق الأوسط بأسرها“.وأنها ترى “إمكانية لاستخدام صيغ عمل جديدة من شأنها أن تُسهم (بعيدا عن أن تستبدل الصيغ الحالية وصيغة أستانا في المقام الأول ) قُدما في المضي على طريق السلام والاستقرار في سوريا في ظل ضمان سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها، وكذلك في القضاء النهائي على الإرهاب الدولي على التراب السوري، وعودة اللاجئين وإعادة إعمار البلاد اجتماعيا واقتصاديا في أسرع وقت ممكن“.
ان بوادر تحالف متين بين الصين وروسيا بدأت تظهر معالمه جليّة، انعكاسا مباشرا للسياسات الاميركية الحالية، وتدفع روسيا والصين الى تحقيق السيناريو “الاسوأ لاميركا” الذي حذر منه سبيغنيو بريجينسكي قبل موته عام ٢٠١٧
على الصعيد الداخلي …
ما زالت الممارسات السائدة فى صراع الاطراف السوريّة تعكس مواقف القوى الخارجيّة الداعمة لها ، وتجاذبات إقليمية – دولية حالت دون تشكيل اللجنة الدستورية وتفعيل قرار مجلس الامن ٢٢٥٤ رغم الجهود التي يبذلها المبعوث الاممي السيد بيدرسون وفريقه للحد من حالة الستاتيكو في الملف السوري .
أن مسألة تقدم الأمم، رغم التحديات، تظل اختياراً عاماً تشترك في صياغته، بشكل أو بآخر، القوى السياسية والمجتمعية ومريدوا الإصلاح مع عموم الناس .
علينا البحث فيما يسمى بالخطر الخامس كمفهوم صاغه الكاتب الأميركي المعروف مايكل لويس ، “وتتجلى هذه المخاطر إلى حد تهديد وجود كيان الدولة ذاتها، وقد ينعكس الخطر الخامس في حده الأدنى، في شكل تكاليف باهظة يتحملها عموم الناس على المدى الطويل. وترجع هذه العواقب الوخيمة للخطر الخامس إلى ما يصفه مايكل لويس بتغليب المصالح الضيقة لفئة أو مجموعة معينة على المصلحة العامة، وإعطاء الأولوية لمكاسب في المدى القصير بأعباء تتراكم فتثقل كواهل الأجل الطويل ، فتصبح الدولة عاجزة عن حماية مواطنيها من تهديدات لحياتهم وطعامهم وبيئتهم وأمن معلوماتهم، بسبب عمل لم تُحسن إدارته، وابتكارات لم تُمهد لها الطريق، وتطوير لم يُسمح له بأن يرى النور، فهذا هو الخطر الخامس يلوح في الأفق ، وإذا رأيت الدولة وقد عجزت عن أداء مهامها بالانصراف عن وظائفها الحيوية إلى القيام بأنشطة متهافتة، فنحن بصدد خطر خامس غير مأمون العاقبة. وإذا وجدت المعارف مضمحلة وهيكل المعلومات بات ضحلاً، فالخطر الخامس محدق يكاد يفتك بعرى استقرار الدولة. عبر الإهمال والتقصير في فهم أسس إدارة جهاز الدولة ومحملة بما يزيد على ذلك من جرائرها ولو بعد حين “.
وكما رسمت الثورات الصناعية الثلاث السابقة الحدود بين الفقر والغنى والتقدم والتخلف؛ بل ورسمت فيما رسمت حدود وقواعد الجغرافيا السياسية ومواطن الاستقرار وبؤر الصراعات، سيكون للثورة الصناعية الجديدة آليات مماثلة لتشكيل أبعاد العالم وأسس نظامه الاقتصادي والسياسي التي تتشكل ملامحها ، بالاضافة الى الثورة الرقمية الرابعة التي
تجتاح الحدود التي كانت فاصلة بين ميادين التطور الصناعي والبيولوجي وتكنولوجيا المعلومات، وتعتمد على التمكن العلمي والمهارة .
يستوجب الأمر إحداث نقلة نوعية في دور الدولة والقطاع الخاص وأوجه التعاون بينهما ومكافحة الفساد باليات ناجعة، لتعثرها في معظم حالاتها، وكذلك شعارات ادعاء العمل لمصلحة استهداف لمستحقين ظلوا مستبعدين ، نتيجة لتربح البعض على حساب المحتاجين …
الاقتصادي راجو راجان ( محافظ البنك المركزي في الهند سابقا ) يشرح في كتابه الصادر منذ شهور تحت عنوان العمود الثالث ، الذي قد يقدم العلاج المانع من الخطر الخامس الذي يداهم الدولة، ويتعامل مع تحديات الثورة الصناعية ومربكاتها للقطاع الخاص ، مؤكدا على
دور المجتمع الذي غُيب في غمار الجدل حول دور الدولة والسوق، والنقاش حول أولوية القطاع الحكومي أو القطاع الخاص ويقترح أن إصلاح النظام الاقتصادي السائد لا يتطلب الاّ تفعيل قوي لإعادة التوازن المفقود منذ الأزمة العالمية، وجموح شركات بعينها نحو السيطرة والممارسات الاحتكارية، بقوانين فوقية لمنع الاحتكار وحماية المنافسة، و إطلاق القدرات المكبوحة على المستوى المحلي في القرى والمدن الصغيرة، من خلال سياسات محكمة ومؤسسات فعالة وموازنات مناسبة، لتحقيق توطين التنمية والمنافسة بين مراكز وأقطاب متعددة للنمو الشامل للجميع ، بما يخفف من حالات الاحتقان، بسبب عدم العدالة في توزيع الدخل والثروة والفرص .
وبما يحد من التأثيرات المتباينة على المجتمعات والقطاعات والمشروعات الإنتاجية المختلفة ، والاهتمام بالبعد الثالث من خلال تفعيل دور المجتمع والحوكمة على المستوى المحلي، ودور الاستثمار وأثره المباشر في إتاحة فرص العمل وزيادة الدخل ، بأن يكون المجتمع المحلي شريكاً أساسياً في تحديد الأوليات ومتابعة تنفيذها، ومدركاً قبل غيره لتأثيرها. وفي هذا المنهج قدر من التفاصيل العملية، وفي معرفتها مبكراً يكمن الفرق بين النجاح والفشل .
ما يهمّ اليوم إيقاف القتل وأن يبقى لسوريا والسوريين مستقبل الحياة ..
فالانسانية لاعلاقة لها بالاديان والمذاهب والطوائف والاثنيات لذلك علينا العمل جميعاً من اجل المواطنة والدولة الوطنية التي يتساوى فيها كل المواطنيين دون تمييز ...
سورية للجميع … وفوق الجميع …
والى لقاء اخر …
مهندس باسل كويفي …