
وبالنتيجة فان هذا الصراع وسباق التسلّح يبدو انه عاد الى الواجهة مع اختلاف جوهري ناتج عن إدراك روسي حقيقي بالاعتماد الان على النوعية وليس العددية في المواجهة بحيث لا تتكلف خزينة الدولة اعباء ما تكلفه الاتحاد السوفيتي سابقا.
تبعات هذا السباق المحموم تتضح في السياقات الإقليمية والدولية والأممية، عبر الأدوار التي يلتزمها كل طرف تجاه حلفاءه في العالم، بدءا من مجلس الأمن وانتهاء في مناطق الصراع الميداني سواء مباشرة ام عبر الوكلاء .
ولعل قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٤٠١ الخاص بوقف إطلاق النار في سورية والفيتو الروسي لقرار مجلس الأمن بخصوص اليمن اكبر دليل على هذا الصّراع المحتدم.
ان تصريح الرئيس بوتين بانه يلتزم بالرد على اي هجوم سواء على روسيا ام حلفاءه بشدة قد تصل الى الرد بالصواريخ النووية ذات القدرة المحدودة تقع ضمن رسالة واضحة الى أمريكا بان قواعد لعبة القطب الواحد قد تغيرت وأصبح العالم الان خارج إطار فرض السياسات الاحادية.
ويأتي قرار الادارة الامريكية بنقل السفارة الامريكية في فلسطين الى القدس تزامنا مع يوم النكبة ليوضح سياسة الاستكبار والعنجهية الامريكية في قضايا الشعوب والكيل بمكيالين دون الاكتراث بقرارات مجلس الأمن الدولي والادانة الدولية الواسعة لهذا القرار الظالم .
ان القرار ٢٤٠١ الصادر عن مجلس الأمن الدولي له مدلولات عميقة تتجلى في:
• بدأت واشنطن نقل مسلحي داعش من غرب سورية إلى قاعدة التتف .
• طالب الرئيس الفرنسي بهدنة إنسانية في الغوطة الشرقية .
• موسكو دولت المسألة من خلال دعوة مجلس الامن للانعقاد لمناقشة الأوضاع في الغوطة الشرقية .
• بنفس الوقت عززت بريطانيا قواتها في شمال الأردن
ان عودة الاستقرار و اعادة الاعمار يحتُم انهاء ملف الغوطة الشرقية حيث كنّا ولا نزال نتمنى ان تتم تسويته بخروج المسلحين والحد من نزيف الدم السوري وخصوصا بين المدنيين لعدة أسباب منها :
– ملاصقتها الجغرافية لدمشق العاصمة ، وهذه تشكل خطراً كبيراً ، وبؤرة استنزاف عسكري وأمني بخاصرة العاصمة .
– يمتد عمق هذه الجبهة اللوجستي الميداني الى الصحراء شرقاً، باتجاه التنف الى حدود العراق وجنوباً عبر البادية الى حدود الأردن عبر السويداء ودرعا .
وكان السبب المباشر لتحرك الجيش السوري ، هو لإحباط هجوم كبير تخطط له واشنطن ولندن …، باستقدام عدة الآف من المقاتلين الإرهابيين من قاعدة التنف ، مدربين بشكل جيد على يد المخابرات الامريكية والبريطانية ، بكامل عتادهم الثقيل وتحت حماية طيران تحالف واشنطن ، ليندمجوا مع مسلحي الغوطة ويشنوا هجوماً كبيراً على دمشق …
حيث هاجم وزير خارجية روسيا لافروف الوجود العسكري الأميركي في سورية واعتبره مدخلا لاحتلال البلد وتقسيمه. ففي كلمة ألقاها في المؤتمر الدولي الذي ينظمه “نادي فالداي” بحضور دبلوماسيين وخبراء عبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن قلق بلاده من مخاطر تقسيم سورية بسبب ما وصفها بالتصرفات الأميركية هناك.
وحذر لافروف الولايات المتحدة من اللعب بالنار، ودعاها إلى دراسة خطواتها بعناية .
ولعل تصريح السيد بشار الجعفري خلال جلسات مجلس الأمن توضح ان الحكومة السورية تعمل جاهدة لوقف نزيف الدم السوري وان المسلحين في الغوطة الشرقية يقومون بقصف المدنيين في العاصمة دمشق والتي يقطنها اكثر من ثمانية ملايين سوري يوميا وأدى ذلك الى استشهاد وجرح آلاف المواطنين في ظل صمت دولي .
على الصعيد الداخلي …
ازمة حكوماتنا وسلطاتنا التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية ان معظمها يعمل باجتهاداته، حتى مع توفر النص والقاعدة بالدستور والقوانين او بروحها. وازمتنا اننا ننطلق من تصورات وافتراضات وليس من الوقائع لنرسم خارطة طريق تسير بالبلاد الى الامام …وان مشروعنا الحقيقي لبناء الدولة واقرار الحقوق ومحاربة الارهاب وتقديم الخدمات يتطلب التجديد والانقاذ. ومشروع الانقاذ هو ليس تعداد الاهداف، بل هو تشخيص المرتكز والمرحلة وطبيعة المعركة، والقوى المناصرة، والشرعية الوطنية بما يحقق الاهداف المطلوبة.
لدينا تلكؤ وتباطؤ في انجاز الكثير من المستلزمات.. ( فالجميع على المحك اليوم. وان اختناقاتنا وازماتنا هي اننا نعيش مرحلة جديدة بعقليات وتطبيقات يجب ان تكون جديدة ). وان النظام والوحدة والتقدم والامن، امور لا تتحقق دون:
1- قيام دولة تعمل وفق شروط وسياقات شفافة ومعروفة تكون هي اول من يخضع للدستور والقانون.
2- تعبئة وبناء مؤسسات وقبول اجتماعي راسخ وعريض لا تزعزعه الاجتهادات والاختلافات السياسية المتغيرة، في ظل شرعية النظام المعترف بها .
3- نظام حقوق واضح يعطي لكل صاحب حق حقه تقوم عليها مصالح وقدرات البلاد واقتصادياتها، بلا تعسف واحتكار. ومن اجل استقرار سورية ، علينا البدء الجاد بمرحلة تطوير بناء المجتمع والمؤسسات الدستورية والديمقراطية والاجتماعية.. وتبني مسارات عملية وعلمية، والخروج من دوائر التخبط والاجتهادات اللامسؤولة.
[“فوكوياما” الكاتب ومؤلف كتاب “اصول النظام السياسي“، يقول فيه ان نجاح النظم المعاصرة يتطلب توفير ثلاثة مرتكزات رئيسية.. “الدولة المتماسكة“.. و“النمو الاقتصادي“.. و“التعبئة الاجتماعية“.. مرتكزات ستوفر القاعدة الحاملة والمتينة لعمل الشروط الاخرى وهي.. “الديمقراطية” و“سيادة القانون“.. و“الشرعية“.. و“احترام الحقوق” و“العامل الدولي“.. فتتكامل العناصر الـثمانية لتشكل “النظام” بدوافعه وحقوقه المنسابة ذاتياً، أي :
(1) “الدولة” الخادمة للمواطنين، المقتدرة، التي تتجاوز حكم الحزب والطائفة والقبلية..
(2) “المجتمع المعبأ” بشعبه المسؤول، المُسائل، المستفيد، الذي يمنح الشرعية والتمثيل والذي يحاسب الدولة وبعضه بعضاً عبر الرأي العام والحريات والاعلام، والمرجعيات، والاحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني..
(3) “التطور الاقتصادي” الشامل والمستدام الذي يستثمر قدرات الامة داخلياً وخارجياً والملبي للحاجيات والناهض بالوطن ومصالحه وحاجياته وكرامته..
(4) “الديمقراطية” التي عبر ضوابطها ومؤسساتها تقنن وتولي وتداول وتراقب..
(5) “الشرعية” وتفويضاتها الشعبية على المستوى السيادي والمحلي وثوابتها الدينية والوطنية..
(6) “نظام الحقوق” العامة والخاصة، المعنوية والمادية والحياتية وانماط الملكية بأشكالها..
(7) “سيادة القانون“.. المستندة لدستور قَبَلته الامة، تترسخ مبادئه في الضمائر والنفوس والسلوكيات، ويطبق بمساواة وانصاف بغض النظر عن الدين والمذهب والقومية والمركز.. فتستقر العلاقات الداخلية وتتضح المصالح الوطنية مما يوفر حسن التعامل مع ..
(8) “العامل الاقليمي والدولي” الذي بات ضرورة لكافة البلدان. ]
فاذا كانت هذه شروط نهضة الامم بغض النظر عن دينها وعقيدتها وقوميتها وفلسفتها.. نحو دولة المواطن القوية والتطور الاقتصادي والديمقراطية الحقيقية.. والمجتمع المملوء حيوية وحركة وثقة.. في ظل قانون يوفر العدل والامان، والاعتراف بالحقوق.. بما يوفر عناصر الاخصاب والعطاء والتراكم، وولادة مجتمع جديد، عادل، متماسك ومتطور..
فالمشاريع والمبادرات لكي تنجح يجب ان يكون لها مشروعاً تجديدياً قابلاً للتحقق.. وان تتحد حوله قوى قادرة على بسط ارادتها، وتكون قادرة على التنفيذ..
تتفق على الوقوف ضد الارهاب والعنف والطائفية.. وحماية الديمقراطية.. وان تجعل الدستور نصاً وروحاً قاعدتها الاساسية..
الفكرة الجوهرية ليست الاسماء –على أهميتها– فظروف 2018 قد تختلف عن 2012، لكن الفكرة الاساس تبقى نفسها، وهي اتفاق قوى رئيسية تمثل مختلف الساحات، وحكومة تشاركية منسجمة قادرة على طرح برنامج نهضوي تنموي جاد وراشد، وتنوعا فكريا يسمح بتدافع الافكار وانضاجها لتشكل معلما علميا كبيرا، وتشكل رصيدا للنتاجات المعرفية الجادة والتي بتكاملها مع غيرها تشكل كنزا يجب رعايته والاهتمام به وتطويره.
سورية للجميع … وفوق الجميع …
والى لقاء اخر …
المهندس
باسل كويفي
Discussion about this post