لم أكن أستغرب أن يشتري ( أبو العبد ) من محلي المتواضع ، بعض المواد القابلة للوزن ، بالأوقية ، في وقت كان فيه كل الناس تشتري بالكيلو وربما أكثر ، لأنه كان نجماً من نجوم البخل ليس في الحي فقط ، بل في المدينة بأكملها ، ولكن تكرار عملية الشراء ، كانت هي الأكثر غرابة ، فما معنى أن يشتري خلال أيام قليلة عدة أوقيات من السكر .
وتساءلت بيني وبين حالي عن كسب أو توفير ما ، كان يجنيه من تكرار عملية الشراء تلك ، طالما أن السعر واحد في كلا الحالتين .
وصرت أراقبه وأسجل في ذاكرتي تفاصيل حركاته عند تنفيذ عملية الشراء تلك .
يدخل بشكل طبيعي ، يطلب السلعة بعلنية مفضوحة :
– أوقية سكر إذا بتريد
أضع وحدة الوزن المناسبة في ميزان محلي القديم الذي لم أستبدله بميزان الكتروني ، أهيئ كيساً بلاستيكياً صغيرا وأضع من كيس قريب كمية السكر المطلوبة ، كل ذلك وهو يراقبني غير منفرج الأسارير ، وبعد أن تتعادل الكفتان ، أزيد كمية صغيرة تجعل تلك الكفة تهوي نحو الأسفل أكثر ، فيبتسم لهذه الإضافة مني ، ينقدني الثمن المطلوب ويغادر .
كان كل ما يتغير في معالم وجهه هو الإنتقال من الإنقباض إلى الإبتسام عند إضافة هذه الكمية الصغيرة إلى الأوقية المطلوبة .
عرفت السر ، وانتظرت حتى جاءت عملية الشراء التالية كي أتأكد ، فأتى الفعل ذاته وكأنه منسوخ عن الأول .
أدمنت الحالة معه كإدمانه على الشراء بهذا الشكل ، وعرفت أنه يعتبر نفسه قد انتصر علي بطريقة الشراء هذه التي أزيده في كل مرة ملعقة سكر ، فحسبها أنه يكسب في كيلو السكر خمس ملاعق ، بينما لو اشتراها مجتمعة أي ( كيلو واحد ) لن يكسب سوى ملعقة واحدة .
وعرفت لماذا كانوا يتحدثون عن طقوس حياته بكثير من الإستغراب .
وفي أحد الصباحات ، أعلن مكبر الصوت في مآذن المدينة عن وفاة أبي العبد .
وظن كل من في المدينة أن أهله سيرثون مالاً كثيراً بعد وفاته ، ولكن الأمر كان أن كل من في البيت لم يهتد إلى مكان ما كان يخبئ أمواله فيه خاصة أنه كان مراب كبير وتاجر عقارات يربح الكثير.
ولا تزال علامات الإستفهام مرتسمة في عيون الجميع ، وهم غير مصدقين أن أموال أبي العبد ، ظلت في مكان ما ، لم تهتد إليه حتى زوجته .
محمد عزوز
ك2 2020
( من مجموعتي القصصية السابعة ( صباحاً على الحاجز ) برسم الطبع )