سموقان / قصة قصيرة
. كان يتخفى خلف الجدار ..هو محمود ..يسوي آلة التصوير الفوتوغرافية , يجهز العدسة.. يمسحها ويدورها .. ومن بعيد رحت أراقبه ! وتعجبت لهذا التخفي … وما السر الذي جعله يتخفى خلف الجدار وهو يعد آلة التصوير … أما الفنانون الذين هم بدورهم يعدون أدواتهم .. هم يرسمون أمام الجميع ولا شيء يخفونه … وهو الملتقى من أجل أن يتعارفوا كأشخاص وكل منهم يظهر طريقته وتكنيكه في بناء العمل . محمود يريد فعلا ما بتصويره للفنانين وهم ينفذون العمل .. تظاهرت بتجاهل الأمر , ومن طرف عيني , رحت أراقبه وأراقب الرسامين ! إنه بالتأكيد يريد أن يقدم طابعا فريدا ! وهو يستعد للانقضاض على فريسته كما ينقض النسر على الطريدة , ركز آلة التصويرعلى الفنان / محمد / والتقط صورة له عندما كان يضع اللوحة على المرسم … والتفت الفنان قليلا إلى الوراء فاختفى المصور تماما خلف الجدار .. حركة الالتفاته جعلتني أتذكر أوريديس الذي أغمي عليها عندما التفت أورفيوس إلى الوراء لينظر إليها .. عاود المصور محمود يصور الفنان التشكيلي محمد , لكن هذه المرة هو تصوير بالفيديو.. وبصري يتجول بين التصويري والتشكيلي .. أراقب الحوار والمحاربة والاختفاء , فلقطة المصور تخفي الفنان والعكس صحيح , وكلاهما بحاجة لفعل الآخر .. كانت الأنوار ..تتبدى شيئا فشيئا كلما مر الزمن عمودياً وافقياً .. على سطح اللوحة .. كذلك كانت حركة آلة التصوير تجوب سطح اللوحة , وتتابع حركة اليد التي تداعب جسد اللوحة , فهي تقسو على السطح أحيانا وبجنون ثم لا تلبث أن تهدأ وتصمت بعشق ! لقد سمعت هذا الصدى ..صدى اللون , وبهرت بالضوء الشديد والخافت لينابيع الضوء الكثيرة والخافتة التي تحدثها حركة السكين , سكين الرسم على السطح البريء للوحة … المصور الضوئي محمود سالم بعناية فائقة يتابع كل تلك الحركات , وهو متأكد أن مساحة عدسته تتسع لجميع الحركات , ولاتفلت منه أية اشارة على السطح .. إنها ملاحقة بصرية وبصيرية ! والمشهد يذكر تماما باسطورة اورفيوس ,أعظم شاعر وموسيقي عاش على وجه الأرض , فألحانه بلغت من العذوبة لدرجة أنها كانت تسحر الأشجار والأحجار فتترك أمكنتها وتتبعه .. وهنا من يتبع الآخر .. هو الفعل التشكيلي أم التصويري لقد استطاع اورفيوس أن ينزل إلى عالم الجحيم لإعادة حبيبته أوريديس إلى عالم الحياة والنور وحصل على موافقة آديس شرط ألا ينظر إلى الوراء ..حتى يصل إلى عالم النور … ومضى أورفيوس يقود حبيبته في الظلام على ألحان قيثارته .. كما هو الفنان التشكيلي يقود محمود على ألحانه اللونية وفي اللحظة الأخيرة من إنهاء عمل التشكيلي للوحته أراد أن يطمئن على المصور فاختفى عن الوجود خلف الجدار .. كما اختفت اوريديس