تزخر واحات وادي درعة الواقع في الجنوب الشرقي للمغرب والمتميز بثقافات غنية متنوعة متوارثة أباً عن جد، ومعبَّر عنها بمجموعة من الأنماط الفنية، بينها رقصات شهيرة أبرزها «السقل» و «أقلال» و «الحضرة». وكل هذه الرقصات تحمل أبعاداً دلالية من حيث طريقة أدائها والأزياء الخاصة بها والآلات المستعملة على مستوى تجسيد الإيقاع والشكل والحركة، بحيث تجسد رقصة «السقل» مرحلة الاستعداد للحرب، فيما تجسد رقصة «أقلال» مرحلة الحرب، لتوثق «الحضرة» في المرحلة الأخيرة عودة المقاتلين إلى قواعدهم.
وفي موازاة الحركة السريعة والدلالات القتالية، لا تخلو مضامين هذه الرقصات من أبعاد صوفية. وجدير بالذكر أن مشاركة النساء غير مسموح بها في بعض المناطق، بل يكتفين بالتشجيع عبر «الزغاريد» من مكان عال يسمح بأن تَرى ولا تُرى. ويعكس الشكل الذي تتخذه هذه الحركات وفق الباحث إبراهيم نعيم، التراتب الاجتماعي داخل القبيلة، فنجد للشيخ مثلاً في رقصة «السقل» ما يقابله داخل القبيلة وهو شيخ القبيلة الأخرى، أما حاملو الناي والدفوف فيعتبرون المقربين إلى الشيخ وهم أعضاء القبيلة الأربعة، في حين يحاكي حاملو السيوف الجنود المجندين لحماية القبيلة، ويجسد حاملو الدفوف فئة العامة.
ويشكل لون الزي إحدى العلامات التي يستثمرها الإنسان كلغة للتعبير عما يشعر به ويعيشه، لذلك اختار سكان الواحات الأبيض للتعبير عن موقفهم من الوجود. فمن جهة هو رمز للسعادة ومن جهة أخرى يعتبر علامة لتفاعل الإنسان مع الطبيعة، كونه يعكس لون الشمس للدلالة على الحرارة الشديدة التي تتصف بها المنطقة. كما يعبر اللون الأبيض عن الطابع المسالم للمجتمع الصحراوي.
ويرجع تاريخ الرقصات وفق الرواية الشفوية إلى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتحديداً إلى مرحلة الهجرة إلى المدينة، وهي مرت بمراحل عدة. الأولى كانت تسمى فيها الرقصة «لعب بن الرفيدة» والثانية تسمى «اللعب المباح»، والثالثة «السقل» أو «دقة السيف» وهي بداية استعمال السيوف، فرقصة «دقة السيف» أو «السقل» هي رقصة درعية وفق الباحث عز الدين النسوي، يمارسها خصوصاً أهل واحات درعة لأنها تنتمي إلى ما يسمى «فنون الحرب» أو «المسافرة بالقطبان» وهي في الوقت نفسه المسايفة. وتؤدى هذه الرقصة في الهواء الطلق تحت مراقبة الشيخ الذي يقوم مقام الأستاذ والحكم في آن واحد، وغالباً ما يكون المتسايفون من الفلاحين والصناع، وهم يجتمعون بعد الظهر ليأتي الشيخ بالسيوف المناسبة، فيبدأ المتحاربون اللعب بالتحية «البروتوكولية»، ويشارك في هذه الرقصة بين 12 و 20 شخصاً يتوسطهم الشيخ.
وأثناء الرقصة، يبدأ صاحب العوادة أي الناي النفخ كتقديم، وبعد إشارة من الشيخ يبدأ «الموال». وبعده ترديد اللازمة يجري الضرب على الدفوف ضربة توافق صوت العوادة ونقر الطعريجة (آلة إيقاع)، وتستمر الرقصة وقتاً طويلاً.
وبعد اللعب لمدة قصيرة، يضع المتسايفون السيوف ويتهيأون لمقابلة فرقة تحمل الدفوف. أما الحركات، فتتميز بتمايل خفيف، وبين الفينة والأخرى يعطي الشيخ إشارة شفوية فترفع الأرجل اليسرى قليلاً لتوضع على الأرض وترتفع اليمنى بالموازاة مع قفزة المتسايفين وذلك لأخذ النفس والاستعداد للمرحلة التالية، وهكذا تستمر الرقصة حتى النهاية. وتشمل الأنواع المغناة خلال الرقصة الغزل والمديح والهجاء والرثاء، وتستعمل اللغة العامية. أما موضوع القصيدة المغناة فغالباً ما يكون مطابقاً للمناسبات، ففي الأعراس مثلاً تكون غزلية وفي المناسبات الوطنية تغني الفرقة قصائد حماسية وفي المواسم الدينية نجد المدائح النبوية…
وتعد رقصة «اقلال» بين الرقصات الدرعية الموغلة في القدم، إذ ترجعها الرواية الشفوية إلى الأندلس. وتؤدي هذه الرقصة المجموعة التي تمارس «دقة السيف»، وغالباً بعد الانتهاء من الرقصة الأولى.
Discussion about this post