الكاتب والشاعر د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي
الزواج والطلاق حالتان اجتماعيتان سنتهما الشرائع لسماوية وأقرتهما القوانين الوضعية ضمن أطر شرعية وقانونية ناظمة ضامنة لكافة الحقوق.
فالزواج هو عقد مدني بالتراضي ذو صفة شرعية بين طرفي هما الرجل والمرأة شرطه القبول والإيجاب تبيح اقترانهما ببعض واستمتاع كل منهما بالآخر تحت سقف واحد بإرادتهما ينتج عنه أسرة صغيرة من زوج وزوجة قابلة للاتساع بأنجاب الأولاد أوجبته كافة الشرائع السماوية والوضعية حفاظا على سلامة المجتمع وصحته وروابطه الأسرية والاجتماعية والأخلاقية وضمان استمرار النسل البشري بتكوين الأسرة التي هي اللبنة الأولى في أي مجتمع إنساني ضمن قيود وشروط شرعية وقانونية تضمن حقوقا وواجبات كلا الزوجين وحرمت كل ما هو خلاف ذلك كالزنى والمساكنة والمثلية لتسمو به عن المجتمع الحيواني الغريزي فهو بالإضافة إلى مهمته إشباع الرغبة الشهوانية الإنسانية الملحة المشروعة له وظيفة أخرى وهي تكوين الأسرة والحفاظ على النوع الإنساني بالتناسل، وتتم إجراءات تنظيم عقود الزواج شرعيا لدى المراجع الشرعية أو الكهنوتية لكل دين سماوي أو وضعي الذي يتبعه الزوجان أو لدى الدوائر المدنية التي تبيح الزواج المدني بغض النظر عن الصفة الدينية.
الزواج التقليدي والحب قبل الزواج حاليا وفي ظل انفتاح المجتمعات وانتشار الحريات الشخصية هناك من يدعو إلى إعطاء المزيد من الحريات الشخصية من جملتها إنه يجب أن تكون هناك علاقة عاطفية بين المقبلين على الزواج أو أن تكون بينهم معاشرة قبل الزواج تحت غطاء بأن من شروط الزواج الناجح أن يرتبط كل من الرجل والمرأة بعلاقة عاطفية تسبق الزواج فهل الزواج الناجح هو بالضرورة يجب أن يكون نتيجة حتمية لعلاقة حب عاطفية وهل كل علاقة حب عاطفية يجب أن تكلل بالزواج وان أي زواج تقليدي لا تسبقه علاقة عاطفية ستكون نتيجته الفشل وينتهي بالطلاق أو بالبرود العاطفي بين الزوجين بعد أن حصل الزوجان على ما يبغيان من متعة قبل الزواج ويصبح الزواج نوعا من العلاقة الاجتماعية الروتينية الوظيفية فالبعض يبغي من وراء ذلك شرعنة وإباحة العلاقات العاطفية بين الجنسين للوصول إلى إباحة الزواج المدني أو المساكنة أو المثلية والبعض يتصور أن مثل هذه العلاقات لا بد منها كنوع من الحرية الشخصية لاختيار الشريك المناسب. الكثير من هذه الأسئلة والآراء تطرق إليها الكثير من علماء النفس والمجتمع وعلماء الدين وكانوا بين مؤيد ومعارض ونشروا الكثير من الكتب والتحليلات ولا زالت الآراء متضاربة. طبعا لا يمكن الإنكار بأن الحب هو الأساس والإطار الحافظ لكل العلاقات العائلية والاجتماعية مهما كانت صفتها وكل علاقة لا تسود فيها روح المحبة والمودة تكون باردة صماء جامدة لا حياة فيها ولا ننكر أن الحب قبل الزواج المبني على قواعد إيجابية صادقة هو أحد الأسباب التي تؤدي إلى نجاح الزواج ولكنه ليس شرطا أساسيا بل يعتبر أحد الشروط الضامنة لهذا النجاح آخذين بعين الاعتبار أنه ليست كل علاقة حب عاطفية قد تتكلل بالزواج وأيضا ليست كل العلاقات العاطفية غايتها الزواج، قد يكون الزواج ثمرة حب بين اثنين ولكن من المؤكد إن الزواج التقليدي الذي يتم عن طريق العلاقات الاجتماعية والأسرية والقرابة له محاسنه ومساوئه ونادرا ما يكون مصيره الفشل حيث المودة والألفة والمحبة سرعان ما تسري بين الزوجين خلال فترة الخطوبة أو بعدها وإن تأخرت أحيانا ولكن سرعان ما تتولد مع عاطفة الأمومة والأبوة عندما يدخل الفرح مع أول ثمرة من ثمار هذا الزواج بإنجاب الطفل الأول، ففي فترة الخطوبة الأولى والتي تتشابه كثيرا في كل المجتمعات والشرائع الدينية هي التي يتم فيها التعارف بين الخاطبين ويسبر كل منهما أغوار الأخر عن قرب فإن تم الانسجام بينهما وتحركت عواطفهما السليمة دون رياء ووعود كاذبة وكشف كل منهما للآخر عن مزاياه الحقيقية تكللت الخطوبة بالزواج وإلا أنصرف كل منهما إلى شأنه ومن الواجب ولا بد على الأهل خلال فترة الخطوبة خلق الجو المناسب للخطيبين بإفساح المجال لهما ليتعرف كل منهما على الآخر بحرية مدروسة وتزويدهما بالنصح والإرشادات الضرورية ومساعدتهم في اختيارهم والعمل على تذليل العقبات التي تقابلهما ليبنى الزواج على أسس صحية سليمة فغالبا ما نلاحظ أن بعض الأسر في المجتمعات المنغلقة تضيق الخناق عليهما ولا تعطي الخطيبين فسحة ولو بسيطة من الحرية للتعارف وسبر أغوارهما متذرعين بنواه اجتماعية ودينية واهية ينكرها الشرع والقانون مدعين بان كل شيء سيتم بعد الزواج وسيتعرف كل منهما على طباع الآخر مستقبلا ولا ضير في ذلك، وهذا ما يسهم في فشل هذا الزواج في حالات عديدة وكثيرا ما يكون الطلاق وتفكك الأسرة هو النتيجة الحتمية له لاستحالة الانسجام والتفاهم بينهما وفشل الحب في الدخول إلى قلبيهما، فنحن عندما نمنحهما الثقة المدروسة وإفساح المجال لهما تحت مراقبة بسيطة نوصلهما إلى بر الأمان في زمن أصبحت الفتاة أكثر وعيا وثقافة وتحصيلا علميا.
أما الطلاق فله حالتان اثنتان الطلاق الانفصالي والطلاق النفسي
فالطلاق الانفصالي هو حل رابطة الزواج الصحيح وانحلال العقد الرابط بين الزوجين قانونا وشرعا وإنهاء العلاقة بين الزوجين وقطع أواصرها بانفصالهما وذهاب كل منهما في حال سبيله بسبب استحالة استمرار متابعة الحياة الزوجية بينهما تحت سقف واحد، ولذلك يعتبر الطلاق مأساة وآفة اجتماعية لما ينتج عنه من آثار خطيرة على الأسرة والمجتمع وعادة تتم إجراءات الطلاق لدى المراجع الشرعية أو الكهنوتية للأديان السماوية أو الوضعية الذي يتبعه الزوجان أو لدى الدوائر المدنية التي تم فيها عقد الزواج المدني. من البديهي في بدايات كل زواج أن تحصل بعض الخلافات البسيطة يعود سببها إلى اختلاف الطبائع وعدم الاعتياد السريع على الحياة الزوجية وتبدل بعض الأمور عما كانت عليه خلال فترة الخطبة أو ظهورها بعد الزواج أو نقص بسيط في الوعي الأسري فإذا ما دب خلاف بين زوجين هما على قدر من المسؤولية والثقافة تحاورا معا بشكل علمي منطقي لمناقشة أسباب هذه الخلافات للوصول إلى حل مناسب لها تجاوزا مسبباتها واتبعا طرقا أكثر تفاهما ليبقى كيان الأسرة متماسكا وان واجهتهما بعض الصعاب لجأ إلى الأهل يلتمسان النصح والخبرة ليتم تفادي هذه العقبات وتعود إلى ساحة السلامة، وإذا حاولنا أن نحصي الأسباب المؤدية إلى الطلاق الانفصالي نجدها تعود لأسباب سلبية ثقافية واجتماعية وثقافية فعلى الرغم من التقدم العلمي والتوسع الحضاري للأسف لا زلنا نلاحظ الكثير من السلبيات والتناقضات في بعض المجتمعات التي تعاني من أزمات اقتصادية وثقافية واجتماعية فلا زال الجهل يسيطر على الكثير منهم وأيضا ممن لا زال يعيش بمفاهيم دينية واجتماعية وثقافية بعقول عصر الجاهلية والقرون الوسطى ومن المؤسف أن البعض رغم حيازته شهادات علمية تسيطر عليه فكرة المجتمع الذكوري أو الغرور العلمي أو التعالي بين الزوجين أن كان أحدهما أقل تحصيلا علميا وهو سبب رئيس للطلاق أو بتعالي أحد الزوجين على الآخر بسبب التفوق المادي لعائلة أحدهما ولا ننسى الأوضاع الاقتصادية والمادية السيئة المؤدية إلى الفقر أو كثرة الأولاد وإرهاق الأهل بمصاريفهم وإفساح المجال للغرباء بالتدخل في شؤون الأسرة الخاصة وأيضا العقم وعدم الإنجاب بسبب أحد الزوجين جميعها مجتمعة أو متفرقة كلها تؤدي إلى خلافات دائمة فإذا ما دب الخلاف ما بين الزوجين فإن كان منهما في واد فهنا تكمن المصيبة والمصيبة الكبرى جهل الأهل أو تعنتهما فكثير ما يلجأ كل منهما إلى الشكوى لدى ذوي الآخر أو تذهب الزوجة غاضبة أو مطرودة إلى بيت أبيها فإن كان الأهل من ذوي الحكمة تدخلا إيجابيا وأصلحا ما بينهما أو قد يستعينون بأهل الصلاح والخبرة أو اللجوء إلى بعض المؤسسات أو الجمعيات الإصلاحية التي تهتم بشؤون الأسرة لإنقاذ هذه الأسرة من الضياع والتفكك فإن توصلوا إلى حلول ترضي الطرفين نجت الأسرة وعادت الحياة إلى مجاريها وإن لم يفلحوا زاد الأمر تأزما وكان الطلاق هو نهاية المطاف.
أما الحالة الثانية من الطلاق فهو الطلاق النفسي العاطفي ويسمى الطلاق الصامت فهذا النوع من الطلاق أشبه ما يعرف بالهجر أي هجر فراش الزوجية ولا فرق بينهما سوى التسمية فهو انفصال الزوجين عن بعضهما دون اللجوء إلى الطلاق الانفصالي الشرعي أو القانوني ويتفقان أن يبقيا معا في منزل الزوجية تحت سقف واحد ويبقى سر بينهما وعدم الإعلان عن طلاقهما أمام ذويهما أو الآخر حفاظا على العادات والتقاليد والمظاهر الاجتماعية أو الثروة فلا يجمع بينهما سوى تربية الأولاد حرصا على تكوين الأسرة وعلى بقاء الأولاد في محيط ورعاية الأبوين وحماية لهم من التشتت والضياع فيعيش كل منهما حياته الخاصة دون تدخل من الأخر سوى إدارة شؤون المنزل وغالبا ما يلجأ الزوج إلى الزواج من أخرى سرا وفي كلتا الحالتين قد لا يلاحظ الآخرون انفصال الزوجين عن بعضهما حفاظا على المظاهر الاجتماعية لأنه يتوجب عليهما الظهور أمامهم كزوجين مثاليين ولا يظهران معا إلا في حالات ومناسبات اجتماعية خاصة، أما عن أسباب هذا الطلاق فغالبا لا تختلف عن الطلاق الانفصالي إلا في حالات خاصة قد تكون ثقافية أو نفسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عائلية أو مرضية فمنها زواج أبناء العم أو زواج أو الأقارب للحفاظ على العائلة مجتمعة وعدم الزواج من الغرباء أو الحفاظ على الثروة خوفا عليها من أن تصل لأيدي الغرباء عن العائلة مما يؤدي إلى التنافر أو إنجاب أولاد معاقين وأيضا للتقارب بين العائلات الغنية للحفاظ على العلاقات التجارية والاقتصادية أو الطمع في مال الآخرين أو بسبب الفوارق الطبقية والاجتماعية أو العلمية وتعالي أحد الزوجين بامتيازاته العلمية أو الوظيفية والفقر وعدم استطاعة الزوج تلبية متطلبات الزوجة أو الإنفاق على الأسرة أو معارضة الزوج عمل الزوجة لتأمين الاكتفاء أو تقاعس الزوج عن العمل. وأيضا الزواج المبكر وخاصة زواج الولد الوحيد لأبويه أو الخوف على الإناث من العنوسة وزواج الخطف بسبب الحب من أول نظرة وممانعة الأهل لهذا الزواج لأسبابهم الخاصة حيث تظهر كل السلبيات بعد الزواج وشعور كل منهما بخطأ ما ارتكباه أو ارتكبه ذويهما بحقهما فيبدأ الخلاف يدب بينهما وتظهر الفوارق بينهما وتفتر العلاقة العاطفية حتى تصل إلى مرحلة البرود وعدم استطاعة كل منهما تقبل الأخر فإن كانا قادرين على اتخاذ القرار درسا الموضوع وحاولا الوصول إلى حل مناسب قد يكون الانفصال عن بعضهما ليعيش كل منهما حياته الخاصة دون الالتزام بالأخر ويبقيان ضمن العقد الشرعي، أو قد يكونا غير قادرين على مجابهة أهليهما وأعلامهم بما ينشب بينهما من خلافات يصعب حلها أو يترتب عليها خسائر فادحة، وهناك الأسباب المرضية الجسدية والنفسية كأن يكون أحد الزوجين مصابا بحالة مرضية جسدية غير قادر على مشاركة الشريك في متطلبات الحياة الزوجية وأداء واجباته كل منهما أمام الأخر أو بمرض نفسي أو عصابي كنوع من أمراض الهلوسة أو الانفصام في الشخصية أو القرف من ممارسة العلاقة الحميمة مع الشريك فيعمد الشريك السليم إلى التضحية والبقاء في محيط الأسرة محافظا على أسرته. وكثيرا وفي كل الحالات قد ينتبه أهل الزوجين إلى وضع الزوجين فيتدخلون بينهما ليمنعا وقوع الطلاق الفعلي ويحاولان منع وقوع الطلاق بالبقاء ضمن محيط الأسرة ويستقل كلا منهما عن الأخر على أمل أن يعودا لسابق عهدهما ويستلطفان بعضهما ويريا الإيجابيات التي غفلا عنها ليربط الحب بينهما وتعود الألفة وتنجو الأسرة من الانحلال والضياع.
ما هو الحل؟ طبعا الحل موجود ويكمن فينا نحن في ثقافتنا وثقافة المجتمع والوعي العلمي والتخلي عن العادات القديمة البالية وفهم الواقع ومواكبة تطور العصر دون التخلي عن قيمنا الأخلاقية السامية وتنشئة الأجيال تنشئة علمية واقعية فالبداية تكون في محيط الأسرة التي تكون سليمة معافاة تعطي كلا حقه تنشئ جيلا معافى ومن ثم المدرسة بإدراج مناهج دراسية توعوية اجتماعية ضمن مناهج التعليم تنمي فيهم روح الحياة السليمة تقضي على الجهل العاطفي والجنسي والتعرف عن كسب عن الفرق بين الجنسين تجعلهم ينظرون إلى الحياة الأسرية على أنها شراكة متكاملة لكل منهم وظيفته وتنمي فيهم روح المشاركة وان الذكر مكملا للأنثى والعكس صحيح وكيف يختار كل منهم في المستقبل شريك حياته ليحترم الشريكان بعضهما البعض ويقدران الحياة الزوجية والاختيار السليم المناسب وتقدير مدى أهمية الأسرة وماذا يعني أننا سنبني أسرة جيدة تكون لبنة جديدة في المجتمع وهذه الأسرة سينتج عنها نشئ جديدا وبراعم ستكون أمل المستقبل.
اختيار الزوج عندما تصبح الفتاة في سن الزواج ويطرق الخاطبون بابها أو حصل استلطاف بينها وبين أحد ما يجب علينا أن نعلمها كيف تفكر بعقلها وقلبها معا لتختار الرجل المناسب منهم والذي يستحق أن يكون شريكا لحياتها وأبا لأطفالها الذي تجد فيه طموحاتها ويكون نصفها الآخر الذي يملأ حياتها بالحب والرضى والمسرة وتشعر معه بالسعادة والأمان وأن يحترمها ويصون كرامتها وكيانها الخاص، وفي المقابل عندما يصبح الشاب مؤهلا للزواج ويفكر فيه عليه أن يبحث عن شريكة لحياته تستحق أن تكون أما لأطفاله مكملة له تكون له عونا على الحياة تشاركه المسؤولية لبناء أسرة سعيدة تبادله العطف والحب والحنان فالزوجة ليست جارية تقوم على خدمته وتلبية طلباته وسريرة لمخدعه ليلا تشاركه فراشه لقضاء متعته وإشباع رغباته الشهوانية، فالزواج مؤسسة تشاركية تضامنية مؤلفة من شريكي رأسمالها الحب والأمل يبحث كل منهما عن سعادة الآخر فيحققان سعادتهما وينتجان ثمارا طيبة وبهذا يضمنان استمرارا طيبا لحياتهما حتى وإن شعرا أحيانا ببعض الملل أو الفتور في العواطف فسيجددون في قلوبهم عقارا اسمه الحب ذلك العقار السحري القوي والمضمون النتائج يعيد الحيوية والنشاط إلى أنفسهم ليقضوا حياتهم سعداء يسعدون بعضهم البعض ويسعدون من حولهم.