Normal
0
false
false
false
MicrosoftInternetExplorer4
"طوشتا" سوريا من أجل تدمير اقتصادها:
طوشة العام 1860 في سوريا والحرب عليها بدءاً من العام 2011
د. ريم منصور الأطرش
مقدمة
في هذه الورقة، سوف نلقي بعض الضوء على جزء هام من تاريخ سوريا، وخاصةً دمشق. فالتاريخ أساسيّ في حياة الشعوب، وللأسف الشديد، ثمة أمور مسكوت عنها ولا يعرفها معظم الناس إلا بشكل سطحي. ومَنْ يكتب التاريخ في بلادنا، يفصّله، أحياناً، على مقاس بعضٍ منّا فقط، وهذا ما يؤدي، بشكل عام، إلى أن يعيش الناس إحباطاً وشعوراً بالغبن نتيجةً لإهمال أجزاء هامة من تاريخهم، أو تصيبهم الدهشة وعدم الاستيعاب لأمور خطيرة يعيشونها.
قد يستغرب بعضهم استخدام هذا العنوان، لكننا سوف نحاول تقديم مقاربة سريعة يستطيعون من خلالها إجراء مقارنة بسيطة بين ما جرى في "طوشة" العام 1860 وما يجري اليوم في بلادنا[1].
إن الغاز هو عماد اقتصادات العالم في القرن الحادي والعشرين، ومن الضروري بمكان إمعان النظر في المشاريع الأوروبية التي تهدف إلى نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، عن طريق مشروعَيْ السيل الشمالي والسيل الجنوبي؛ إضافة إلى مشروع نابوكو المدعوم أميركياً وخليجياً، والمستفيدة منه تركيا. ولا ننسى مشروع مدّ أنابيب الغاز الإيراني عبر سوريا، إلى البحر المتوسط؛ إضافة إلى الغاز الواعد في البحر المتوسط والذي تحظى سوريا بنصيب الأسد فيه.
كلّ هذا يفسّر الصراع الحالي على سوريا بشكل واضح.
تقول كريستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي: "الحرب ليست في الأنبار ولا حتى في العراق وسوريا. الحرب هي على اقتصاديات الدول لتفقيرها وتجويع شعوبها وتجريدها من قوتها المالية، ومن ثم العسكرية، لجعلها غير قادرة على شراء طلقة واحدة، وعدم تمكينها من تسديد رواتب موظفيها، ومنهم العسكريون وقوى الأمن، لتظهر قوى مسلّحة خارج إطار الدولة، تنتهك القانون وتسلب الناس وتثير الفوضى وتجبي الأتاوات!"[2]
تتصارع الدول الكبرى على اقتسام مناطق النفوذ في العالم، خاصة تلك التي تحقق لها دعماً لاقتصادها، إذ "تُعتَبَر روسيا أهم مصدِّر للغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية عبر شركة "غاز بروم" العملاقة، إلا أن الدول الأوروبية لا تخفي قلقها من الاحتكار الروسي، وتسعى جهدها لتنويع مصادرها…"[3]
أما قطر، فقد سعت لتصدير غازها إلى الدول الأوروبية، عن طريق تسييله ونقله عبر البحر، لذلك كان مشروعها هو "مدّ خط أنابيب عبر السعودية وسوريا إلى تركيا ومنه إلى أوروبا، وبالتالي تحقق كسر احتكار روسيا لتصدير الغاز إلى أوروبا، وتعزِّز من مكانتها لدى الدول الأوروبية وأمريكا. تركيا، بدورها، ستحصل على امتيازات اقتصادية وسياسية كبيرة من المشروع، كونها ستصبح المعبر الأساسي لإيصال الغاز إلى أوروبا، خاصة وأن خط أنابيب نابوكو، الذي من المقرر أن ينقل الغاز من بحر قزوين إلى أوروبا عبر أذربيجان، سيمر أيضاً في تركيا، (…). [لكنْ، أعربت] كلّ من، سوريا والعراق ولبنان، عن حاجتها للغاز الإيراني، والذي يمثّل ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد روسيا، [فتمّ] طرح مشروع خط الغاز الإيراني العراقي السوري، إذ سيكون في مقدوره تصدير عشرين مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. وسيعود خط الأنابيب هذا على سوريا بكثير من الفائدة والنفع نتيجة لما ستحصّله من الترانزيت، فضلاً عن تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وتطوير الصناعة البتروكيماوية عبر إنشاء محطات تسييل الغاز. وسيقضي هذا المشروع على آمال قطر والسعودية في استخدام ورقة الغاز لتحصيل نفوذ في دائرة القرار الأوروبي، ومن ناحية أخرى سيؤدي إلى إنهاء طموحات تركيا في كونها المعبر الأول لانتقال الغاز إلى أوروبا، وإلى تعزيز مكانة إيران على حساب كلّ من السعودية وقطر".[4]
أما الولايات المتحدة الأميركية، فتعاني من أزمة اقتصادية أوصلتها إلى حجم دين عام وصل إلى حوالى 15 تريليون دولار… وبات واضحاً أن امتلاك القوة هو في السيطرة على الطاقة. وهنا بدأ الصراع الروسي – الأميركي على مكامن الطاقة النظيفة.
لقد بدأ التنافس الجدّي بينهما من خلال مشروعَيْ روسيا للغاز، وهما السيل الشمالي (من روسيا إلى ألمانيا، ومن فاينبرغ إلى ساسنيتز عبر بحر البلطيق) والسيل الجنوبي (من روسيا إلى البحر الأسود فبلغاريا، ثم إلى اليونان فجنوب إيطاليا وهنغاريا فالنمسا)، ويقابلهما المشروع الأميركي للغاز، نابوكو (استغلال غاز أذربيجان والبحر الأسود ونقله إلى مركزتخزينه في تركيا، ومنها يذهب إلى بلغاريا فرومانيا ثم هنغاريا فالتشيك وكرواتيا وسلوفينيا فإيطاليا)، وهو المنافس لمشروعَيْ روسيا على تقاسم مناطق النفوذ الدولية، التي "على أساسها ستتحدد آفاق القرن المقبل سياسياً واستراتيجياً".[5]
أما في ما يتعلّق بالغاز السوري، فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أن "هذا الحوض هو الأثرى في العالم بالغاز، حيث يؤكد معهد واشنطن أن سورية ستكون الدولة الأغنى…"[6]
كما أن هذه المعلومات تؤكد على أن "من يملك سورية يملك الشرق الأوسط وبوابة آسيا ومفتاح بيتروسيا (حسب كاترين الثانية) وأول طريق الحرير (حسب الصين). وبتوقيع دمشق اتفاق لتمرير الغاز الإيراني عبر العراق إليها ومن ثم للبحر المتوسط، يكون الفضاء الجيوسياسي قد انفتح والفضاء ’الغازي’ قد أُغلِق على غاز نابوكو. إن انتقال الغاز إلى البحر المتوسط يستوجب المرور عبر سورية، كما أن اختيار إيران طريق العراق ثم سورية فالبحر المتوسط لنقل الغاز قد أطاح بمشروع الأميركيين، ’غاز نابوكو’، وثبّت مشروعي السيل الشمالي والجنوبي الروسيين…"[7]
وإذا ما دقّقنا في كميات الغاز في البحر الأبيض المتوسط، وهي حوالى 345 تريليون، إضافة إلى 5.9 مليار برميل من الغازات السائلة و 1.7 مليار برميل من النفط، فإننا سنجد، حسب المسوحات التي أُجريَت، أن معظم هذه الكميات موجودة في سوريا، "وأن اكتشاف حقل ’قارة’، بما يحقق 400 ألف متر مكعب يومياً، قد حسم أمر واقع ثراء سورية بالطاقة، وصولاً إلى إعطائها المرتبة الأولى [في العالم]".[8]
هذا ما يجري اليوم!
وبالعودة إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وعبر لمحة تاريخية عن الحرير في سوريا، الذي كان عماد الاقتصاد فيها آنذاك، سوف نستعرض ما تميّزتْ به بلادنا من صناعة للحرير، منذ دخوله إليها في القرن السادس للميلاد، وحتى منتصف القرن التاسع عشر؛ إذ ازدهرت صناعته في القرن السابع وما بعده، وكانت الأنسجة الحريرية تُباع في الأسواق الأوروبية.
لمحة تاريخية عن الحرير في سوريا
تميّزتْ بلادنا بصناعة النسيج بشكل عام والحرير بشكل خاص. عرفت سوريا الحرير في القرن السادس للميلاد، وازدهرت صناعته في القرن السابع، في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، الذي أنشأ معملاً لنسج الحرير في قصره في دمشق في العام 665 للميلاد، عُرِفَتْ منسوجاته باسم "الطراز"؛ أما موقعه، فيُقال إنه بالقرب من قصر العظم، في سوق البزورية حالياً. تابع العباسيون هذا النشاط في مدينتَيْ حلب وصور، وكانت الأنسجة الحريرية تُباع في الأسواق الأوروبية[9]…
البروكار والدامسكو هما من تراث دمشق، ودور التراث عظيم في الحفاظ على شخصية الشعوب وتثبيت هويتها. في أثناء السيطرة المملوكية ثم العثمانية، كانت دمشق تشتهر بإنتاج الحرير وكان يحاك منه أكثر من أربعين صنفاً.
كتب الإدريسي (وقد عاش بين عامَيْ 1099 و 1164 للميلاد) يقول:
" ومدينة دمشق جامعة لصنوف من المحاسن وضروب من الصناعات وأنواع من ثياب الحرير كالخز والديباج النفيس الثمين العجيب الصنعة، العديم المثال، الذي يُحمَل منها إلى كل بلد… ومصانعها في كل ذلك عجيبة يضاهي ديباجها بديع ديباج الروم ويقارِن ثياب تِستِر وينافس أعمال إصبهان ويشف على أعمال طرز نيسابور من جليل ثياب الحرير المصمتة"[10].
كما أنّ عمّال النسيج الحريريّ الدمشقيين برعوا في حرفتهم، فقيل عنهم: "ولا شيء أكثر كمالاً مما يخرج من بين أيدي نسّاج دمشق"[11].
هذه كانت الحال في القرن الثاني عشر للميلاد، واستمرّت كذلك، حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، وقد كانت هذه الحرفة حكراً، بشكل عام، على صنّاع الحرير المسيحيين: "ونشير بالتالي إلى أن كل الصنّاع في مهنة سدي الحرير ونسجه كانوا من المسيحيين الأرثوذكسيين، وكانوا يعملون بشكل أُسَري، الجد والأب والأولاد من الجنسين، كأية مهنة دمشقية أخرى… وكانت مهنة الحرير مزدهرة كما تشير الوثائق البطريركة في القرنين 18 و19… وكان من أرباب مهنة الحرير وتسديته ونسجه المسيحيين، أغنياءٌ يقومون بالاتجاربكل شيء، بدءاً من بزر الحرير أي دود القز وخام الحرير… وكان منهم أيضاً من يمتلك الخانات للحياكة، ولكن الأغلبية الساحقة كانت من الحرفيين الصناع المهرة، إضافة إلى خانات في ذات المحلة، تتم فيها صباغة الأقمشة، حيث إن العاملين فيها كانوا مناصفة بين المسيحيين واليهود الدمشقيين؛ وكانت معظم خانات الأنوال والحياكة والسدي والصباغة تقع في حارة القيمرية في دمشق القديمة، وكان لكل حرفة أو كار، شيخ للحرفة/ شيخ الكار أو النقيب/، يتكلم باسمها ويدافع عن مصالحها أمام الجهات المسؤولة في ولاية دمشق؛ من وثائق البطريركية الأرثوذكسية – أبرشية دمشق)"[12].
وفي كتابه (الروضة الغنّاء في دمشق الفيحاء)، "يؤكّد نعمان قساطلي [على] أن تصنيع الحرير كان حكراً على المسيحيين"[13].
لمحة عن تاريخ المشرق في القرن التاسع عشر قبل العام 1860
في سنة 1839، أصدر السلطان محمود الثاني مجموعة من القوانين الجديدة، عُرِفَت باسم (التنظيمات). "وتحت هذه القوانين حاول أن يساوي بين مواطني السلطنة في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن دينهم أو عرقهم أو قوميتهم. وأصبح بإمكان غير المسلم أن يشارك في الحياة الثقافية والاقتصادية، وسمح له بالدخول إلى المدارس وتعلم اللغة العربية (التي كانت حكراً على المسلمين) واللغات الأجنبية"[14]. لقد منحت إرادة السلطان هذه الامتيازات والحقوق لكلّ المواطنين بغضّ النظر عن ديانتهم، أي أنه تمّ تحقيق المساواة الكاملة بين المسيحيين والمسلمين.
مع ذلك، لم تتمّ المساواة بين المسيحيين والمسلمين أمام القانون، إذ ظلّت شهادة المسيحيين غير مقبولة في المحكمة.
بناءً على هذه القوانين التي تمنح حقوقاً متساوية لغير المسلمين مع المسلمين، نشطت المبادلات التجارية بين الأوروبيين وغير المسلمين من السوريين، فشكّلوا فريقاً من الوكلاء التجاريين والمترجمين. وكانت مدينة بيروت هي المرفأ الأهم بالنسبة إلى الداخل السوري، وخاصةً بالنسبة إلى مدينة دمشق. ومن أجل إعطاء حصانة لهؤلاء الوكلاء، منحت الدول الأوروبية جنسياتها إلى بعضهم، فاكتسبوا الحصانة الديبلوماسية، وأصبحوا من الأغنياء.
تاريخياً، بدأ التدخل البريطاني في العام 1840، في المنطقة العربية بشكل خاص. ويمكن اعتبار هذه الحقبة بداية للسيطرة الاستعمارية الاقتصادية على البلاد العربية.
بالنسبة لمصر وسوريا، سمحت المعاهدة البريطانية – التركية، الموقَّعة في العام 1838، بدخول البضائع البريطانية وبضائع الدول الرأسمالية الأخرى، إلى الأسواق العربية.
لقد كان لتدفّق البضائع الأوروبية، بين 1840 و1850 ، أثر على انهيار بعض الصناعات والحِرَف الوطنية. فأضحى ثمة حقد على الأوروبيين وعلى وكلائهم الأغنياء في سوريا.
أدّى دخول البضائع الأوروبية إلى تشجيع وسائل الاتصالات، ومنها شق قناة السويس وتشييد ميناء الإسكندرية وشقّ طريق بيروت – دمشق.
تمّ إقحام الدول العربية في السوق الرأسمالية العالمية، ملحقاً زراعياً وملحقاً لتأمين المواد الأولية لصالح الصناعة الأوروبية… وهنا تكمن أهمية الحرير السوري بالنسبة لفرنسا. أما العلاقات الاقتصادية، فكانت مؤسَّسة على التبادل غير المتكافئ، وهذا ما كان يمثّل بحدّ ذاته استغلالاً للدول العربية من الرأسمال الصناعي الأوروبي.
خلال حقبة "التنظيمات" (1839 – 1856)، تمّ إقرار قانون التعليم الذي أضحى إلزامياً ومجانياً، كما تمّ تأسيس مدارس علمانية للمرحلة الثانوية والعالية في إسطنبول، يدرس فيها الطلاب الجغرافيا والتاريخ والرياضيات الأولية، والطب وعلوم القضاء والعلوم العسكرية.
لم تؤثّر هذه التغييرات الإدارية على قلب النظام الإقطاعي في سوريا؛ مع ذلك، تمّت خديعة الفلاحين الذين اعتبروها وعداً بالحرية. فقامت مجموعة من الثورات ضد الإقطاع في سوريا، أخطرها كانت "قومة حلب" في العام 1850، وقومة حوران (1852 – 1853).
في لبنان، كانت بريطانيا تدعم الدروز الإقطاعيين في العام 1840؛ وكانت فرنسا تدعم الموارنة، وهم في غالبيتهم من الفلاحين.
في العام 1841، ثار الإقطاعيون الدروز ضد الباب العالي ونفّذوا أيضاً مذابح ضد الموارنة، بدعم من بريطانيا؛ لكنّ الموارنة ردّوا عليهم بمذابح ضد الدروز، بدعم من فرنسا.
في العام 1843، اضطرّ الباب العالي، تحت ضغط القوى العظمى آنذاك، إلى التقسيم الإداري (القائمقامية المزدوجة) بين الموارنة والدروز. وتمّ اعتبار طريق بيروت – دمشق هو الخط الفاصل بين هاتين المقاطعتين. لكنّ هذا التقسيم زاد العداوة بين الطوائف أكثر فأكثر.
تمّت قومة العام 1845 وهي التي اتخذت طابعاً طبقياً، فالفلاحون الدروز والموارنة قاموا هذه المرة ضد الإقطاعيين الدروز وضد النبلاء الموارنة.
هذه الثورات أعطت للقوى الأجنبية الذريعة الدائمة للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا ولبنان[15].
الخطّ الهمايوني
صدر الخط الهمايوني في 18 شباط 1856 "تزامناً مع مؤتمر باريس؛ وقد ضغطت الدول الغربية على السلطان عقب حرب القرم لإجراء إصلاحات جذرية داخلية، ولاسيّما بالنسبة إلى المساواة في الحقوق بين كلّ رعايا السلطنة دون تمييز بين المذاهب، أسوة بما قام به إبراهيم باشا مدة حكمه"[16].
إنّ هذه التدابير التي تحرّر المسيحيين، وتجعلهم متساوين في الحقوق والواجبات مع سائر أتباع السلطنة العثمانيّة، لم تكن لترضي المسلمين [السنّة] والدروز الذين كانوا هم الأسياد، من قبلُ، وكان المسيحيون عبيداً وخدماً لهم. "فكانت ردّة الفعل عند مسلمي بعض البلدان عنيفة جداً، فهاجوا وماجوا ودفعهم تعصّبهم الديني إلى ذبح عدد من مواطنيهم النصارى الأبرياء: ففي 16 تموز 1858 مثلاً، ثار الأوباش، فذبحوا قنصلي فرنسا وإنكلترا وتسعة عشر مسيحياً، كذلك حصلت مذبحة مماثلة في بوسنيا وللسبب نفسه"[17].
وكتب سْكينّ، القنصل البريطاني في حلب إلى سفيره في إسطنبول في 31 آذار 1859، قائلاً: "إنّ المسيحيين رعايا السلطان في حلب يعيشون في حالة الخوف بسبب ما أصابهم من النكبات منذ تسع سنوات؛ على أنّ حالتهم ليست أسوأ منها من حالة سائر المسيحيين في غير مدن، الذين لم يشهدوا الفظائع التي حلّت في حلب سنة الخمسين. في تلك السنة نُهبت البيوت وقُتل الرجال من الأعيان وفُضحت نساء. فلا عجب أنّ من كانوا شهود عيان لتلك الحوادث يبيتون في الوجل والخوف فيخبئون أموالهم وعيالهم في البيوت ويتحاشون الخروج من الأحياء المسيحيّة. على أنّ الاحتلال المصري خفّف من شدّتهم، لأنّ المسيحيين قبل 1832 كانوا يُمنعون من ركوب الخيل وكانوا يُسخّرون في تكنيس الطرقات وحمل الأحمال ليبيّنوا خضوعهم وصبرهم ولم يكن المسلمون يخاطبونهم إلاّ بالاحتقار. وجاء المصريّون ولطّفوا من قساوة تلك المعاملة. ولمّا رحلوا عن البلاد لم تتجدّد المعاملات المشينة بحقّ المسيحيين في الظاهر، أمّا في الباطن، فلم يحدث تغيير محسوس. ولا يزال المسيحيون يتحدّثون بما حلّ بهم من نكبات ويخافون من قومة البلد في كلّ عيد أو حفلة من أعياد أو حفلات المسلمين"[18].
الوضع الاقتصادي في المشرق قبل العام 1860
جاء الكساد الاقتصادي في أوروبا بين العامين 1857 و1858، فحدث انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي بين أوروبا ومشرقنا، فتأثّر مَنْ كان يعتمد في أعماله على هذا النشاط الاقتصادي، فازدادت البطالة، خاصة بين صغار الكسبة، ووقعتْ حوادث سرقة حتى على قوافل الحج القادمة من بغداد. "فلجأ الكثير من التجار الدمشقيين المسلمين إلى الاقتراض من التجار المسيحيين واليهود في دمشق وبيروت. وفي العام 1858، سمحت السلطنة العثمانية للأوروبيين والمتعاملين معهم في سوريا، من غير المسلمين، بشراء الأراضي من الدمشقيين المسلمين، للتخفيف من أعباء هؤلاء المالية ومن مديونيتهم. فازداد غنى غير المسلمين، وازدادت الضائقة الاقتصادية على المسلمين، فصبّوا جام غضبهم على الأوروبيين وأعوانهم من الدمشقيين غير المسلمين!"[19]
اعتبرت القوى الكبرى الأجنبية الخط الهمايوني، في العام 1856، التزاماً دولياً. فلم يكن باستطاعة السلطان تعديله أو إلغاؤه إلا بموافقتها. وبناءً على هذا الخط الهمايوني، تمّ إبراز المساواة الدينية في جميع المشاريع الاقتصادية في العام ذاته.
في المجمل، كانت هذه الإصلاحات تُضعف الباب العالي وتسرّع من دخول الرأسمال الأجنبي، وهذا ما جعل السلطنة العثمانية شبه مستعمَرة للقوى الكبرى الأوروبية الرأسمالية.
اعتبر الفلاحون اللبنانيون أن الخط الهمايوني هو إشارة إلى مساواتهم الاجتماعية مع الآخرين، وبالتالي قاموا برفض التزامهم مع الإقطاع. فقامت ثورة الفلاحين في كانون الثاني من العام 1859 بقيادة طانيوس شاهين حداد في كسروان، وعلى إثرها أضحى قائمقاماً. وامتدت هذه القومة إلى أنحاء لبنان وإلى اللاذقية أيضاً. فبدأ الإقطاع الدرزي يسلّح الفلاحين الدروز[20].
إنْ عدنا إلى العام 1854 ، فسوف نقرأ ما يلي، وهي ترجمة لما جاء في قاموس الجغرافيا القديمة والحديثة، الفرنسي والمطبوع في باريس في ذاك العام، حول مدينة دمشق: "إنها المدينة الأكثر أهمية والأكثر تصنيعاً في المشرق. لقد أعطت اسمها للمنسوجات الحريرية التي يتسابق الغربيون على شرائها. كما أن هذه المدينة تعمل في تجارة السيوف الفولاذية ذات النصال القاطعة بامتياز والمنسوجات الحريرية الجميلة والأصداف وماء الزهر. تمرّ فيها القوافل التجارية باتجاه حلب وبغداد وتتجمّع فيها قوافل الحج"[21].
جَلَب الحرير إلى سوريا، فوائد عدّة، إلا أنه جَرَّ عليها مصائب كثيرة أيضاً. إذ إن الحرير في القرون الماضية، أي من القرن السادس للميلاد وحتى منتصف القرن التاسع عشر، شكّل نعمة وثروة، كانت عماداً للاقتصاد السوري، تشابه النفط والغاز حالياً في كلّ العالم. لكنْ، أُصيبَت صناعة الحرير في فرنسا في منتصف القرن التاسع عشر بكارثة كبيرة، فقد أصاب مرض خطير دودة الحرير فيها، وكذلك أصاب المرض نفسه دودة الحرير في الصين، في وقت كانت فيه فرنسا تستورد نصف حاجتها من الحرير الصيني، عن طريق وسطاء تجاريين دمشقيين، فارتفعت أسعار الحرير بشكل جنوني في السوق العالمي. وقد امتدّت فترة الأزمة من العام 1845 حتى العام 1869… كذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الصناعة، وخاصة الحريرية، كانت متمركزة في الحي المسيحي في مدينة دمشق[22]، وهو الحي الذي استهدفته حوادث العام 1860، بأدوات إنتاجه وحرفييه المختصين.
لقد اجتاح فرنسا، إذن، وخاصة في الوسط والجنوب منها، مرض جديد، أصاب دودة القز، هو "مرض الأرجل السوداء" إضافة إلى أمراض أخرى قديمة ومعروفة سابقاً، مثل "الكلسة" وغيرها. اجتاح هذا المرض الجديد مواسم دودة القز هناك. ولم يستطع لويس باستور التوصّل إلى حلّ طبي ناجع للقضاء على مرض الأرجل السوداء، إلا في العام 1865: "لقد قام باستور بتعليم مربّي دودة القز الوسيلة الناجعة لمكافحة الأمراض الخطيرة التي أصابت يرقتها، وذلك باختيار بذور الدودة السليمة"[23]. وهكذا، "حصل تراجع كبير جداً في صناعة الحرير في فرنسا"[24]، بشكل خاص. لكن، بالرغم من ذلك، نجد أن ورشات الحرير قد ازدادت أعدادها في فرنسا، "فبلغ عدد الأنوال في ليون، في العام 1860 حوالى 100000 نول، فكانت تلك الفترة هي أفضل فترة لازدهار الورشات العائلية للحرير"[25]. فكيف حدث ذلك والأمراض كانت تجتاح دودة القز الفرنسية؟! لا بدّ من أن يكون الجواب واضحاً في ما تلا من أحداث العام 1860 في بلادنا!
أما "دودة قزّنا الصامدة"، فبقيت سليمة معافاة في سوريا ولبنان، ما فتح أعين الغرب، وفرنسا بالذات، كي تسعى من أجل الاستيلاء على نتاجنا السوري من الشرانق بأبخس الأثمان في سبيل تصنيع الحرير في الغرب وبيعه مرة أخرى لبلادنا بأغلى الأثمان، إذ كانت دمشق، قبيل العام 1860 تشكّل أكبر مركز صناعي لإنتاج الحرير والاتجار به عالمياً، إضافة إلى الصناعات النسيجية الأخرى. كيف السبيل إلى ذلك؟! كان لا بدّ من ترهيب السوريين الذين يعملون في حلّ الحرير وحياكته وتجارته، وهم، في تلك الآونة، كما ذكرنا سابقاً، من مسيحيي سوريا، وجعلِهم يتخلّون عن هذه الصناعة ويفرّون من بلدهم! إذ إن الصناعات الحريرية تركزت آنئذٍ في الحي المسيحي في مدينة دمشق، وهو الحي الذي استُهدِف في طوشة 1860، كما سبق وذكرنا.
كانت صناعتا الغزل والنسيج مزدهرتين في ذلك الوقت، ويعمل فيهما في دمشق ما يقارب من 20000 شخص، وكان المسيحيون حصراً هم الذين يديرون كلتا الصناعتين. سبّبت حوادث العام 1860 حركة هجرة مكثفة لأعداد كبيرة من المسيحيين إلى بيروت والإسكندرية والقاهرة.
وإضافة لما سببته من خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، فقد أفسحت طوشة العام 1860 المجال للتدخل الأوروبي في الشؤون الداخلية للبلاد ولوضع اليد على مرافق اقتصادية هامة، منها، بشكل خاص صناعة الحرير وتجارته[26].
لقد كان "لاختلاف القوى العظمى حول السيطرة على أسواق الحرير الدور الأكبر في إشعال الحرب الأهلية في لبنان العام 1860 التي كانت تسمّى (طوشة 1860)"[27].
طوشة العام 1860
ما هي هذه "الطوشة"؟ لقد تآمر الغرب، ممثّلاً بالقناصل الغربيين، وخاصة قنصل فرنسا، مع السلطة العثمانية من أجل افتعال المذابح ضد صنّاع الحرير السوري لتهجيرهم، وهم الذين كانوا ممسكين بصناعة الحرير وتجارته في أغلبيتها. تمّ جلب غوغاء من داخل دمشق وخارجها، ودُفِعَت لقادتهم من " قبضايات الحارات سيئي السمعة" أموال طائلة، وصلت إليهم عن طريق العثمانيين، من شركات الحرير الفرنسية وغيرها، وطُلِب منهم، باسم " الدين"، ذبح دمشقيي القيمرية، وهي الجزء الصناعي والتجاري الهام من الحي المسيحي في دمشق، والتي كانت تدعى " الهند الصغرى" لِما فيها من حرير متنوّع قد لا يجد له المرء مثيلاً، وكله من الصناعة السورية الفاخرة. وهكذا كان… استُبيحَت القيمرية استباحة رهيبة: تدمير كامل للبنى التحتية وإحراق لورشات صناعة الحرير… ذبح للحرفيين وللتجار العاملين في صناعة الحرير، وسرقة لأموالهم وسبي لنسائهم وتفكيك لورشاتهم من أجل سرقتها ومن ثم إحلال الغرباء مكانهم، وتحويل ورشاتهم في ما بعد إلى دكاكين صغيرة لتصريف البضائع الغربية.
"وبينما بدأت الأحوال تهدأ ودعي الأطراف إلى لقاء مصالحة، مطلع تموز 1860، اندلعت أحداث دمشق من دون مبرّر، إذ إن المسيحيين الدمشقيين كانوا مسالمين وعزّل. وهوجمت الأحياء المسيحيّة نهار الاثنين 9 تموز، وبدأ النهب والحرق والتقتيل؛ ويقدّر عدد القتلى بعشرة آلاف مسيحي من أصل 35 ألفاً.
في اليوم الذي أُعلِن فيه عقد الصلح في لبنان، حدثت فتنة في دمشق… نهار الاثنين 9 تموز الساعة الثانية بعد الظهر، هوجمت أولاً دار قنصل روسيا ثمّ أُضرمت النار في بيوت كبار تجّار المسيحيين… إن الشوارع ممتلئة بالمتعصّبين وهم يصرخون دائماً ’اقتلوا المسيحيين، أقدموا فقد سُمِح لنا بذبحهم، لا تبقوا على أحد’.
لقد قام [بهذه المذابح] أناسٌ أعماهم التعصّب والبغض، وشجّعهم على عملهم المجرم الحاكم التركي أحمد باشا… في 26 تموز وصل نبأ مذابح دمشق إلى باريس، فأمرت الحكومة بإرسال 7000 جندي إلى بيروت.
وأرسلت الحكومة وزير خارجيتها فؤاد باشا ليتدارك الأمر وأنزل العقاب بمائة وأحد عشر ضابطاً وجنديّاً عثمانيّاً بتهمة الاشتراك بالمذابح والإهمال بتأدية الواجب، كما أنزل بالمئات من الدمشقيين أحكاماً تتراوح بين الإعدام والسجن والنفي. عقب أحداث العام 1860 نزح عدد كبير من المسيحيين… بسبب تخوّفهم"[28].
شارك الوالي العثماني وجنده في دمشق في عمليات القتل والنهب والحرق. وتمّ، في أثناء هذه الطوشة، قتل بعض أفراد البعثات الأجنبية، مثل القنصل الأميركي والهولندي.
ومن النتائج السياسية المباشرة لهذه الطوشة، تمّ، في العام 1861، تشكيل نظام جديد، فُصِلَ فيه لبنان عن سوريا وأصبح حكمه على شكل متصرّفية تحت سيطرة حاكم مسيحي يعيّنه السلطان العثماني بموافقة القوى الأوروبية، ويعاونه مجلس إداري مكوَّن من اثني عشر عضواً من مختلف الطوائف الدينية في لبنان.
قامت فرنسا بنشر قوة عسكرية مؤلّفة من 6000 أو 7000 جندي لحماية هذا النظام. وتمّ الاتفاق على إرسال قوات إضافية عسكرية من الدول الأخرى. ووُصِفَ التدخل الفرنسي آنذاك "بالتدخل الإنساني"! تمركز فيلق المشاة الفرنسي في سوريا منذ آب 1860 وحتى حزيران 1861. وسمّيت "بقوات حفظ السلام"! ألا يذكّرنا هذا الأمر بشيء مشابه يحدث اليوم؟!
قاد فؤاد باشا، إذن، حملة اعتقالات بحق المتورّطين في المذابح ضد المسيحيين… فأعدم وحكم ونفى حوالى 640 شخصاً… وكان بعض المحكومين من كبار موظفي الدولة في الشام.
" أدّت المجازر إلى انهيار اقتصاد جبل لبنان وانهيار صناعة الحرير والمنسوجات في دمشق، وقُدِّرَت مجمل الخسائر بنحو أربعة ملايين ليرة ذهبية".[29]
بين 29 و 31 أيار 1860، تمّ تدمير 60 قرية في محيط بيروت وامتدت الاضطرابات إلى صيدا وحاصبيا وراشيا ودير القمر وزحلة. بين 9 و 11 تموز 1860، تمّ قتل 10000 مسيحي في دمشق بالتواطؤ مع واليها ومع العسكر العثماني؛ كما تمّ تدمير 380 قرية و40 ديراً و560 كنيسة. وفي أواخر تموز 1860، أعلن نابوليون الثالث عن رغبته في "الدفاع" عن مسيحيي سوريا! كما أعلن عن نيّته إرسال قوات عسكرية إلى سوريا.
"في 11 آب 1860، نشرت صحيفة نيويورك ديلي تريبيون: حاول الفرنسيون إثارة اصطفافات سياسية – دينية على الساحل السوري. وذلك تعبيراً عما فعله القنصل الفرنسي في بيروت من أعمال استفزازية؛ وقد تورّط الفرنسيون أيضاً في ما حدث من أعمال دموية في سوريا.
وفي 5 أيلول 1860، تمّ توقيع اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا تحدّد حجم القوات المحتلّة الفرنسية ب 12000 جندي في سوريا لمدة 6 أشهر فقط. حاول نابوليون الثالث التملّص من هذه الاتفاقية وإبقاء جنوده بحجة أن الوضع غير مستقر في سوريا. لكنّ بريطانيا والنمسا قامتا بتهديده بشنّ حرب ضد فرنسا، فاضطرّ إلى سحب قواته في 5 حزيران 1861. بعد ذلك، انهار نظام القائمقامية المزدوج وأصبح ثمة متصرّف أو حاكم يتمّ تعيينه مباشرةً من الباب العالي في لبنان: متصرّفية جبل لبنان"[30].
ديمتري الدباس، شاهد على مذابح 1860
وُلد ديمتري بن يوسف بن جرجس الدبّاس في العام 1837، في دمشق الشام، في حارة بولاد في باب توما. وتوفّي في العام 1912. دوّن ذكرياته في مخطوط يعود إلى 22 آب 1911 في منطقة ظهور مرحاتا الشوير، في لبنان. يتضمّن هذا المخطوط … سرداً لبعض ما عاينه وعاناه في محنة 1860 التي عصفت بدمشق، ويصف هروبه مع الكثيرين من دمشق إلى بيروت.
يروي الدبّاس أنّ صلحاً عُقد، إثر حرب القرم، "على جملة شروط منها أخذ عسكر من المسيحيين. وأرادت الدولة أن تلغي الشروط، فأرسلت تطلب بدل العسكريّة من جميع ولايتها. فأجاب جميع بلادها بأنّهم يدفعون متى تدفع الشام. فأرسلت حالاً أحمد باشا سرّعسكر إلى الشام وطلب بدل العسكريّة، فلم تقبل الطوائف أن تدفع حتّى تدفع طائفة الروم الأرثوذكس قبلها. وهذه رفضت أن تدفع مالاً بل عسكراً بالتسوية. وكانت روسيا تحرّضهم على هذا الطلب بألاّ يدفعوا بدلاً، بل رجالاً بحسب الشروط المعطاة في حرب روسيا. فانغشّت الطائفة وافتكرت روسيا تأخذ بناصرها. فتنازل أحمد باشا عن طلبه من مئة ألف غرش لحدّ عشرة آلاف غرش، ولم تقبل الطائفة، وكانت تقول: لا يوجد عندنا سوى رجال.
امتلأ السرّعسكر غيظاً وحبس من طائفة الروم أربعين نفراً مع اثنين من الكهنة… وفي الليل حضر عندهم وأخذ يتلطّف بهم ويطيّب خاطرهم وفكّ قيودهم. أمّا المرحوم نقولا صرّوف فقال له: "هذا الجنزير لا أفكّه إلاّ بروسيا". فامتلأ أحمد باشا غيظاً وكمن له الشرّ، وكتب إلى البطريركيّة الأرثوذكسيّة يحرّضها على أن تعظ شعبها".
في الختام يعود الدبّاس إلى رواية ما جرى بعد انتهاء الحروب الطائفيّة (1860) واستتباب السلام، فيقول: "المهاجرون كثيرون، وصار الخوف عظيماً في الشام على المسلمين حيث فؤاد باشا أعدم مائتي واحد من آغوات البلد، ونيشن أحمد باشا الذي سبّب الثورة مع مائتي عسكريّ. فوقع الرعب في قلوب المسلمين… فصارت الحكومة تجمعهم وتحضر المسيحيين، فيأخذون الذي يخصّهم والذي لا يخصّهم. ومن جملتهم وجدوا باسمنا عشر صايات قماش عرفوه من دمغتنا عليه في اسمنا. فأحضروهم لنا إلى بيروت".
أمّا التعويضات الماليّة فطالها الكثير من الفساد. وفي هذا الصدد يقول الدبّاس: "وفُتحت مجالس لتعويض المسلوبات والمحروقات، وعُيّنت كمسيونات… فحصّلنا أربعين ألف غرش لمحروقات وتعويضات لنا، لم يبلغ ربع مطاليبنا وكثيرون الذين أخذوا مئات الألوف وليس لديهم شيء. ملخّص الأمر كانت أكثر النقود تُدفع براطيل إلى أعضاء الكمسيونات وهذه الأموال كانت تُعطى شراكي. وصارت تباع بستّين أو سبعين يأخذها أغنياء بيروت ليدفعوا منها للحكومة ويقبضوها، حتّى صارت مصائب قوم عند قوم فوائد"[31].
يبدو جليّاً أنّ الروس تخلّوا عن حماية الأرثوذكس، وذلك بعدما دفعوا بالأرثوذكس إلى مواقف تؤدّي إلى تأجيج الصراع، وتؤدي تالياً، إلى تحميل المسيحيين مسؤوليّة بدء المشاكل. من هنا، استطاع التدخّل الأجنبي تأدية دور مهمّ في تسعير النزاعات.
بالرغم من وجود ذوي المصالح وراء إيقاد الفتنة الطائفيّة لدى المسلمين، يقدّم الدبّاس نماذج ثلاثة عن المسلمين، من أمثال هاشم آغا، أغوات حارة الميدان، الأمير عبد القادر الجزائري، وهم الذين وقفوا سدّاً منيعاً ضدّ ارتكاب المجازر في حقّ المسيحيين. "فكثيرة هي العائلات الدمشقية التي فتحتْ دورها لحماية مسيحيي دمشق، أحبائها وجيرانها… من أمثال آل العابد والحسيبي والتيناوي والحلبي والنابلسي والعطار والعمادي والشربجي وآل دياب أيضاً…"[32]
هكذا إذن، تمّ ضرب صناعة الحرير السورية وكذلك اللبنانية التي كان يمكن لها السيطرة على السوق الأوروبي بأكمله، أي بعبارة أخرى، تمّ تخريب الاقتصاد السوري، وتمّ قتل خيرة الصناعيين وتهجيرهم وجعل الاقتصاد اقتصاداً مستهلكاً بعد أن كان منتِجاً، وفتح السوق السورية على مصراعيها أمام البضائع الأجنبية. لقد تمّ القضاء على المنافِس الحقيقي للاقتصاد الغربي والاستحواذ على المادة الأولية الهامة وهي الحرير السوري. تمّ أيضاً بعد ذلك، في العام 1875، افتتاح فرعين، في سورية ولبنان لبنك Crédit Lyonnais وهو الذي لعب دوراً هاماً في ربط ما تبقّى من صناعة الحرير وتجارته في سوريا بصناعة مدينة ليون الفرنسية. وهذا ما يفسّر لنا ازدياد عدد ورشات الحرير في فرنسا، وفي ليون تحديداً، في العام 1860، "فكانت تلك الفترة هي أفضل فترة لازدهار الورشات العائلية للحرير"[33].
في ذاك الزمان، أي في القرن التاسع عشر، كان الحرير يمثّل ثروة حقيقية في العالم، وفي سوريا تحديداً، من أجل قيام نهضة صناعية. أما اليوم، في الألفية الثالثة، فالمادة الأساسية لأي نهضة صناعية هي النفط والغاز.
ألا يذكّرنا هذا الأمر بشيء مشابه يحدث اليوم؟!
في العام 1860 ، بلغ عدد سكان دمشق حوالى مئة ألف نسمة، خمسهم تقريباً من المسيحيين. في الحد الأدنى، قُتِل حوالى خمسة آلاف مسيحي أو يزيد، وهُجِّرَ حوالى تسعة آلاف منهم، على ثلاث دُفُعات، ولم يبقَ في دمشق، على الأكثر، إلّا ما نسبتُه ربع السكان المسيحيين تقريباً، وهذا ما أدّى إلى تغيير في الطابع الديموغرافي للمدينة وكذلك في الطابع العمراني! مَن بقي حيّاً من صنّاع الحرير وتجّاره من المسيحيين، جُمِعوا في قلعة دمشق بحماية الأمير عبد القادر الجزائري، آنذاك، ثم هُجِّروا، إلى بيروت، سيراً على الأقدام، حيث أُقيمَت لهم مخيّمات في حرج بيروت أو غابة الصنوبر، وهي الآن مقرّ السفارة الفرنسية في تلك المدينة. بعض المهجّرين استقرّ في لبنان وبعضهم الآخر استقرّ في مصر، فشكّلوا جالية " الشَّوام" هناك التي عملت، وما يزال أحفادها يعملون في صناعة النسيج القطني المصري. استمرّت فرنسا في تقديم الغذاء والخيام لمن بقي في لبنان، لفترة طويلة[34].
ألا يذكّرنا هذا الأمر بشيء مشابه يحدث اليوم؟!
أما في منطقة الميدان في دمشق، فلم يُمَسَّ مسيحيّوها لأنهم كانوا تجار حبوب ولا علاقة لهم بالحرير لا من قريب ولا من بعيد. قيل الكثير عن " فتنة دينية" في العام 1860: لو كان الأمر كذلك، لماذا لم يحدث الشيءُ ذاتُه في بقية الأحياء الدمشقية والمدن السورية؟ لأن الهدف على ما نعتقد هو تدمير المركز الصناعي والتجاري في مدينة دمشق، التي أدخل صناعيوها الرواد الأنوال الآلية، الجاكار، والتي دُمِّرَت أو نُهِبَت بالكامل، إذ كانت تنتج أنواعاً ممتازة من الحرير عالي الجودة وبأسعار معتدلة، ما جعل الحرير السوري مطلوباً عالمياً!
سرقة النفط السوري اليوم ومحاولة السيطرة على الغاز الواعد على طول الساحل السوري، وإحراق البِنى التحتية والبنية العمرانية والحال في مخيمات المهجَّرين السوريين: أليس ثمة من تشابه بين الحالتين؟!
كان ثمة ورشة لحلّ خيوط الحرير في المنطقة لم يُصِبها سوء، في أثناء طوشة العام 1860 ، وبقيت تعمل كالمعتاد، إذ إنها ملك لشخص فرنسيّ؛ زار الكاتب الفرنسي فرانسوا لونورمان بعضاً من القرى اللبنانية، مثل حمّانا، ولاحظ دمارها الكامل ودمار ورشات الحرير فيها، عدا ورشة لحلّ الحرير لم يلحق بها أي أذى. حين تمّ سؤال المهاجمين عن السبب، قيل له إنها من أملاك السيد بيرتران الفرنسي وقد "وصلتهم الأوامر" بعدم المساس بها، وبتدمير كل ما عداها! إذ إنّ الكثير من الفرنسيين والغربيين قد استوطنوا في أنحاء لبنان وفي دمشق، وأسسوا مراكز لتربية دودة الحرير ولصناعة الحرير، وذلك لتأمين هذه المادة لمصانعهم في بلدانهم.[35]
أخيراً، وبعد تحقيق الأهداف من هذه المذبحة، أمر الباب العالي في السلطة العثمانية بإعدام والي دمشق آنذاك أحمد باشا من دون محاكمة؛ "إنّ مراقبين لتلك الأحداث وممن عايشوها ومنهم السيد ’روبسون’ قد أفادوا أن الوالي الذي كان تحت إمرته أكثر من 600 عنصر من الجيش العثماني، كان بإمكانه وقف تلك الأحداث لو أمر 50 عنصراً فقط بإغلاق مداخل الأحياء المسيحية في دمشق، لكنه لم يفعل"[36]. ويُقَدَّر عدد الضحايا المسيحيين بين 10000 و11000، علماً أن عدد سكان دمشق حينها كان 100000 نسمة، خمسهم من المسيحيين[37]. وقد قيل إن تعيينه في منصبه هذا جاء بناء على مساعٍ لإحدى السفارات الغربية في إسطنبول[38]. كما تمّ إعدام أكثر من مئتَيْ شيخ حارة أو زعيم حارة، وإبعاد الكثير من المشاركين فيها إلى تركيا ومدن بعيدة أخرى لسنوات[39]. تمّ إعدام هؤلاء، الذين قادوا الغوغاء في تلك المذبحة، دون محاكمة، فدُفِنَت الحقيقة مع هؤلاء العبيد المأمورين!
قبل " طوشة" العام 1860 ، كان صوت أنوال الحرير يُسمَع في أرجاء دمشق؛ أما بعدها، فلم يبقَ مَن يعمل على هذه الأنوال إلا كل " طويل عمر" وبعض العمال الغرباء عنها… ما هو، والحال هذه، مصير شرانق دودة الحرير؟ على السوريين بيعها طبعاً بأبخس الأثمان إلى التجار الفرنسيين وغيرِهم ليتم تصنيعها في معامل فرنسا الاستعمارية ليُعاد تصديرُها إلى سوريا فيشتريها الناس بأغلى الأثمان، وأصول تلك الأثواب الحريرية من شرانقهم السورية التي صنعتها بدأب " دودة القزّ" السورية!
وها هي الأحداث المشابهة لطوشة 1860 تتكرّر في كل قرن؟!
ففي العام 1915 ، أرسلت كلٌّ من غرفة تجارة ليون وغرفة تجارة مرسيليا رسالة إلى وزارة الخارجية الفرنسية لتشجيعها على احتلال سوريا ولبنان من أجل إلحاق سوق الحرير فيهما بسوق الحرير في ليون[40]. وهذا ما حصل بالفعل. جثم الانتداب الفرنسي على صدور السوريين، "فسرق" شرانق الحرير بأبخس الأثمان وأعاد تصنيعها في ليون ليبيعها لهم بأغلى الأثمان، كما أنه ساهم في ضرب مواسم الحرير السوري بإدخال الحرير الصناعي الأرخص ثمناً إلى سوريا ولبنان، فتراجعت صناعة الحرير في سوريا[41].
"إن بلوغ صناعة وتجارة الحرير عصرها الذهبي في دمشق أثارت حسد المسلمين المتعصبين، فتلقّت صناعة الحرير في دمشق ضربة قاتلة عام 1860"[42]، وقد كان نقص الإنتاج، في معامل الحرير في دمشق، هو الذي مهّد السبيل قسراً أمام استيراد أصناف الحرير الأوروبية.
أما الكراخين في لبنان، وهي ورشات حلّ خيوط الحرير، فقد بلغ عددها بين سنة 1847 و 1850 خمساً، منها ثلاث فرنسيات، "وتكاثر عدد الكراخين اللبنانية فبلغ السبع والستين سنة 1867، منها عشر فرنسيات…"[43]
" وكانت أجود أنواع الحرير تصدر من البلاد…"[44]
" وبعد سنة 1860 وقف عدد من أنوال دمشق وهجر المدينة صنّاعها…"[45]
في مقالة نُشِرَت على موقع وكالة سانا، أوضح الباحث الياس بولاد في حديث لـ سانا الثقافية "أن دمشق كانت قبل أحداث فتنة 1860 أكبر مركز صناعي في المنطقة وكانت المدينة الصناعية الأولى في الشرق بلا منازع لما فيها من معامل ومصانع ومواد خام وورشات وعمال وصناعيين مهرة بالإضافة إلى علاقات دولية تربطها بالمراكز التجارية في العالم، حتى إن أسعار الحرير العالمية كان يحددها تاجر دمشقي اسمه فرنسيس مسابكي، تم قتله بلبوس طائفي، ما يؤكد أن الموضوع في تلك الفتنة المفتعلة كان استهدافاً من الدول الغربية لسورية كبلد متطور صناعياً آنذاك.
وأضاف بولاد أن أهمية ومكانة دمشق في ذلك الوقت دفعت الغرب إلى القضاء على أمهر الصناعيين والحرفيين وحرق ورشاتهم ومنازلهم وأحيائهم وتسهيل هجرة من تبقى منهم.
وبعد توقف تلك الأحداث تمت إعادة بناء الأحياء المحروقة والتي كانت تتركز فيها صناعة الحرير وأهمها حي باب توما وحي القيمرية ولكن المشكلة أن عملية البناء تمت على النمط الغربي…
مشيراً إلى أنه كان في كل كنيسة دمشقية أرشيف يوضح مهنة كل حرفي، إلا أن هذا الأرشيف تم إحراقه في أحداث 1860 …
مستشهداً بما قاله الشاعر الفرنسي لامارتين عندما زار خان أسعد باشا في دمشق في العام 1833 “أن شعباً يستطيع مهندسوه إنشاء مثل هذا الصرح وعماله لهم المقدرة على تنفيذه لايمكن للفنون أن تموت عندهم”…"[46].
وهؤلاء الرحّالة الأوروبيون، عند زيارتهم للشرق، من أمثال الشاعر والسياسي الفرنسي لامارتين، "كانوا يتحدثون… عن الصناعات الحريرية الفاخرة وعن الغنى والتنوّع الصناعي، وغيرها من الصناعات الموجودة في أسواق دمشق وحلب، وكذلك عن رخص هذه المنتجات"[47].
بعض شهادات الشهود، وأهمهم الأمير عبد القادر الجزائري، على طوشة العام 1860
تتعدَّد التحليلات التي تتناول أحداث العام 1860، لكنّ الثابت هو أن التدخل الخارجي ساهم في تأجيج العوامل الداخلية التي تسبَّبت باندلاع الحرب بين الدروز والموارنة في جبل لبنان… "ودوَّن بعضهم مشاهداته في كتابات سجَّلوا فيها الوقائع الفظيعة التي عاينوها، ومنهم ميخائيل مشاقة… انتهى مشاقة من كتابة شهادته في 22 تشرين الثاني 1873، ونُشرت هذه الشهادة في القاهرة، العام 1908، بعنوان ’مشهد العيان بحوادث سوريا ولبنان’. تدين هذه الشهادة في الدرجة الأولى، والي دمشق أحمد باشا ووالي بيروت خورشيد باشا، وتشدِّد على دورهما الأساسي في إشعال هذه الأحداث… ومثل ميخائيل مشاقة، يذكر شاهين مكاريوس طائفة من "كرام المسلمين وأصحاب العقل" دافعوا ما استطاعوا عن المسيحيين، منهم الشيخ سليم العطار والشيخ مسلم الكزبري وصالح آغا المهايني وعمر آغا العابد والعلامة الشيخ عبد الغني الميداني"[48]؛ إضافة إلى السيد أحمد الخياط، الذي استطاع حماية بعض تجار الحرير وصنّاعه من آل بولاد[49].
ويصف الأمير عبد القادر الجزائري في رسالته المؤرَّخة في 18 تموز 1860، الأحداث قائلاً:
"وفي يوم الأربعاء وفي ظل الادعاء بمقتل اثنين من المسلمين، وهذا ليس بالسبب، عادت الحرب للاشتعال, ووالي دمشق عدمُه ووجودُه واحد…
لا نعرف تماماً عدد القتلى و لكنهم يقدَّرون بحوالى 3,300 [مسيحي], وكل المسيحيين و الأوروبيين الذين احتموا بمنزلي هم سالمون… ولكن على ما يبدو بأن إجراءات فؤاد باشا، وهو وزير الخارجية العثماني الذي انتدب من قبل الخليفة للتحقيق في حوادث دمشق، والتي أتت سريعة و مخالفة للتوقعات ببيروقراطية الجهاز العثماني عادةً…"[50]
ومن الملفت للنظر أيضاً أن الرأس المنفّذ للمؤامرة وهو "والي دمشق العثماني أحمد باشا قد أُعدِم مباشرة من دون محاكمة وهو الذي قيل بأن تعيينه والياً على دمشق قد جاء إثر مساع لإحدى السفارات الأجنبية في إسطنبول!"[51].
وفي الرسالة ذاتها، قال الأمير عبد القادر الجزائري، موجِّهاً رسالته إلى مستوضحيه في لبنان عن حوادث الشام:
" هجم هؤلاء المسلحون مدجّجين بالسلاح على بيوت المسيحيين، فكانوا يقتلون ويحرقون وينهبون، وكان الجنود الأتراك يعاونونهم، متظاهرين بقصد تهدئة الثورة ويجارونهم بالقتل والنهب… شجّع المشايخ والوجهاء في دمشق الغوغاء على قتل المسيحيين، بسبب الخط الهمايوني الذي تضمّن بعض الامتيازات للنصارى على المسلمين"[52].
وقد ذكر ليون فيرهيغ Verhaeghe في كتابه ’رحلة إلى الشرق’، ما يلي:
"في صباح يوم 28 تشرين الأول 1862، قادنا دليلنا إلى الحي المسيحي… ولم أرَ في حياتي من شيء أكثر بؤساً. فمنذ عامين اثنين، لم يُشيَّد فيه مجدداً أيّ شيء، كأنه كومة هائلة من الأنقاض. فالدمار واقع كيفما اتجهت، ويمتد بعيداً جداً حتى يعطيك انطباعاً عن مدينة كاملة نُهِبَت ودُمِّرَت… فالشوارع ملأى بالأنقاض والأتربة، أما الدرب المستقيم (شارع مدحت باشا)، فيتعذّر السير فيه تقريباً"[53].
إذن، افتعلت الدول الأوروبية هذه الفتنة لتكون ذريعةً لها في احتلالها لبلاد الشام وفصلها عن الدولة العثمانية؛ "ولم تكد تلك الفتنة تبدأ، حتى رأينا القادة والملوك الغربيين يطالبون الدولة العثمانية بحماية المسيحيين وإلا سيتدخّلون بجيوشهم لحماية إخوانهم في الدين. وما هي إلا أيام حتى رأى الناس الأسطول الفرنسي يرسو في ميناء بيروت وينزل قواته الغازية"[54].
طلبت الحملة العسكرية الفرنسية التي أتت إلى بيروت في العام 1860 من البطريرك الماروني ومن يوسف بيك كرم، الذي كان يدافع عن حقوق الفلاحين الذين [يربّون] دودة القز لإنتاج الحرير، نقل "بعض الفلاحين على متن بوارجها للإقامة في بلاد الجزائر حيث تؤمِّن لهم الأراضي الزراعية الخصبة هناك ليمارسوا [تربيتها] تحت حكم الفرنسيين… من الواضح أن الغاية تمثّلت في جعل [تربية] دودة القز لصناعة الحرير أقرب وأرخص لهم من سواحل لبنان وجباله"[55]!
ويؤكد ألفريد مارتينو على أن فرنسا "كانت تستورد، كامل الكمية من الحرير، الفائضة عن إنتاج الورشات المحلية في دمشق"[56].
كما أنه يقدّر"عدد المهنيين العاملين في تصنيع الحرير في دمشق، قبل العام 1860، بثلاثين ألفاً، أغلبهم مسيحيون وعشرة آلاف متخصصٍ في هذه المهنة"[57].
أهداف طوشة 1860
"1- استهداف وضرب القاعدة الاقتصادية النشطة في دمشق وبنيتها الصناعية التي كان المسيحيون الدمشقيون يحتفظون بها في أحيائهم، حيث رأى الغربيون أنها المنافِسة الحقيقية لصناعتهم لأنها تستخدم مادة الحرير التي يريدونها رخيصة ولمعاملهم فقط!
2- القضاء على أمهر الصناعيين والحرفيين وعلى ورشات عملهم ومنازلهم، حيث كان معظمهم من المسيحيين الدمشقيين، وكان التركيز في هذه الحواد
Discussion about this post