ليس من الواضح تماماً متى سيتم الاستفتاء على الدستور الجديد. وليس من الواضح بالتالي طول مدة مناقشته وهي الفاصلة بين إعلان المشروع وبين الاستفتاء عليه. إلا أن وزير الخارجية السورية ذكر في مؤتمره الصحفي يوم 24/1/2012 أن الاستفتاء سيتم قريباً.
وألاحظ أن الدستور الجديد، بخلاف دستور 1973، لن تكون له، عند الاستفتاء عليه، محاضر معلنة تكشف عما دار في جلسات مناقشاته وصياغته. هذه المحاضر هامة في تفسير النصوص. وأطالب، منذ الآن، بأن تَُعلَنَ النية في جعلها مُعلنة. فإذا كانت جاهزة لحظة إعلان مشروع الدستور فمن الواجب إعلانها معه.
تفضلت جريدة الوطن على متابعي الشأن الدستوري، عبر بعض أعدادها وعلى مدى المائة يوم السابقة، بنشر أهم ملامح الدستور الجديد. ولاسيما منها ما كان موضع نقاش. ومما نشرته أمران يتعلقان بموضوع هذه الأسطر.
الأمر الأول هو استقرار الرأي على نص دستوري يحدد الإسلام ديناً لرئيس الجمهورية. وفي ص /20/ من كتابي: الحياة الحزبية في سورية ومستقبلها (دمشق 2004) تفصيل عن ظروف تبني هذا النص، بين إعلان مجلس الشعب مشروع دستور عام 1973، وبين رسالة رئيس الجمهورية إلى المجلس في 20/2/1973.
والأمر الثاني هو التأكيد على أن صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور الجديد ستكون ذاتها في دستور 1973، أو قريبة من ذلك.
وبما أن حديثنا اليوم عن نائب رئيس الجمهورية فلنتتبع ما ورد في دستور 1973 عن النائب.
ترد في المواد /86/ و /88/ و /89/ و /95/ و /96/- وربما في غيرها أيضاً، ولم ألحظه- ألفاظ نائب رئيس الجمهورية أو النائب الأول لرئيس الجمهورية، أو نواب رئيس الجمهورية. للمادة /95/ ، من بين هذه المواد، صلة خاصة بموضوع هذه الأسطر ونصها كما يلي:
“يتولى رئيس الجمهورية تسمية نائب له أو أكثر وتفويضهم ببعض صلاحياته…”
ومن قراءة هذه المادة وغيرها من المواد التي يرد بها ذكر لنائب رئيس الجمهورية أو لنائبه الأول أو لنوابه، يتضح أنه ليس ثمة شروط لمن تتم تسميته نائباً تناظر تلك الشروط التي نصت عليها المادة /83/ ونصها كما يلي:
“يشترط في من يرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون عربياً سورياً، متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، متمماً الرابعة والثلاثين من عمره”
أو المادة /3/ فقرة /1/ ونصها كما يلي: “دين رئيس الجمهورية الإسلام”.
وهكذا، فبالمعنى المخالف لما يؤهل لرئاسة الجمهورية، هل يمكن القول أنه لا يشترط في نائب رئيس الجمهورية أن يكون عربياً سورياً أو أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية أو ألا يكون متمماً الرابعة والثلاثين من عمره؟ لا، بالطبع.
ثم إن النص في المادتين /3/ و /83/ استعمل صيغة الذكورة. فهل كان ذلك من النص استبعاداً للإناث عن رئاسة الجمهورية؟ قد يُجادل بعض اللغويين فيقول نعم. الشاهد: المناقشات الدستورية القديمة في الكويت حول حق المرأة في الانتخاب والترشح.
في كل حال ثمة إجابتان نظريتان جائزتان عن السؤالين السابقين.
الإجابة الأولى: يُشتَرَط في نائب الرئيس أن يكون محقِقاً كل ما يُشتَرَط في الرئيس.
الإجابة الثانية: لا يَُشترط. بمعنى أن نائب الرئيس لا يصح أن يصبح رئيساً إلا إذا استوفى الشروط الواجبة في الرئيس، لكن يُمكِنُهُ أن يكون نائباً للرئيس دون استيفاء كل الشروط، مع ملاحظة أنه لا يصح أن يصبح رئيساً.
في الناحية العملية كان كل نواب الرئيسين (حافظ وبشار) من العرب السوريين المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية ومن الذين أتموا السن المؤهل للرئاسة الذي كان الأربعين ثم أصبح الرابعة والثلاثين.
وفي الناحية العملية لم تعتبر الذكورة شرطاً لنيابة الرئاسة، فقد سميت السيدة الدكتورة نجاح العطار نائباً عن للرئيس في آذار /2006/.
هنا يرد السؤال العام جدّاً:
“ماذا عن المواطن المؤهل للرئاسة في كل اشتراطاتها ماعدا الدين؟ يمنعه الدستور من أن يكون رئيساً للجمهورية، فهل يمنعه من نيابة الرئاسة؟ ”
بحسب الإجابة الأولى: نعم. بحسب الإجابة الثانية: لا. أما في الناحية العملية فإن الأمر لم يطرح في مسيرتنا السياسية منذ عام 1954. وحين طرح الأمر عام 1954 جاء ذلك في معرض أحداث جسام بحيث أنه لم يكن له تقدمه في جدول أعمال تلك الأيام. وما أشير إليه مما جرى آنذاك هو أن السيد سعيد اسحق، نائب رئيس المجلس النيابي عام 1953، أصبح بحكم الدستور، ولمدة وجيزة جداً، رئيساً للجمهورية في الفترة بين استقالة أديب الشيشكلي من رئاسة الجمهورية، واستقالة رئيس مجلس النواب منها، وبين عودة الرئيس هاشم الأتاسي إليها. وعند صديقنا الكاتب الموثق الأستاذ مازن صباغ، سبط الرئيس اسحق، التفصيل الكافي. وأثبت هنا أنني حين كنت مديراً لمكتب رئيس الجمهورية للدراسات العامة حاولت استصدار وثيقة رسمية مستقلة، أي قائمة بذاتها، تعلن الحق القانوني لسعيد اسحق في توصيفه رئيساً. وحين انتقل إلى رحمة الله ذلك الرئيس السوري المؤقت كتبت عنه مرثاةً عنوانها: “وداعاً يا عمي سعيد، يا رئيس الدولة”.
أعود إلى صلب الموضوع: هل عرف التاريخ السياسي المعاصر نائباً للرئيس لا يصح، لسبب أوآخر، تخيُّل شغله الرئاسة؟
الجواب: نعم.
في سودان ما قبل انفصال الجنوب، كان ثمة نائب رئيس مسيحي من الجنوب لا يصح تخيل شغله الرئاسة.
وفي عراق ما قبل /2003/ كان ثمة نائب رئيس كردي لا يصح تخيل شغله الرئاسة آنذاك.
وثمة الآن نائب لأمين عام جامعة الدول العربية من الجزائر، هو السفير أحمد بن حللي، ولا يصح تخيل شغله الأمانة العامة إلا لفترة انتقالية محدودة. الأمانة لمصر لأنها دولة المقر رغم عدم وجود نص. وكانت الأمانة لتونس حين كانت دولة المقر.
النتيجة الهامة جدّاً: تدلنا الخبرة العملية بشأن النائب أنه يصح أن يكون نائباً دون أن يكون في المتخيل أن يصبح رئيساً. ومعنى هذا الكلام أنه لا يُشترط في نائب رئيس الجمهورية أن يكون دينه الإسلام.
هذا اجتهادي وأسأل لجنة الدستور إيضاح الأمر.
الدكتور جورج جبور
مؤلف كتاب : “العروبة والإسلام في الدساتير العربية”
سابقاً أستاذ محاضر في كلية حقوق جامعة حلب،
وأستاذ ورئيس قسم السياسة في معهد الدراسات العربية العليا في القاهرة
وألاحظ أن الدستور الجديد، بخلاف دستور 1973، لن تكون له، عند الاستفتاء عليه، محاضر معلنة تكشف عما دار في جلسات مناقشاته وصياغته. هذه المحاضر هامة في تفسير النصوص. وأطالب، منذ الآن، بأن تَُعلَنَ النية في جعلها مُعلنة. فإذا كانت جاهزة لحظة إعلان مشروع الدستور فمن الواجب إعلانها معه.
تفضلت جريدة الوطن على متابعي الشأن الدستوري، عبر بعض أعدادها وعلى مدى المائة يوم السابقة، بنشر أهم ملامح الدستور الجديد. ولاسيما منها ما كان موضع نقاش. ومما نشرته أمران يتعلقان بموضوع هذه الأسطر.
الأمر الأول هو استقرار الرأي على نص دستوري يحدد الإسلام ديناً لرئيس الجمهورية. وفي ص /20/ من كتابي: الحياة الحزبية في سورية ومستقبلها (دمشق 2004) تفصيل عن ظروف تبني هذا النص، بين إعلان مجلس الشعب مشروع دستور عام 1973، وبين رسالة رئيس الجمهورية إلى المجلس في 20/2/1973.
والأمر الثاني هو التأكيد على أن صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور الجديد ستكون ذاتها في دستور 1973، أو قريبة من ذلك.
وبما أن حديثنا اليوم عن نائب رئيس الجمهورية فلنتتبع ما ورد في دستور 1973 عن النائب.
ترد في المواد /86/ و /88/ و /89/ و /95/ و /96/- وربما في غيرها أيضاً، ولم ألحظه- ألفاظ نائب رئيس الجمهورية أو النائب الأول لرئيس الجمهورية، أو نواب رئيس الجمهورية. للمادة /95/ ، من بين هذه المواد، صلة خاصة بموضوع هذه الأسطر ونصها كما يلي:
“يتولى رئيس الجمهورية تسمية نائب له أو أكثر وتفويضهم ببعض صلاحياته…”
ومن قراءة هذه المادة وغيرها من المواد التي يرد بها ذكر لنائب رئيس الجمهورية أو لنائبه الأول أو لنوابه، يتضح أنه ليس ثمة شروط لمن تتم تسميته نائباً تناظر تلك الشروط التي نصت عليها المادة /83/ ونصها كما يلي:
“يشترط في من يرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون عربياً سورياً، متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، متمماً الرابعة والثلاثين من عمره”
أو المادة /3/ فقرة /1/ ونصها كما يلي: “دين رئيس الجمهورية الإسلام”.
وهكذا، فبالمعنى المخالف لما يؤهل لرئاسة الجمهورية، هل يمكن القول أنه لا يشترط في نائب رئيس الجمهورية أن يكون عربياً سورياً أو أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية أو ألا يكون متمماً الرابعة والثلاثين من عمره؟ لا، بالطبع.
ثم إن النص في المادتين /3/ و /83/ استعمل صيغة الذكورة. فهل كان ذلك من النص استبعاداً للإناث عن رئاسة الجمهورية؟ قد يُجادل بعض اللغويين فيقول نعم. الشاهد: المناقشات الدستورية القديمة في الكويت حول حق المرأة في الانتخاب والترشح.
في كل حال ثمة إجابتان نظريتان جائزتان عن السؤالين السابقين.
الإجابة الأولى: يُشتَرَط في نائب الرئيس أن يكون محقِقاً كل ما يُشتَرَط في الرئيس.
الإجابة الثانية: لا يَُشترط. بمعنى أن نائب الرئيس لا يصح أن يصبح رئيساً إلا إذا استوفى الشروط الواجبة في الرئيس، لكن يُمكِنُهُ أن يكون نائباً للرئيس دون استيفاء كل الشروط، مع ملاحظة أنه لا يصح أن يصبح رئيساً.
في الناحية العملية كان كل نواب الرئيسين (حافظ وبشار) من العرب السوريين المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية ومن الذين أتموا السن المؤهل للرئاسة الذي كان الأربعين ثم أصبح الرابعة والثلاثين.
وفي الناحية العملية لم تعتبر الذكورة شرطاً لنيابة الرئاسة، فقد سميت السيدة الدكتورة نجاح العطار نائباً عن للرئيس في آذار /2006/.
هنا يرد السؤال العام جدّاً:
“ماذا عن المواطن المؤهل للرئاسة في كل اشتراطاتها ماعدا الدين؟ يمنعه الدستور من أن يكون رئيساً للجمهورية، فهل يمنعه من نيابة الرئاسة؟ ”
بحسب الإجابة الأولى: نعم. بحسب الإجابة الثانية: لا. أما في الناحية العملية فإن الأمر لم يطرح في مسيرتنا السياسية منذ عام 1954. وحين طرح الأمر عام 1954 جاء ذلك في معرض أحداث جسام بحيث أنه لم يكن له تقدمه في جدول أعمال تلك الأيام. وما أشير إليه مما جرى آنذاك هو أن السيد سعيد اسحق، نائب رئيس المجلس النيابي عام 1953، أصبح بحكم الدستور، ولمدة وجيزة جداً، رئيساً للجمهورية في الفترة بين استقالة أديب الشيشكلي من رئاسة الجمهورية، واستقالة رئيس مجلس النواب منها، وبين عودة الرئيس هاشم الأتاسي إليها. وعند صديقنا الكاتب الموثق الأستاذ مازن صباغ، سبط الرئيس اسحق، التفصيل الكافي. وأثبت هنا أنني حين كنت مديراً لمكتب رئيس الجمهورية للدراسات العامة حاولت استصدار وثيقة رسمية مستقلة، أي قائمة بذاتها، تعلن الحق القانوني لسعيد اسحق في توصيفه رئيساً. وحين انتقل إلى رحمة الله ذلك الرئيس السوري المؤقت كتبت عنه مرثاةً عنوانها: “وداعاً يا عمي سعيد، يا رئيس الدولة”.
أعود إلى صلب الموضوع: هل عرف التاريخ السياسي المعاصر نائباً للرئيس لا يصح، لسبب أوآخر، تخيُّل شغله الرئاسة؟
الجواب: نعم.
في سودان ما قبل انفصال الجنوب، كان ثمة نائب رئيس مسيحي من الجنوب لا يصح تخيل شغله الرئاسة.
وفي عراق ما قبل /2003/ كان ثمة نائب رئيس كردي لا يصح تخيل شغله الرئاسة آنذاك.
وثمة الآن نائب لأمين عام جامعة الدول العربية من الجزائر، هو السفير أحمد بن حللي، ولا يصح تخيل شغله الأمانة العامة إلا لفترة انتقالية محدودة. الأمانة لمصر لأنها دولة المقر رغم عدم وجود نص. وكانت الأمانة لتونس حين كانت دولة المقر.
النتيجة الهامة جدّاً: تدلنا الخبرة العملية بشأن النائب أنه يصح أن يكون نائباً دون أن يكون في المتخيل أن يصبح رئيساً. ومعنى هذا الكلام أنه لا يُشترط في نائب رئيس الجمهورية أن يكون دينه الإسلام.
هذا اجتهادي وأسأل لجنة الدستور إيضاح الأمر.
الدكتور جورج جبور
مؤلف كتاب : “العروبة والإسلام في الدساتير العربية”
سابقاً أستاذ محاضر في كلية حقوق جامعة حلب،
وأستاذ ورئيس قسم السياسة في معهد الدراسات العربية العليا في القاهرة
Discussion about this post